back to top
المزيد

    تطورات الساحة السورية ودور تركيا.. ما بعد بشار الأسد

    حسين عباس / باحث

    أحدثت رؤية حزب العدالة والتنمية وسياساته تجاه المنطقة العربية ومجتمعاتها تحوّلًا في تصورات تركيا التقليدية وسياساتها، ومنهج تعاملها مع المنطقة، فبدلاً من الصور النمطية السلبية التي سادت الإدراك التركي عن الجوار العربي منذ تأسيس الجهورية التركية عام ١٩٢٣م، والتي أسهمت في سياسة العزلة التقليدية التي تميّزت بها تركيا في العقود الماضية، توجّه حزب العدالة الحاكم نحو بناء رؤية مغايرة للمنطقة العربية، بوصفها ترتبط بروابط ثقافية ودينية مع تركيا، وتشترك معها بتاريخ ومصير مشترك.

    تعدّ السياسة التركية تجاه سوريا من المفاصل المهمة في السياسات الخارجية التركية في ٢٠ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠٢٤، صرّح الرئيس رجب طيب أردوغان خلال زيارته إلى مصر قائلًا : ” لقد حان الوقت لتصفية المنظمات الإرهابية الموجودة في سوريا”، مؤكدًا أنّ العمليات العسكرية لمواصلة تأمين الحدود ستستمر، وفي اليوم نفسه، تم افتتاح السفارة التركية في دمشق بعد انقطاع دام ١٢ عامًا، مما يُظهر أنّ العلاقات بين البلدين دخلت مرحلة التطبيع عالي التسارع, واستطاعت الحكومة التركية بعد صبر طويل تحقيق حلم أردوغان بالوصول إلى دمشق، ومن المتوقع أن يُقدم قريبًا على زيارة دمشق والصلاة في الجامع الأموي، وهو حلم طالما راوده طيلة السنوات الماضية.

          مما لا يخفى، أنّ موقف تركيا من نظام بشار الأسد كان واضحًا منذ البداية، بيد أنّها سعت للوصول إلى تسوية سياسية قبل الانتخابات الامريكية، لتحجيم دور الأكراد في شمال وشرق سوريا، إذ يشكّل الأكراد تهديدًا تقليديًا في عقيدة الأمن القومي التركي، وكان السعي التركي هذا يسير ضمن استراتيجية سميت بـ “بدء حقبة جديدة في تركيا” وهي عبارة تشير بشكلٍ خاص إلى التغييرات في سياسات “مكافحة الإرهاب” والخطوات الاستراتيجية الجديدة لتركيا.

            تسعى تركيا إلى إعادة تشكيل استراتيجيات الأمن الإقليمي عن طريق تكثيف عملياتها ضد التنظيمات التي تصنفها كإرهابية داخل البلاد وخارجها، لاسيما بعدما أدركت الحكومة التركية بأنّ الفكرة التي طرحها زعيم الحركة القومية (دولت بهجالي) بدعوة زعيم ( بي كاكا عبد الله اوجلان ) لإلقاء كلمة في مجلس الأمة التركي لإنهاء الصراع كونها ستفشل، بسبب عدم سيطرة (اوجلان) على أغلب القيادات الميدانية للحركة.

             إنّ المشهد ليس كما يبدو عليه تمامًا بالنسبة لتركيا؛ لأنّ تورّط الحكومة التركية في الملف السوري منذ بداية الأزمة , فضلًا عن توليده انعكاسات سلبية على الداخل التركي يمكن له أن يعيق تحقيق الطموحات الإقليمية والدولية لتركيا كقوة ناهضة، إذ سعت تركيا منذ بداية الأزمة إلى التدخّل الدولي بإنشاء منطقة حظر جوي على سوريا لاحتواء التداعيات الأمنية، وعلى مرّ ١٤ سنة من الفشل في اقناع المجتمع الدولي قرّرت التدخّل بشكلٍ مباشر وعبر التعاون مع قطر لإنهاء النظام السوري، وهو ما تحقّق لها، لكن التداعيات الأمنية التي تُقلق الحكومة التركية نابعة من المخاوف في الأحداث التي قد تشهدها الساحة السياسة والعسكرية في مرحلة ما بعد الأسد، ومنح الدعم الكامل لهيئة أحرار الشام، وترى بأن أيّة متغيّرات في الداخل السوري, لاسيما في حال نشوب اقتتال داخلي بين مكونات المجتمع السوري فأنّها سوف تهدد الأمن القومي لتركيا بشكلٍ مباشر، وستكون لها تبعات أمنية واقتصادية إلى حدٍّ كبير, لما تعانيه حكومة العدالة والتنمية من الأزمة الداخلية على وجه التحديد، ونشير هنا إلى أنّ هناك قواسم مشتركة بين البلدين من الناحية الدينية والقومية، حيث تعدّ المحافظات الشرقية للأناضول الوسطى بمثابة مواقع تمركز تاريخي لهذه القواسم المشتركة؛ لأنّ عددًا كبيرًا من سكان هذه المناطق استقر على سواحل بحر ايجه والبحر الأبيض المتوسط.، لاسيما العرب العلويين الذين ينتشرون على الشريط الحدودي بين البلدين، وبما أنّه لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد العلويين والأكراد في تركيا, فوفق إحصائية غير رسمية يُقدّر عدد العلويين من (العرب والأكراد واللاز والبكتاشية) ما بين (٥-٢٥) مليون شخص، ووفقًا للدراسات فإنّ عدد العلويين بينهم يُقدرون بحوالي (١٠) ملايين شخص في أنحاء تركيا.

            إلى جانب العلويين هناك ثاني أكبر قومية ألا وهي القومية الكردية التي تعاني من المضايقات منذ تأسيس الدولة التركية، وتسعى الحكومة الحالية إلى منع قيام أيّ كيان سياسي في شمال سوريا موالٍ لحزب العمال الكردستاني المحظور تركيًّا، وفي هذا السياق، فقد توجّه وفد من الحزب الديمقراطي الكردي إلى السجن للاجتماع مع (عبد الله اوجلان) , وهو الاجتماع الأول منذ (٤٣) شهرًا ؛ لغرض التفاهم على الصيغة النهائية تمهيدًا لخروجه من السجن إلى الإقامة الاجبارية في حال الدعوة الى حلّ بي كاكا.

            مما تقدّم يُلاحظ أنّ التطورات التي تشهدها الساحة السورية لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على تركيا، كما أنّ لها أبعادًا على المستوى الأمني، والسياسي، والاقتصادي والاجتماعي، ويمكن أن تتّضح بالتحليل الآتي.

    لقراءة المزيد اضغط هنا