back to top
المزيد

    واحة البيان

    الاستراتيجية العراقية والعقيدة الترامبية بين إشكالية الأدراك ومعضلة الأداء.. قراءة تحليلية في مُكنّة البلف الاستراتيجي

    المحلل الاستراتيجي ا.د.حازم حمد موسى/ رئيس فرع العلاقات الدولية / كلية العلوم السياسية / جامعة الموصل

     ملخص تنفيذي

    استشهاداً بالمرجعية التاريخية (الحقبة الرئاسية الأول لدونالد ترامب) ،  إنها حقبة خلت و اشرث على العلاقات العراقية –الأمريكية مؤشرات سلبية جرت محاولات سياسية عراقية عديدة لتجميل صورتها وتأصيل العلاقة وتحسينها ، طمعاً بمكتسب الأمن ومطلب الدور ، وبحثاً عن المكانة المفقودة ، لكن الكثير يجهل فروض العلاقة وطبيعتها التي تأسست على نهج المحتل –المستعمر-المتغطرس، تلك العلاقة بدت واقع مادي ملموس لا يمكن القفز عليه أو تجاهله في السلوك الدولي، ما عقد المشهد السياسي العراقي-الأمريكي هو عودة دونالد ترامب إلى سدرة الحكم الأمريكي مرة ثانية وتلك الطامة الكبرى للبعض الرافض لوجدوه السياسي، فالتفسير المنطقي يشير إلى ضرورة التفاعل، والعمق التجريبي يخبرنا بوجوب الاستمرار بحذر وعدم الانجرار معه ولا الخوض في مغامرة يخوضها  بعض المناوئين له ضده، لاسيما في ضوء تعدد الأطر والتيارات التي تتعاطى ومعطى العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، فما إن حل التغيير على الإدارة السياسية الأمريكية حتى بدت لمساته تنتشر كالوباء عالمياً، وهذا يتطلب إجراءات حثيثة وبتراتبية عالية للتعامل مع الظاهرة الترامبية، فمن غير سابق إنذار بدأ يمطر السياسة الدولية بوابل من القرارات التي ممكن أن تغيير مسارات النظام الدولي ما لم يعمل صناع القرار في العالم على إيجاد نهج موحد للتعامل معه، وهذا الأمر ليس بسهل ، بقدر ما هو اقرب إلى ضرب الخيال، بفعل التغيير المتوالد.

    المحور الأول: السياسة المتبادلة المعتلة : إشكالية الأدراك وضرورة الاستجابة

    البادي ذي بدء هناك صعوبة في التوسل بصيغة محدودة لتحديد ماهية العقيد الترامبية وسلوكها الدولي عامة ، وتحديد طبيعة ومكانة العراق فيها خاصة، فعودة أمريكا عظيمة مرة ثانية من اهم أولوياته الاستراتيجية([1]) .

     وانظراً لما تطلبه من نبوغ وممارسة وحساسية وقدرة على تلمس نواحي النفص والوهن في تجارب متعددة والكاشفة بدورها من صيغ أداء مختلفة فضلاً عن ارتباك العلاقة بين القيميين على السياسة العراقية من جهة والقيمين على شؤون السياسية الخارجية الأمريكية، ذلك الارتباك العلاقاتي ولد ارتباك فكري وتنافري أدائي افرز آليات محفزة تسارعاً لتحجيم العلاقة بين الطرفين بعد فشل الترويض التأهيلي ولعل من ابرزها غياب الاستعداد الفكري والسلوكي في النظر إلى الظاهرة الترامبية نظرة استراتيجية تحدد صور المعالجة العلاقاتية وآليات تفعيلها وتلك إشكالية([2]) .

    ودعونا نذكر ونستذكر إن رؤية إدارة ترامب في مجال السياسة الخارجية تستند إلى مبدأ “السلام من خلال القوة”، التي يهدف منها منع اندلاع حرب عالمية ثالثة، واستعادة السلام في أوروبا والشرق الأوسط، وتحصين الولايات المتحدة الأمريكية داخلياً من أي هجمات معادية، ويتحقق ذلك عن طريق([3]): رفع شأن المصلحة الوطنية الأميركية عالمياً، و تحديث الجيش الأميركي ليبقى أقوى جيش في العالم ،  و ضمان وفاء الحلفاء بالتزاماتهم في مجال الدفاع المشترك، وتعزيز القدرات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لـ “حماية أسلوب الحياة الأميركي”، والدفاع عن حدود الولايات المتحدة، و إحياء القاعدة الصناعية الأميركية لضمان خلق وظائف جديدة للأميركيين، مع إيلاء الصناعات الدفاعية الأولوية، حماية البنية التحتية الأميركية من الهجمات السيبرانية المعادية.

    وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن إنكار صعوبة التقارب السياسي العراقي-الأمريكي بفعل التشكيل السياسي العراقي غير المتوائم نسقاً مع التشكيل السياسي الأمريكي، إذ هناك أرهاط مختلفة بتجاذبها وأخرى على خلاف حاد تتنافر معها، فالأمر يتطلب إعادة هيكلة للاستراتيجية العراقية لنقلها من التعامل مع الرؤى الديمقراطية إلى الرؤى الجمهورية، فبناء نهج سياسي موحد للتعاطي مع النهج الأمريكي الجديد صعب لاختلافات الرؤى السياسية العراقية وتلك معضلة أدائية، لها انعكاساتها التفاعلية في ملفات ذات علاقة تفاعلية على سبيل المثال الملف السوري والملف الإيراني والملف اللبناني والملف الفلسطيني([4]).

    ولا يعد تعبيراً غير منطقي عند الإقرار بصعوبة التعامل مع العقيدة الترامبية وما تحمل من عنجهيه أمريكية متعالية شعارها” عودة أمريكا عظمى مرة أخرى” إلا إن لهذه الصعوبة محاسنها من حيث إعادة الحسابات الاستراتيجية العراقية والسير الحذر في التعاطي مع قضايا المنطقة التي أفضت إلى  الانجرار الأمريكي للتدخل فيها؛ كونها مناطق نفوذ عالمية، ولا ننكر إن سحب التمويل العالمي للولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما دول ما بعد النزاع، ورد الهجرة بالتهجير القسري هو امر بحد ذاته يراد له موقف دولي لا موقف دولة، فالأمر يفضي إلى أزمات مالية عالمية تترافق من الانسحابات من الأمور ذات الاهتمام العالمي مثل الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ واتفاقيات الطاقة النووية –الإيرانية، وإدارة الظهر عن أهداف التنمية المستدامة، فالعالم الديمقراطي بدأ يتأزم ، بفعل شمولية الأنا الأمريكية([5]).

    ولا ننكر ضرورة التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية ؛ كونها الفاعل الأقوى عالمياً وصاحبة نفوذ في العراق بفعل التواجد العسكرية والدبلوماسي، وهذا يتطلب تفاعل وإن كان مقيد بفعل تأثير الجوار الجغرافي المتضارب، وأن يتحلى صانع القرار السياسي العراقي بالحكمة المجردة الحذرة  وهذا ما يتوجب فعله وعلى النحو الاتي:

    1. الاستحضار المسبق لاستراتيجية –عقيدة ترامب في حقبة رئاسته الأولى وما تسببت به من أسباب و حملت من أفعال ونتج عنها من نتائج لتكوين ارض خصبة لإنبات بذور العلاقة الجديدة والتأسيس لمعرفة جديدة واضحة السمات تضع صانع القرار السياسي والدبلوماسي، لا بل حتى العسكري أمام منطقية الفكر وعقلانية السلوك .
    2. إخضاع أساليب لتنفيذ المقترحة أو ما يسمى بمنهج عمل نموذجي لوحدة القرار العراقي وإعداد برامج استراتيجية محكمة تتداخل فيها الرؤى القويمة والإجراءات الصائبة التي تصرّفها وفقاً لقياسات القدرة التي يتميز بها العقل والمنطق وما يتلاءم والقرارات المطلوبة لا ننأ بالعراق بعيداً عن الحروب والنزاعات في الطوق الجغرافي وأطواقه ما بعد الاطار الجغرافي ذات العلاقة الديمغرافية أو الأيديولوجية أم الثيوقراطية.
    3. البحث المسبق عن شروط عقلانية الخيار الاستراتيجي ولن يكون ذلك ممكناً دون الاهتمام بالتوظيف المنفعي-النفعي المتبادل.
    4. التأهيل والتمكين للتفكير الاستراتيجي لتسريع الأداء الاستراتيجي العراقي وتحسين جودته من حيث الاتخاذ والتنفيذ في التعاطي مع التغيير الأمريكي المتسارع في سلوكه تجاه العراق بفعل تأثر الاستراتيجية بالعقيدة الترامبية.
    5. إخضاع التنفيذ الاستراتيجي للرقابة عن طريق إرداف الأداء بضوابط ومعايير لتقييم الأعمال المقرر تنفيذها وإقرارها ما اذا كانت الجهود العراقية المبذولة تجاه الاستراتيجية الأمريكية وحققت النتائج المرجوة ، ولهذا السعي جملة فوائد منها الضبط الزمني للتنفيذ الزمني وتحقيق الأهداف وفقا لما تصوره الاستراتيجية من مفردات وهنا تكمن العبرة حيث فهم الواقع قياسا للأهداف لا تكييف الأخيرة لذلك الواقع.

    المحور الثاني: سيكولوجيا الشخصنَة السياسية: معضلة الأداء وسيكولوجية الأضداد

    إن الذي يتمعن في تحليل شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجدها شخصية “نرجسية متعالية” تتقارب تشابها مع الشخصيات “الكاريزمية النرجسية “المثيرة للجدل عالمياً والتي أدخلت النظام الدولي في دوامة الأزمات والحروب والنزاعات أمثال الرئيس الألماني “أدولف هتلر”  ، و الرئيس الإيطالي ”بينيتو موسوليني” ، وقائد الاتحاد السوفياتي “جوزيف ستالين”،  وهذا التقارب يفضي إلى تشابه أحداث التاريخ ،كون التاريخ لا يعيد نفسه، لكن الأحداث تتشابه، فمطمحه دخول الموسوعة التاريخية([6]).

    ودعونا نتفق على إن هذه الشخصية أثارت جدلاً و أوجدت حيرة لصانع قرار السياسة العراقية في إمكانية التعامل معها،  لا سيما ووجود اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية 2008لعام  التي ترسم صورة غير متكاملة في التعامل المتبادل بفعل الأزمات المتبادلة والأزمات المجاورة  ([7])،  والأحداث المعلقة العالقة في مجرى العلاقات العراقية الأمريكية- التأزمية منها واقعة مطار بغداد في كانون الثاني/ يناير2020 ، اذا أصدر البرلمان العراقي قراراً  ينص على الزام الحكومة العراقية سحب القوات الأميركية  من أراضيه، وهذه إشكاليات بحاجة إلى حل أو القفز أداءً بعيداً عنها ، وطي صفحاتها في سجل العلاقات بين الطرفين([8]).

    والأدهى والأمر زادت الإشكالية مشكلة الإجراءات القانونية ومذكرة قبض نافذة بحق ترامب ([9])، وقرار المحكمة العراقية النافذ، بعد عملية مطار بغداد في كانون الثاني/ يناير 2020، وفي كانون الثاني/ يناير 2021، أصدر مجلس القضاء العراقي مذكرة إلقاء القبض بحق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفق المادة 406 من قانون العقوبات العراقي الخاصة بالقتل مع سبق الإصرار والترصد، وتلك المفردات يراد إعادة صيغتها وترجمتها إلى اللغة الأمريكية بطريقة جديدة تضمن ماء الوجه للساسة بمختلف عناوينهم ([10]).

    وتعقد الأمر بعد سلسلة التواقيع على قرارات المثيرة للجدل عالمياً يصفها بانها قرارات من اجل إعادة ” العصر الذهبي لأمريكا” والتي يترجمها ترامب” الأنا الأمريكية” فلا  تعلو أنا على الأنا الأمريكية.([11])

    والحقيقة التي لا تنكر ويجب إقرارها هي لا يمكن إخفاء التأثير السيكولوجي لصانع القرار مهما علت المؤسساتية وان رسخ اعتقاد مفاده   إن الرؤساء الأمريكان عادة ما يخرجوا من دولاب عمل هذه المؤسسات وبهذا يكون التناغم بينهم وبين هذه المؤسساتي مطلب له ضرورته.

    وإن من مفارقات القدر إن دونالد ترامب نافس المدرسة النسوية-الديمقراطية  في  الولايتين فظاهرة فوز ترامب في العام 2016 على منافسته الديمقراطية (هيلاري كلينتون) هزّت رهانات الساسة الضد منه حينها، بل إن بعضهم وصفها بالصدمة المروعة، وظاهرة فوزه على منافسته الديمقراطية الثانية (كمالا هاريس) في 2024 كان  الأكثر صدى فموجاته الارتدادية هزت حتى الحلفاء الأوروبيين، مما افضي إلى إعادة الذكورية الواقعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، والدليل الغاء الجواز اكس، واعلاء المخاشنة الدبلوماسية .

    ورجوعاً إلى متطلبات الفوز الانتخابي  إن احد العوامل الأساسية في نجاح المرشح في انتخابات الرئاسة الأمريكية هو تمتعه بـ(كاريزما) تثير استجابة مشاعر الناخب الأمريكي التي لعبت هوليود والثقافة الأمريكية وانتخابات أربعة وأربعين رئيساً على ترسيخها في اللاوعي الجمعي الأمريكي، وهذه الشخصية حققت استجابة ليس للجمهوريين بل كذلك للديمقراطيين، لا بل تعدى ليصبح كاريزما عالمية  .

    واذا ما اردنا وضعه في تحت المجهر التحليلي وسلطنا عليه عدسة التحليل نجد أخطر ما في شخصية” ترامب ” وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، انه مصاب بـ( تضخم الأنا) ، والغريب في شخصية ” الأنا المتضخم ” إنها تجمع صفات في ” توليفة ” من ثلاث شخصيات مختلفة هي : النرجسية والتسلطية والاحتوائية.

    والإشكالية، إن القائد المصاب بتضخم الآنا يكون مستبداً برأيه، فوعده بأنه سيوقف الحروب في العالم تحقق جزء منه في خطوته الأولى ( فلسطين، لبنان، سوريا …وتبقى  أوكرانيا لخطوات ابعد ) فله منطقية على الرغم من الطروحات اللاعقلانية، فهو لا ولن يكترث لاحد حتى بالمؤسسة الأمريكية، وانه يريد تحقيق شعاره (Make America Great Again ) فأننا سنكون بين خيارين: أما يقود العالم بقوة بصناعة قاعدة تحالفية كبرى أو ينفرط العالم منه لقوة الرفض للانقياد له والميل للتحالف العالمي ضده بتخلي حلفائه الأوروبيين([12]) .

    وإن حزم القرارات العالمية التي يتخذها ترامب ما هي إلا إشارة إلى محاولة استباق الزمن كي لا يسبقهم، لشعار الذي كتبه على قبعته والذي رفعه في حقبته الأولى تحديداً عام 2016  ([13]) ، سيعمل على تحقيقه جاعل من الأنانية الأمريكية وما يرافقها من نفعية وذرائعية –برغماتية ستتلاحق في فضاء فكره وتخرج على شكل فعل يذهل العالم بفعل استهداف الحلفاء قبل الأعداء في عمليات بناء الذات الأمريكي والتخلي عن عبء الحلفاء الذين ارهقوا السياسية الأمريكية.

    لا يخفى على متابع للسياسة الداخلية الأميركية أن الإحن فيها قد تعافت، والانتقال الايماءات الخجلة في إطار العلاقات المحكومة بقواعد متعارف عليها بين الأقوياء الموازنين والضعفاء المذعنين إلى اعتلاء الصوت وتدافع الحراكات، فمنذ دخول دونالد ترامب إلى حلبة السياسة الدولية للمرّة الثانية، بعد وصوله إلى البيت الأبيض رئيساً جديداً، حتى تساقطت قضايا القضاء الأميركي ترامب ( 34 )قضية كتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف .

    المحور الثالث: شائكية العلاقات العراقية –الجوارية وارتداداتها الترامبية

    إن من بين الظواهر التي انشغل بها العالم هي الظاهرة الترامبية، ليس للتغيير من النهج الديمقراطي الليبرالي إلى النهج الجمهوري الواقعي، ولا من اجل فوز ترامب مرة ثانية، فهو معروف ومجرب، بل لأنه يحمل غايات لا يدركها إلا هو، وما يكترثه من إجراءات وما يتدفق في ذهنه من صور يصبوا إلى الوصول لها في حقبته ليترك بصمة عالمية،  والإشكالية الأكبر هي مقدرات صناع القرار العراقيين للتعامل مع هذه الظاهرة الرئاسية([14]).

    وإن الشراكة الاستراتيجية والتي تؤطرها الأبعاد الواقعية –الوجودية والاتفاقية الإطارية التي تحفز وتدفع باتجاه الاستقرار الأمني والتنمية الاقتصادية والتفاعل المؤثر خارجياً، فنشغل العراقيون جموع ساسة وشعب في مستقبل العلاقة بين الطرفين بفعل المرجعية التراكمية السابقة والمواقف المسبقة التي يراد لها إعادة قراءة مرة ثانية مثلما إعادة الولايات المتحدة الأمريكية قراءة الأحداث الماضية تجاه ترامب بصورة جديدة براءته وأسقطت حزم التهم عنه،  لا بل عوضته عمما سببت تلك الحقبة له من أذى فجبر خاطره ، وتأهل لإدارة الولايات المتحدة الأمريكية بشخصية كاريزمية اكثر مقبولية في الشارع الأمريكي، فعملوا على تلميع سيرته ومسيرته، وتلك مفارقة غريبة، يراد لصانع القرار العراقي الوقوف عندها والتأمل بها وحسبانها في الحسابات الاستراتيجي لتقارب الأحداث والاستفادة من الإجراءات والانتفاع منها([15]) ، وميله إلى تبني مقاربات في السياسة الخارجية على نمط الصفقات التجارية Transactional Foreign Policy.([16])

    وليس من المعيب أو الغريب ولا مرفوض القيام بإعادة استقراء العلاقات بين الطرفين بطريقة جديدة، تنظف وتزيل المطبات والوعورات التي زرعت في طريق العلاقات العراقية –الأمريكية، والعمل على إعادة تعرفيها من جديد بما يضمن تعزيز الشراكة الاستراتيجية التي أطرت بها العلاقات وتفاعلت في حيزها ومنها رفع يافطة ” إعادة دور العراق مرة ثانية”، فعلى الجميع شد الهم ورصف العزائم لبناء استراتيجية فاعلة ذات نهج واحد وعدة دروب متعددة مرتبطة بمرجعية سياسية محنكة تلاقح بين السياسية فكر وممارسة، وهي بغية الشراكة ومبتغاها النهائي .

    وبقدر ما تضفي هذه الظاهرة من حقيقة واقعة لا بد من التعامل معها، في الوقت ذاته لا بد من سيبل للخروج من العلاقات التفاعلية برضا نسيبي لا يثير حفيظة مناوئية في الداخل العراقي ، كي لا تربك أو تهتز المفاهيم الأمنية التي سكنت في حراكها بفعل تجفيف منابع التغذية عنفية.

        و لا ننكر ما بذلناه من جهد وحراك استراتيجي مع كوكبة من المختصين في الدراسات الاستراتيجية والأمنية والسياسية والاقتصادية والنظمية والفكرية بوصفنا مفكرين ، إلى جانب المختصين الأمنيين بوصفهم ميدانيين -راسمي الخريطة الأمنية  في بناء منظومة الأمن الوطني العراقي  (الاستراتيجية-التكتيك).

    اذا ما قصدنا تحليل ما جرى إبان الحقبة الأولى إلى ترامب وإسقاطه على الحقبة الحالية-القادمة نجد العديد منها معلق لتعقده بحاجة إلى لحل ، ولم تحسمه الإدارة السياسية العراقية، وظلت معتصمة بخيارها ” محاكمة دونالد ترامب” عن سلوكه الاختراقي للسيادة العراقية، وما إن تغيرت الأوضاع حتى استيقظ الساسة والمشرعين والقانونين فزعاً فما عملوا عليه في الماضي، تبين أنه اضغاث إحلال أثر على طبيعة المرحلة القادم بعد أن اصبح المطلوب للعدالة العراقية حامل لميزان العدالة الدولية ، وتلك هي مفارقات القدر .

    يترتب على هذه البانوراما العديد من التدابير الاحترازية التي يتوجب على صانع القرار العراقي اتخاذها، والتي بعض ما يقال عنها  إنها إجراءات لمنع إشعال نيران الحروب والأزمات بين العراقيين والأمريكان بوصفهم السياسي بفعل ارث الماضي المتأزم، التراصف بأوراق الضغط التي زادتها قراراته المتدافعة تسارعاً، فالذي يتتبع المسيرة العلاقاتية يجد إنها متخمة بالديناميات ذات ارتباطات تشعبية جوارياً-إقليمياً تتغذى وتتحفز على المواقف الارتدادية لأفعال ترامب وسياسية في الشرق الأوسط ([17]).

    وترتب على ذلك دخول الجميع ساسة مفكرين اكاديميين وميدانيين -ممارسين في لجّة البحث عن نهج جامعي موحد يؤطر السياسية العراقية فكراً وأداءً لما يضمن من دور ومكانة وتأثير للعراق، ويعد له كينونته القدراتية، التي تمكن القائمين على سياسته فك التعارض والتقاطع التي تتسب فيه المطالب الداخلية والإرادات الخارجية بفعل ” الفرقاء المتضادين”.

    وإن التغيير العالمي من مطالب ترامب بالأخص القضايا التي لم يكتمل تغييرها أو تصدت في الرئاسة الأولى([18]) ، إزاء ذلك لا ينظر ترامب للعراق من منظور السيادة والديمقراطية والحقوق والعدالة  التي ترتكز عليها السياسية الأمريكية ويحتج ويحاجج بها الساسة الأمريكان الآخرين،  بل ينظر لها قاعدة من قواعد النفوذ الأمريكي العالمي ودرجة التقارب والتناسق بين السياستين المربح، فمتى ما كانت عبء دون مردود مادي ملموس، تخلى عنها وشاهدنا الذي نستشهد به” طلبنّة أفغانستان”، و ” تغريم الحلفاء الأوربيون” ، و” تغيير سوريا” ، و “وضغط ايران”، ” تحريك فسيفساء لبنان”، وقلب معادلات ليبا واليمن، ومطلب ضم غرينلاند ، والتوسع في اعالي القطب المنجمد ، فالشائكية العلاقاتية تتطلب المسايرة والموائمة ،  وهذا ما يجب أن يدركه صانع القرار العراقي  ويحذر من الانجرار إلى استراتيجية التوريط(الغرق بالمستنقع ).

    الخاتمة

    لا ينكر التوسع الذي لاح مدلولات السياسية الأمريكية   بعد تسلم ترامب سدرة الرئاسة الأمريكية والتي عدت حقبة مكملة لجزئها الثاني، فتسارع القرارات وتغيير أشرعة الاتجاهات جعلت من العراقيين ساسة وصناع قرار يتراصفون وضع خارطة طريقة ترسم أبعاد وتقيس مسافات العلاقات العرقية -الأمريكية والعلاقات الأمريكية- العراقية بانعكاس فاعليها ورؤاهم .

    وتحقيقاً للغاية الأساسية لمعطى العلاقات العراقية –الأمريكية هي توفر  حالة الاطمئنان والاستقرار التفاعلي، وخفض مستوى التهديد والتوتر إلى ما تحت خط القلق، يبقى على صانع القرار العراقي معني بضفاء طابع الموثوقية العلاقاتية  عبر استدعاء الفكر وسلوك الدروب الآمنة، فلا غرابة من فعل ترامب المتعالي في التعامل مع الآخرين الحلفاء والأصدقاء المتوازنين تقاوياً و المذعنين تسايراً .


    ([1]) President Trump’s America First Priorities , January 20, 2025 ,https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/2025/01/president-trumps-america-first-priorities/

    ([2]) روى جبار توفيق عبد الله، خلف لطيف علي ، السياسية الخارجية الامريكية تجاه العراق في عهد ترامب ، مجلة دراسات دولية ، عدد98، تشرين الاول2024 ، ص353 وما بعدها

    ([3]) “Agenda 47,” DonaldJTrump, accessed on 18/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQ60

    ([4])   Michael Knights, Memo to Trump: Iraq is far from failure, Washington institute, February 13, 2017, https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/mdhkrt-ltramb-alraq-bydaan-kl-albd-n-alfshl

    ([5]) Abdullah Kiran, “Trump and the New Era of Middle Eastern Policies”, Centre Français de recherche sur l’Irak (CFRI), 17/01/2025,  https://www.cfri-irak.com/en/article/trump-and-the-new-era-of-middle-eastern-policies-2025-01-17  

    ([6]) مونت كارلو الدولية، شهادات علماء نفس : ترامب “نرجسي خبيث”،/ أ ف ب، 01/09/2020، https://www.mc-doualiya.com/articles/20200901

    ([7]) تمت المصادقة على هذه الاتفاقية بموجـب قـانون تـصديق اتفاقيـة الاطـار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العـراق والولايـات المتحـدة الامريكية وذلك بموجب القانون رقم (٥٢) لسنة .٢٠٠٨.

    ([8]) فارس الخيام، هل تتأثر علاقات بغداد وواشنطن بعد عودة ترامب؟، الجزيرة، 11/11/2024، https://www.aljazeera.net/politics/2024/11/11

    ([9]) وليد الخزرجي، كيف سيتعامل العراق مع ترامب بعد أن أصدر بحقه مذكرة قبض؟ عربي21 ، 10-نوفبمبر-2024 ، https://arabi21.com/story/1639447

    ([10]) حيدر أحمد، هل يستطيع العراق حقاً محاكمة ترامب من خلال مذكرة اعتقال قديمة؟، بي بي سي نيوز عربي – بغداد، 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، https://www.bbc.com/arabic/articles/c704745j1ezo

    ([11])  سلسلة التواقيع على قرارات التي تعيد هيكلة الإدارة الأمريكية للشؤون الأمريكية الداخلية والخارجية ، تقرير قناة العربية، 30 يناير/ كانون الثاني 2025.

    ([12]) Adav Noti, The Trump Administration’s First 100 Days: Here’s What We’re Watching For, January 17, 2025, https://campaignlegal.org/update/trump-administrations-first-100-days-heres-what-were-watching?gad_source=1&gclid=EAIaIQobChMItczQjuWfiwMVWZKDBx2NlQeZEAAYASAAEgKhAfD_BwE

    ([13])  Alan M. Kraut, “Make America Great Again”… Again?, Center for Migration Studies of New York, New York,2016.

    ([14]) Tia Goldenberg, “Trump Promises to Bring Lasting Peace to a Tumultuous Middle East: But Fixing it Won’t be Easy,” Associated Press, 6/11/2024, accessed on 18/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPnn

    ([15]) Walter Frick, “Donald Trump’s Foreign Policy Plans Are Predictably Unpredictable,” Bloomberg, 10/11/2024, accessed on 18/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPxp

    ([16]) Robert Beck, “Trump 2.0 and Foreign Policy,” Monadnock Ledger-Transcript, 11/11/2024, accessed on 18/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPYE

    ([17]) Fred Kaplan, “What Trump’s Victory Means for the Middle East,” Slate, 11/11/2024, accessed on 18/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQds

    ([18]) eter D. Feaver, “How Trump Will Change the World,” Foreign Affairs, 6/11/2024, accessed on 18/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPIg

    اقرأ ايضاً