المزيد

    الطاقة والتحولات الجيوسياسية بعد احداث سوريا: الأدوار والفرص والتحديات أمام العراق

    د. لؤي الخطيب / زميل متميز في جامعة كولومبيا، وأستاذ فخري في جامعة إكستر، وزميل في السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينجز، ووزير سابق للكهرباء وعضو في مجلس الطاقة الاتحادي في جمهورية العراق

    تحرير/ مصطفى السراي / مدير الأبحاث والدراسات في مركز البيان للدراسات والتخطيط

    ليس من السهولة القول إن أي دولة يمكن لها أن تتقدم في نموها بمعزل عن محيطها والعالم، فطوال السنوات الماضية، عانى العراق من أزمات هيكلية أمنية وطائفية ناجمة عن سنوات من القمع وقمع الحريات. الظروف التي كانت سائدة بعد عام 2003 لم تسمح لعناصر القوة الاقتصادية في العراق بالسير على مسار تنموي واضح. وبناءً على ذلك، تم اختيار نهج للاقتصاد العراقي ينصب على الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي (أي استخدام الاقتصاد لأغراض الأمن والسياسة لتعزيز عناصر الدولة)، بدلاً من التركيز على تحقيق أعلى مستويات النمو وفقاً لقواعد اقتصادية صارمة.

    العراق الطموح، الذي يسعى إلى نهل منافع النمو من عناصر القوة التي يمتلكها والتي تتوزع بين المصادر الطبيعية للطاقة في النفط والغاز، وإلى الهبة السكانية التي جعلت البلاد الأكبر في قوة العمل 60% من النسبة الإجمالية إلى السكان، إلى الموقع الجغرافي الذي يتوسط طرق النقل العالمية، إلى مراكز التنوع الديموغرافي للسكان وما يحمله من ميزة استقطاب عالية، وغيرها من عناصر القوة الاقتصادية التي تستمد من البعد الديني، والاجتماعي، والجغرافي للبلاد. الحكومة العراقية الحالية، تشعر أن المناخ مؤاتي جداً لانطلاق الفعاليات الاقتصادية ذات الأثر الملموس على الواقع المجتمعي والقادرة على التنويع، وخلق إحساس إيجابي لدى السكان حول أهمية التنمية الاقتصادية ودعم الدولة في ذلك، أي خلق مسؤولية تضامنية في النمو. كما أن هناك تحسن في بعض المؤشرات العامة ذات الأثر المهم في حوكمة النشاط الاقتصادي منها انخفاض مؤشر الفساد في العراق من 178 في السنوات القليلة الماضية إلى 154 في 2023 من مجموع 180 دولة، كما أن المحفظة الاستثمارية في العراق تتجه إلى الارتفاع، فالعراق استقطب 100 مليار دولار في أنشطة استثمارية متعددة أهمها في مجال النفط والغاز وفقاً الى محمد النجار مستشار رئيس الوزراء، ويتوقع أن يحصد العراق المزيد من الأموال إذا ما اتجه اكثر إلى تطوير النظام المصرفي العراقي، وربطه أكثر بقواعد النظام المصرفي الدولي.

    من وجهة نظر العراق، ووفقاً للمعطيات السابقة، فإن الأوضاع الداخلية في سوريا ستحدد طبيعة التفاعل الاقتصادي بين البلدين. إذ يركز العراق حالياً على مراقبة الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا بشكل مكثف، ولا يُتوقع أن يمنح الأولوية للاعتبارات الاقتصادية في هذه المرحلة. من جانب آخر، فإن الإدارة الانتقالية في سوريا لن تركز على العراق اقتصادياً لعدة أسباب، منها أن الطريق البري بين البلدين لا يُتوقع أن يكون مناسباً لحرية حركة البضائع، نظراً لاستمرار نشاط تنظيم داعش الإرهابي في الصحراء السورية، وعدم توقع استقرار الأوضاع الأمنية فيها قريباً. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال من غير الواضح طبيعة العلاقة المستقبلية بين تنظيم داعش وبقية التنظيمات التي استولت على السلطة في دمشق، مما يفتح المجال لاحتمال وقوع اشتباكات بين هذه الأطراف، خاصة في حال عدم وجود ترتيبات واضحة لإدارة الأوضاع العامة في البلاد. ويُضاف إلى ذلك أن الحكومة الانتقالية في سوريا عازمة على بسط سلطتها على كامل الأراضي السورية.

    في قطاع النفط والغاز، وبناءً على النقاشات الدائرة حالياً، لا يزال قطاع النفط العراقي يفتقر إلى الحوكمة الكاملة. وتشير التقارير الغربية إلى وجود عمليات فساد في بعض مفاصل هذا القطاع، كما أن هناك بعض الآراء التي تتحدث عن احتمال فرض عقوبات قد تشمل أفراداً أو منشآت نفطية أو حسابات مالية. هذه القضايا، وغيرها، سيتم مراجعتها اليوم، مع محاولة تحليلها واستكشاف الحلول التي يمكن أن تخدم صانع القرار في التعامل معها.

    وفي الوقت الذي تتصاعد فيه المخاوف الإقليمية بشأن قضايا الطاقة، تبرز بعض التوقعات المتفائلة حول إمكانية استغلال الأزمات المعقدة لخلق فرص جديدة. إذ تحاول بعض الدول توظيف الأوضاع الراهنة لتحويل أزمة الطاقة إلى فرصة إنقاذ، يمكن من خلالها تحقيق مستوى أعلى من المناورة وتعزيز النفوذ.

    التغيرات التي عصفت بسوريا سلطت الضوء بشكل أكبر على التوقعات المتعلقة بالعلاقات في مجال الطاقة، وطرق النقل والإمداد، ودور الطاقة كعنصر من عناصر الاستقرار في سوريا والدول المحيطة بها، ومنها العراق. إن التداعيات المستقبلية الناجمة عن هذه التحولات، إلى جانب الاستراتيجيات والخطط الإقليمية المختلفة بشأن الطاقة، تستدعي دراسة وفحص التغيرات والعواقب المحتملة في هذا المجال. إذ إن التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية ستكون حاضرة بقوة بالنسبة لدول مثل العراق، الذي يسعى جاهداً إلى ترسيخ مكانته كلاعب رئيسي في سوق الطاقة التقليدية وغير التقليدية على المستويين الإقليمي والدولي، ولا سيما بعد طرح مشروع طريق التنمية.

    تمثل هذه الورقة محاولة لتسليط الضوء على المتغيرات المعقدة والتحولات الجوهرية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب التغير في موازين القوى الإقليمية والدولية، وأثر هذه التغيرات على أمن الطاقة الإقليمي والدولي، الذي أصبح من الموضوعات الحساسة التي تشغل الفواعل الدولية، لا سيما بعد الحرب الروسية-الأوكرانية والتداعيات التي أفرزها طوفان الأقصى عقب 7 أكتوبر 2023. كُتبت هذه الورقة على إثر الجلسة الحوارية التي عقدها مركز البيان للدراسات والتخطيط بتاريخ 9 يناير 2025 حول الطاقة بعد التحولات الجيوسياسية في سوريا وأثرها على العراق، والتي استضاف فيها المركز الدكتور لؤي الخطيب، بحضور نخبة من الإعلاميين والباحثين في العلوم السياسية والأكاديميين المتخصصين في العلاقات الدولية، إلى جانب بعض ممثلي القوى السياسية.

     

    لقراءة المزيد اضغط هنا