إسلام زيباري/ ناشط في الشؤون الأمنية والعسكرية
شهد إقليم كوردستان العراق منذ عام 2010 محاولات لتوحيد قوات البيشمركة تحت مظلة وزارة البيشمركة. ورغم الجهود المبذولة، لا تزال التحديات قائمة أمام هذا التوحيد. فبينما يسعى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأسيس جيش وطني لإقليم كوردستان، تظل الولاءات الحزبية المتأصلة في هذه القوات عائقًا كبيرًا أمام تحقيق هذا الهدف.
تتعارض الممارسات الحزبية داخل وزارة البيشمركة مع التزامات الإقليم الدولية. فبعد أن تلقت قوات البيشمركة دعماً عسكرياً وتدريباً من دول غربية، كان من المتوقع أن تقوم بإصلاحات جوهرية لتوحيد قواتها وتأسيس جيش مهني. إلا أن استمرار التدخلات الحزبية يمثل خرقاً لهذه الالتزامات ويضعف الثقة الدولية في إقليم كردستان.
يرفض الحزبان الحاكمان (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني)، اللذان يمتلكان قوات عسكرية حزبية، منذ سنوات طويلة التخلي عن هذه القوات وانخراطها الكامل في وزارة البيشمركة. ولكن، تحت الضغوط الدولية، يسعى الحزبان إلى إيجاد صيغة متوافقة للاحتفاظ بقواتهما مع منحها صفة رسمية وقانونية شكلية، وذلك عبر إعادة هيكلة هذه القوات، وتحويل ما يسمى بـ “فرمانده” إلى وحدات عسكرية على شكل فرق عسكرية بهدف دمجها ضمن هيكلية وزارة البيشمركة. يهدف هذا التحويل إلى تقديم هذه القوات كجزء من النظام العسكري الرسمي لإقليم كردستان العراق، ومنحها طابعًا رسميًا وقانونيًا يمكن استخدامه للحصول على التمويل والتدريب من المصادر الدولية.
ضمن السياق الدولي، هناك ضغوط مستمرة من التحالف الدولي، وبالأخص من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، تدعو إلى دمج جميع القوات الحزبية والعسكرية ضمن هيكل واحد تحت قيادة وزارة البيشمركة، وذلك للأهداف التالية:
* توحيد القيادة والسيطرة: لضمان وجود قيادة عسكرية واحدة، مما يعزز الفعالية القتالية.
* التمويل والدعم: توحيد القوات يسهل على المانحين الدوليين توزيع المساعدات والدعم العسكري بشكل أكثر فعالية.
* الاستقرار السياسي: يُعتبر توحيد البيشمركة أيضًا خطوة نحو تقليل التوترات السياسية بين الأحزاب وتحقيق استقرار داخلي.
ومع ذلك، يواجه دمج قوات البيشمركة وتوحيدها تحت مظلة وزارة البيشمركة تحديات عديدة تجعل منه توحيدًا شكليًا لا حقيقيًا، من أبرز هذه التحديات:
* الولاء الحزبي: تبقى القوات الحزبية مخلصة لأحزابها السياسية، حيث تتلقى الأوامر من القيادات الحزبية أكثر من القيادة الرسمية لوزارة البيشمركة. هذا يعني أن التحكم الفعلي والاستراتيجي لا يزال في أيدي الأحزاب.
* القيادة والسيطرة: من الناحية الإدارية، تُظهر القوات أنها تحت قيادة وزارة البيشمركة، لكن من الناحية العملياتية والاستراتيجية، بما في ذلك اختيار القادة، تبقى في أيدي الأحزاب.
* التداخل في السلطة: تفتقر وزارة البيشمركة إلى السلطة الفعلية على إدارة هذه الفرق العسكرية، التي تحتفظ باستقلالها التنفيذي تحت قيادة الحزب. هذا يعني أن القوات الحزبية تستخدم موارد الدولة ولكنها تعمل وفقًا لأجندة حزبية.
بعد أن زودت الولايات المتحدة قوات البيشمركة بـ24 مدفعاً ثقيلًا، تم تقاسمها بالتساوي بين الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان، حيث حصل كل حزب على 12 مدفعًا. هذه المدافع تم تخصيصها لوحدتي الإسناد الأولى والثانية التابعتين إداريًا لوزارة البيشمركة، ولكنها تخضع عمليًا لأوامر حزبية مباشرة. وبالتالي، فإن الحزبين يسيطران بشكل فعلي على هاتين الوحدتين.
ينتج عن هذا التوحيد الشكلي لقوات البيشمركة نظام معقد يتم فيه تقسيم الولاء بين الدولة والحزب، مما يعقد إدارة قوات البيشمركة ويُضعف القدرة على تحقيق استراتيجية عسكرية موحدة. كما أنه يؤدي إلى تكرار النزاعات السياسية داخل إقليم كردستان، حيث تبقى قوات البيشمركة أداة في اللعبة السياسية بين الحزبين.
بالتالي، على الرغم من حدوث الدمج الرسمي على الورق، إلا أن الواقع على الأرض يُظهر أن القوات الحزبية تظل تحت إمرة الأحزاب السياسية على الرغم من دمجها تحت مظلة وزارة البيشمركة. هذا يحد من فعالية الوزارة في تحقيق توحيد عسكري حقيقي ويستمر في تعقيد المشهد الأمني والسياسي في العراق وإقليم كوردستان.