مع بداية الأزمة السورية، تبنّت إسرائيل نهجاً يقوم على الحياد النسبي والسياسة الدبلوماسية الحذرة، مظهرة حذراً في التعامل مع النزاعات الحدودية. اكتفت تل أبيب بتصريحات رسمية محدودة ومدروسة، محذرة جميع الأطراف من أي أفعال قد تهدد أمنها أو مصالحها بشكل مباشر. إلا أن هذه المقاربة شهدت تحولاً مع مرور الوقت، حيث أصبحت أكثر عدوانية، متمثلة في شنّ غارات جوية متكررة تستهدف مواقع عسكرية ومستودعات للأسلحة داخل الأراضي السورية، في محاولة لتأمين مصالحها وسط تطورات الأزمة. وبعد سقوط نظام الأسد، دخلت السياسة الإسرائيلية طوراً جديداً اتسم بزيادة النشاط العسكري والتدخل المباشر في الأراضي السورية.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أطلقت إسرائيل عمليات واسعة النطاق داخل سوريا، وتمكّنت تدريجياً من بسط سيطرتها على مناطق جنوب البلاد. تتواصل هذه العمليات العسكرية منذ سقوط الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، حيث أكّد مؤتمر الحوار الوطني السوري على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي السورية المحتلة. ومع ذلك، رد الجيش الإسرائيلي بشن غارات جوية عنيفة استهدفت مناطق في الكسوة جنوب دمشق وأطراف درعا. بالتزامن مع ذلك، تقدّمت القوات البرية الإسرائيلية إلى الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والقنيطرة، حيث نفذت هجمات باستخدام آليات مدرعة على قريتي رسم المنباطة والدوائية الكبيرة الواقعتين جنوب غرب ريف القنيطرة. وفي تطورات حديثة، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن إسرائيل تسعى لإقناع القوى العالمية بدعم نظام سياسي فيدرالي داخل سوريا.
وعلى صعيد آخر، أعلنت حكومة تل أبيب عن تخصيص أكثر من مليار دولار لدعم الطائفة الدرزية في هضبة الجولان المحتلة، بهدف تشجيع الدروز السوريين على الابتعاد عن المشاركة في الحكومة السورية الجديدة. وفي الوقت نفسه، ومع تصاعد التوترات بين بعض أفراد الطائفة الدرزية في مدينة جرمانا قرب دمشق وقوات الأمن الحكومية، هددت إسرائيل بالتدخل عسكرياً لحماية هذه الأقلية، مما يضيف مزيداً من التعقيد إلى المشهد المتأزم. هذا المشروع يسعى إلى تقسيم سوريا إلى مناطق حكم ذاتي مبنية على أسس عرقية وطائفية، وهو ما يعكس رؤية إسرائيل لإعادة تشكيل خريطة المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
تهدف هذه الورقة البحثية إلى تحليل أهداف إسرائيل ومصالحها في تبنّي استراتيجية تقسيم سوريا. ومن خلال استعراض استراتيجية إسرائيل المستمرة منذ خمسين عاماً لتحقيق هذا الهدف، سيتم تسليط الضوء على الفوائد والمكاسب التي قد تحققها إسرائيل نتيجة تقسيم سوريا.