د.علاء عبيس راضي الجبوري / رئاسة الوزراء
تختلف الدول في عملية إدارة التهديدات التي تتعرض لها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، خاصةً في ظلّ تنوع وتعدد تلك التهديدات واختلاف أثرها من فترة إلى أخرى. لذا، فإنّ أسلوب إدارتها يشكل نقطة مفصلية في عملية الحفاظ على كيان الدولة من تلك التهديدات. طبيعياً ما تملكه الدول المتقدمة من تقنيات حديثة لمواجهة وإدارة التهديدات التي تواجهها ليست متوفرة بنفس القدر في الدول المتخلفة أو النامية، التي تفتقد إلى تلك التقنيات أو للخبرة في استخدامها، أو حتى لسوء استخدامها. ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة توسّعاً كبيراً في نوعية الهجمات التي أصبحت تهديداً مباشراً وغير مباشراً على الأمن الوطني للدول، بمختلف أنواعها وأشكال نظمها السياسية، مع تفاوت النسبة بين تلك الهجمات والعلاقة بين الأثر والتأثير.
وتُعدّ الهجمات السيبرانية واحدة من تلك التهديدات التي أصبحت تقلق الدول، نظراً لآثارها المدمرة على بنيتها السياسية والاقتصادية والأمنية والتكنولوجية. فقد أدى التطور الهائل والمتسارع الذي شهده العالم إلى جعل أمن الدول الوطني معرضاً للاختراق بصورة مباشرة، سواء داخلياً أو خارجياً، وإن كانت النسبة بينهما متفاوتة. وبما توفره الهجمات السيبرانية من مزايا كبيرة مقارنة بغيرها من الحروب، سواء للجهة المنفذة أو من حيث الفوائد المُتحققة، فقد أصبحت الوسيلة الأكثر استخداماً في الوقت الحاضر، كما تُعَدّ الأداة المستقبلية الرئيسية، لا سيما بالنسبة للدول المتقدمة.
ويُعدّ العراق واحداً من الدول التي يتعرض أمنه الوطني، بين الفينة والأخرى، لمختلف أنواع التهديدات، سواء المباشرة المرئية أو غير المرئية ذات التأثير الكبير. فمنذ عام 2003، وما شهده من تدمير للبنى التحتية وحلّ مؤسساته العسكرية والأمنية، وما تبع ذلك من تأسيس مؤسسات جديدة في محاولة لسدّ الفراغ الأمني الذي نشأ آنذاك، ظلّت التهديدات مستمرة، لا سيما التقليدية منها، مما أدى إلى تعرض الأمن الوطني العراقي لاهتزازات متكررة. غير أن ما واجهه العراق في عام 2014، مع دخول تنظيم داعش الإرهابي على خط المواجهة ومحاولته تأسيس دولته المزعومة على أرض العراق، شكّل أكبر تلك الاهتزازات، والتي سعى العراق بكل السبل للتصدي لها، ونجح بالفعل في تحقيق النصر وهزيمة ذلك التنظيم الإرهابي ميدانياً عام 2017. ومنذ ذلك الحين، اعتمد العراق سلسلة من الاستراتيجيات والآليات في محاولات جادة للتعافي والحفاظ على أمنه الوطني. ومع ذلك، لا يزال يواجه نوعاً جديداً من التهديدات، والمتمثل في الهجمات السيبرانية، والتي تستدعي توفر مجموعة من الآليات لإدارتها والسيطرة عليها، سواء من قبل الفواعل الرسمية أو غير الرسمية، وبأساليب مختلفة.
وتتمحور مشكلة الدراسة حول طرح الأسئلة الآتية:
- ما هي آليات إدارة الهجمات السيبرانية التي يتعرض لها العراق؟
- كيف يمكن الحد من الهجمات السيبرانية والتقليل من أثرها على الأمن الوطني العراقي؟
- ما العلاقة بين الهجمات السيبرانية والأمن الوطني العراقي؟
- ما هي استراتيجيات الحكومة في مواجهة تطور الهجمات السيبرانية؟
- لماذا لا يتم إنشاء هيئة متخصصة للإشراف والرقابة والمتابعة على الجهات المعنية بالأمن المعلوماتي؟
ويقتضي الأمر اتباع مجموعة من الآليات المختلفة والمتطورة لمواجهة الهجمات السيبرانية، إذ إن الجميع مسؤول عن الأمن الوطني العراقي وفقاً لمكانته والمسؤوليات الملقاة على عاتقه. فالعلاقة بين الأمن الوطني وتلك الهجمات علاقة مباشرة، حيث يُعدّ مجرد التعرض لاختراق البيانات وسرقتها مؤشراً على ضعف أمن الدولة. لذا، ينبغي على الحكومة والسلطات التشريعية والقضائية وضع استراتيجيات شاملة والعمل على تنفيذها، بالإضافة إلى إنشاء جهة متخصصة للإشراف والرقابة والمتابعة على عمل الجهات المعنية بالحفاظ على الأمن الوطني العراقي.