د. علي عبد الرحيم العبودي/ جامعة النهرين – العلاقات الاقتصادية الدولية
تُعدّ الموازنة العامة للدولة الجزء الأهم في مسار الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في جميع الدول، لذلك أولت الحكومات اهتماماً بالغاً بكيفية إدارة الموازنة المالية، وباختيار المنهج الأنسب لإعدادها. ونتيجة لذلك، سعت الدول إلى اعتماد نظام موازناتي يُمكّنها من تحقيق الأهداف المتنوعة التي تسعى إلى إنجازها. ونظراً لتطور مناهج التحليل الاقتصادي، وتقدّم الوسائل التقنية للحصول على البيانات والمعلومات، تطوّر منهج إعداد وإدارة الموا زنة العامة، منتقلاً من مجرد أداة للرقابة على الإنفاق إلى أداة للإدارة والبرمجة والتخطيط. وعلى هذا الأساس، ظهرت أنماط متعددة من الموازنات تختلف فيما بينها من حيث درجة التطور ومنهج الإعداد والإدارة. ومع ذلك، أثبتت التجارب الدولية أن موازنة البرامج والأداء تُعدّ الأسلوب الأكثر نجاحاً في إعداد وتنفيذ الموازنة المالية، لاسيما في الدول التي لا تزال تمر بمرحلة انتقالية نحو التحول الاقتصادي.
أما فيما يخص العراق، فلا يزال يعتمد أحد أقدم الأساليب في إعداد وتنفيذ والرقابة على الموازنة العامة، وهو أسلوب “موازنة البنود”، إذ لا تزال الموازنة العراقية محكومة بالقواعد التقليدية لهذا النمط، منذ إعداد أول موازنة في تاريخ الدولة. والحقيقة أن تبنّي العراق لموازنة البنود في المراحل السابقة كانت له أسبابه وظروفه، من بينها السعي إلى تحقيق قدر من القبول السياسي والاستقرار المالي، غير أن التطورات الكبيرة في العلوم الاقتصادية والمالية، واتجاه معظم دول العالم إلى مغادرة الأساليب التقليدية في إعداد وإدارة المالية العامة، إلى جانب بروز منهجيات حديثة في إعداد الموازنات، تفرض اليوم واقعاً مختلفاً. لقد كشفت موازنة البنود عن سلبيات جسيمة تمثلت في هدر المال العام، وضعف الإنجاز، وتعقيد الإجراءات الإدارية، وهو ما يؤكد الحاجة الملحّة إلى تبنّي منهجية جديدة في إعداد وإدارة الموازنة العامة العراقية. وفي هذا السياق، تُطرح موازنة البرامج والأداء بوصفها أحد أكثر الأساليب ملاءمةً للواقع العراقي الراهن، وكونها تمثل أداة مالية إصلاحية فاعلة تدعم مبادئ الحكم الرشيد وتسهم في تعزيز كفاءة الإنفاق وتحقيق الأهداف التنموية.
لكن قبل الولوج في أهمية ومنهج الانتقال من موازنة البنود إلى موازنة البرامج والأداء في الموازنة العراقية ينبغي تناول فلسفة الأسلوبين وعيوب وايجابيات كلُّ منهما، فضلاً عن عرض كامل لمنهجية إعداد الموازنة العراقية حالياً.
لقراءة المزيد اضغط هنا
