محمد الربيعي/أكاديمي وباحث في الشأن السياسي
المقدمة:
تعدّ الكهرباء في العراق- تحديدًا- مشكلة مزمنة يعاني منها الشَّعب العراقيُّ منذ سقوط النِّظام البائد، وهي من أبرز التَّحدِّيات الَّتي تواجه الدَّولة والمجتمع على حدّ سواء، حيث تبرز سوء التَّخطيط والحروب والفساد من أهمِّ الأسباب الَّتي تحول دون النُّهوض بهذا القطاع وتطويره
وعلى الرَّغم من الجهود الَّتي تبذل من الحكومات المتعاقبة إلَّا أنَّه ما زالت مشكلة الانقطاعات المتكرِّرة يعاني منها المواطن البسيط الأمر الَّذي يدفعه إلى استخدام مولِّدات الدِّيزل وتحمُّل أتعاب إضافيَّة في سبيل سدِّ حاجته اليوميَّة من الكهرباء.
مشاكل الكهرباء في العراق:
تتمثل مشاكل الطاقة في البلد بعدم وجود إدارة ناجحة وسوء التخطيط، فان مشكلة الطاقة الكهربائية في العراق ليست وليدة اليوم فالبلد يعاني من نقص حاد بالطاقة منذ عام 1990، بل وتفاقم الامر بعد عام 2003.
ونقلا عن النائب هادي السلامي بلغ اجمالي المبالغ التي رصدت لهذه الوزارة حسب كتاب صدر عن وزارة المالية و وزارة الكهرباء منذ عام 2005 ولغاية 2023 (1596265533)(بليون وخمسمائة وستة وتسعون ترليون ومئتان وخمس وستون مليار و خمسمائة وثلاثة وثلاثون مليون دينار عراقي) ورغم هذه التخصيصات العالية الان الكهرباء في العراق لم تشهد تحسن ملحوظ في تجهيز الكهرباء, بلغ مجمل ما يحتاجه العراق من الكهرباء 35 الف ميغا واط حتى سنة 2023, في حين لم ينتج العراق الا نحو 26 الف ميغا واط ويعود ذلك لأسباب عديدة منها تهالك المحطات الكهربائية وتفشي الفساد على درجة عالية في هذا القطاع , ففي عام 2019 مثلا بلغ اجمالي التكاليف التشغيلية المعلنة للوزارة (9.3) مليار دولار بينما كانت الواردات اقل من مليار دولار وقد يعزى انخفاض الإيرادات الى تفشي السرقة والفساد الإداري وقد حذر وزير المالية علي علاوي في السنوات التي تلتها في حديثه عن الكهرباء (اذا لم يصلح هذا القطاع نفسه خلال السنوات الثلاث الى الخمس القادمة فهناك احتمالية ان يؤدي ذلك الى تدمير ميزانية الحكومة وذلك يعني اختلال التوازن المالي في وزارة الكهرباء ) .
يشكل الفساد المالي في هذا القطاع جزء من عوامل تدهور الكهرباء في البلد فقد أعلنت هيئة النزاهة في 4 من ديسمبر 2022 المصادف يوم الاحد ان إحصائيتها بعدد المتهمين في قضايا الجزائية الخاصة بوزارة الكهرباء قد شملت (2645) متهما بينهم (7) وزراء و (5) وكلاء وزير و (127) مديرا عاما و (2442) موظفا بمنصب أدنى تعاقبوا على مسؤولية الوزارة منذ عام 2003 الامر الذي يبين مدى حجم الفساد الكبير الذي يعاني منه هذا القطاع.
التأثيرات الإقليمية والدولية على قطاع الطاقة في العراق:
تعتمد الكهرباء في العراق على محطات تعتمد في تشغيلها على الغاز الطبيعي , تلعب دول المنطقة دور مهم في تصدر الغاز الى العراق , تعد ايران احدى الدول التي تستحوذ على سوق الطاقة في البلد , وقد بدأت ايران تصدير الغاز الطبيعي الى العراق بموجب عقد وقع في عام 2017 بمقدار يتجاوز 50 مليون كيلو متر مكعب يوميا , الا وانه بسبب العقوبات الامريكية على ايران تواجه صعوبة في تزويد العراق بالغاز الطبيعي لتشغيل المحطات الكهربائية في العراق وهذه تمثل من اهم المشكلات التي تواجه البلد , يضطر العراق بين مدة وأخرى الى تمديد الاعفاء الممنوح لمواصلة استيراد الغاز الطبيعي , ورغم ذلك يواجه العراق انقطاع متكرر في الكهرباء بسبب انقطاع الاستيراد علما يبلغ عدد المرات التي جدد فيها الاعفاء الممنوح الى العراق بخصوص استيراد الغاز الطبيعي نحو (22) مرة ولم يدخل الى الخزانة الإيرانية أي أموال من مشتريات العراق من الغاز وكان ذلك في الفترة الأولى من رئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .
حاليا تلعب الولايات الامريكية دور مهما في ربط العراق الشبكي للحد من استراد الغاز من إيران عبر ربط العراق مع كل من الخليج والأردن وتركيا فقد وقع العراق في شهر يولو/تموز 2022 عقد مع دول مجلس التعاون الخليجي لتنفيذ مشروع الربط السوق الخليجي للكهرباء مع العراق، على ان تقوم دول الخليج بتزويد العراق بنحو 3.94 تيرا واط، وكذلك تم توقيع عقد بين العراق والأردن في أكتوبر / تشرين الأول 2022 لربط شبكة العراق مع الجانب الأردني، كل هذه الممارسات تهدف لتقليل اعتماد العراق على الغاز الطبيعي المستور من إيران.
بدائل الكهرباء في العراق:
يعتمد العراقيين خصوصا في فصل الصيف مع الساعات الانقطاع الطويلة للتيار الكهربائي على مولدات الديزل في توليد الطاقة الكهربائية , فقد كشفت وزارة التخطيط العراقية عبر مسح قامت به في عام 2023 لمعرفة عدد مولدات الديزل الى ما يقارب (48533) مولدا في عموم العراق , وعدد المستفيدين بلغ ما يقارب (6,700,665) مليون مشترك اما عدد الأمبيرات فتقدر الى نحو (25,875,722) مليون امبير, هذا ما يبين حجم الاعتماد الكبير على هذه المولدات من جراء سوء تجهيز الطاقة من قبل محطات الكهرباء في العراق يضطر من خلالها المواطن ان يتحمل عبئ إضافي من جراء سوء قطاع الكهرباء في العراق وخصوصا خلال فصل الصيف .
الخاتمة:
في الختام، تعد مشكلة الكهرباء في العراق انعكاسا للتحدي الأكبر التي تواجه البلاد ورغم الجهود المبذولة لتحسين الإنتاج الطاقة الكهربائية وتطوير الشبكات الا انه لاتزال الفجوة بين العرض والطلب جدا كبيرة مما يؤثر على حياة المواطنين , ان معالجة مثل هذه المشكلة تتطلب رؤية استراتيجية , واستثمارا مستداما , ومكافحة الفساد لتعزيز كفاءة القطاع وتحقيق استقرار طويل الأمد.