د. بكر خضر جاسم الصبيحي / باحث
حظيت مسألة تربية النشء من الأطفال واليافعين باهتمام الفلاسفة ومفكري السياسة منذ القدم، ففي مؤلفه “الجمهورية”، اعتبر أفلاطونُ التعليم أحد أهم مرتكزات الدولة الفاضلة، إذ لا قيام لهذه الأخيرة إلا بوجود مواطنين صالحين، ولا سبيل إلى خلق المواطن الصالح إلا من خلال نظامٍ تعليمي سديد. ومن هنا جاءت دعواتُه إلى أن تتحمل الدولة مسؤولية الإشراف التام على التعليم، وألا تتركه في أيدي أفراد أو هيئات خاصة.
إذا كان مستوى تقدُّم الدول يُقاس بمستوى التعليم، فإن ظاهرةَ التسرب من التعليم تُعد من أخطر القضايا التي تواجه المجتمعات النامية، إذ ظل مفهوم “التسرب المدرسي” إشكاليةً تعاني منها هذه المجتمعاتُ، لا سيَّما المأزومة منها. فبحسب الإحصائيات الحديثة، يتبين وجود علاقةٍ طرديةٍ بين تفاقم الأزمات وازدياد حالات التسرُّب المدرسي.
وبالعودة إلى دراسات علم الاجتماع حول هذه الظاهرة، تناول العديد من الباحثين هذه المشكلةَ من منظورٍ خارجي، وذلك من خلال ربط المُسببات بالنتائج أو دراسة تأثير البناء الاجتماعي العام على الأفراد وتداعياته في تفاقم الظاهرة. وغالباً ما تُشير النتائجُ إلى تأثير الفقر، والحروب، والأوضاع الاقتصادية الهشَّة، والبطالة، وفقدانِ الأبوين… إلخ، في ازدياد حالات التسرُّب. لذلك، سوف نركز في دراستنا هذه على العوامل الداخلية أو الذاتية، وسَبر أغوارها من منظور علم الاجتماع من الداخل.
أما فيما يخص المجتمع العراقي، فإن الإحصائيات تُشير إلى نشوء أكثر من جيلٍ من المتسربين من مدارسهم نتيجة عوامل عدةٍ تعاقبت على المجتمع العراقي. وهذا الأمر يستدعي الوقوف عند هذه العوامل وتقييمها من منظور علم الاجتماع، من خلال استنباط آراء ذوي الاختصاص وأولياء الأمور والكوادر التدريسية. كما يتطلب تأسيس برنامج تربوي متعدد الأبعاد، وصياغة سياسات اجتماعية من شأنها الحدُّ من هذه الظاهرة السلبية، وذلك بالاستعانة بنظريةٍ عربيةٍ حديثة، وهي نظرية “القواعد المتصارعة”.