زهراء عبد الرزاق جبر/ باحثة أكاديمية في إدارة الصراع وبناء السلام
يُعدّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من أكثر الصراعات تعقيداً واستمراراً، إذ امتد لأكثر من مئة عام ولا يزال قائماً حتى اليوم. ويعود ذلك إلى ارتباطه باحتياجات إنسانية غير مادية تمس جوهر الهوية، والاعتراف، والأمن، مما يجعله صراعاً معقداً وممتداً.
بالنسبة للفلسطينيين، يرتبط الصراع بهويتهم الوطنية، وأرضهم، وتاريخهم، في حين ترى إسرائيل أن تأمين وجودها وحماية أمنها يشكلان أولوية دائمة، وتطالب بالاعتراف بها كدولة يهودية تدّعي أحقيتها في أرض فلسطين. ولهذا السبب، ظل الصراع قائماً دون حلول جذرية تعالج أسبابه العميقة وتراعي مبادئ العدالة.
شهد هذا الصراع العديد من التوترات، والأزمات، والحروب، حيث تتماشى تطوراته مع نموذج مايكل لِند، الذي يوضح أن الصراع يتأرجح بين فترات الأزمات، والاضطرابات، والعنف، والحروب، تعقبها فترات تهدئة أو تسكين مؤقت عبر وقف إطلاق النار، دون التوصل إلى حل دائم.
في هذا السياق، اندلعت حرب طوفان الأقصى عام 2023، عندما شنت حركة حماس هجوماً غير مسبوق على إسرائيل، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى والأسرى، وأحدث صدمة داخل إسرائيل. وردّت إسرائيل بإطلاق عملية السيوف الحديدية، مما أدى إلى اندلاع حرب واسعة استمرت لأكثر من خمسة عشر شهراً. وبعد تدخل الوسطاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وقطر، ومصر، وبعد مفاوضات صعبة مليئة بالاتهامات والتعقيدات، تم التوصل إلى هدنة.
ومع ذلك، يظل التساؤل قائماً:
هل تُعدّ الهدنة أداة فعالة لبناء السلام في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، من خلال تمهيد الطريق نحو سوية تؤدي إلى صنع السلام ثم ترسيخه؟
أم أنها مجرد آلية مؤقتة لإدارة الأزمة (استراحة مقاتلين) في ظل المتغيرات التي طرأت على الوضع الفلسطيني والإقليمي، دون التوصل إلى حل دائم للصراع؟ بهذا الطرح، تتحدد إشكالية البحث من خلال التساؤل الرئيسي التالي:
هل تُعدّ الهدنة أداة لبناء السلام عبر تقديم آليات تسوية تُفضي إلى إنهاء الصراع، أم أنها مجرد وسيلة لإدارة الأزمة دون تحقيق تسوية حقيقية تعالج جذور النزاع؟
وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن فعالية الهدنة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي تعتمد على مدى ارتباطها بآليات تسوية حقيقية؛ فإذا تضمنت شروطاً تمهّد لصنع السلام، فقد تساهم في إنهاء الصراع، بينما إذا اقتصرت على وقف مؤقت للقتال، فستكون مجرد إدارة للأزمة (استراحة مقاتلين) دون تحقيق سلام مستدام.
ولمعرفة ذلك، تقسم هيكلية البحث إلى تمهيد يتناول تعريف مفردات الدراسة، ثم محورين رئيسيين:
- المحور الأول: الفاعلون في الصراع.
- المحور الثاني: الهدنة بين إدارة الصراع والتسوية – دراسة نظرية وتطبيقية.
-
لقراءة المزيد اضغط هنا