المحامي حبيب عبد
وإن كانت العقوبة تنقضي بأكثر من سبب فان العفو يعد أهمها الا ان العفو يجب ان يصدر من سلطة بموجب الدستور والقانون، لا يملك مجلس النواب العراقي ومجلس الوزراء العراقي حق اصدار قانون عفو عام بموجب الدستور والقانون.
المال العام والحق العام بالجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة والجرائم الارهابية هذا حق لا يمكن التصالح عليه لدى كل مذاهب الفقه الجنائي، وقد نص الدستور العراقي على عدم التنازل عن المال العام، في المادة 27:
اولا: – للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن.
ثانيا: – تنظم بقانون، الاحكام الخاصة بحفظ املاك الدولة وادارتها وشروط التصرف فيها، والحدود التي لا يجوز فيها النزول عن شيء من هذه الاموال.
وردت مفرده العفو او اصدار قانون عفو مره واحدة في الدستور العراقي وضمن صلاحيات رئيس الجمهورية وبشكل خاص بعد توصية من مجلس الوزراء، ولم يرد في الدستور لاي سلطة اخرى من اصدار عفو عام او خاص كما لم يرد ذلك في القوانين التي تنظم عمل السلطات، مثل قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018 ، والنظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم 2 لسنة 2019 ، ورد هذا المبدأ في الدستور العراقي ، فيما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية في المادة ، المادة 73: يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الاتية:
اولا: – اصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء، باستثناء ما يتعلق بالحق الخاص، والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والارهاب والفساد المالي والاداري
فما لا يمنح للرئيس لا يمنح لغيره حتى مجلس النواب، تحت مسمى القانون فلا صلاحية لمجلس الوزراء ومجلس النواب اصدار عفو عام لعدم وجود نص صريح مثل النص الوارد في المادة 73 من الدستور التي اعطت هذا الحق الاستثنائي بشكل صريح لرئيس الجمهورية، لذلك لا يملك مجلس النواب ومجلس الوزراء اي سند قانون او نص دستوري للتنازل عن الحق العام او المال العام تحت مسمى ( قانون العفو ) ورد مصطلح العفو العام في قانون العقوبات من المواد150-154 باعتباره أحد اسباب سقوط العقوبة ، دون ذكر من له حق اصداره على عكس العفو الخاص الذي ذكر انه يصدر بمرسوم جمهوري.
العفو في قانون العقوبات العراقي
المادة 150، تسقط الجريمة بأحد الاسباب التالية:
- وفاة المتهم.
- العفو العام.
- صفح المجني عليه في الاحوال المنصوص عليها قانونا
المادة 153
- العفو العام يصدر بقانون ويترتب عليه انقضاء الدعوى ومحو حكم الادانة الذي يكون قد صدر فيها، وسقوط جميع العقوبات الاصلية والتبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية ولا يكون له اثر على ما سبق تنفيذه من العقوبات ما لم ينص قانون العفو على غير ذلك.
- وإذا صدر قانون بالعفو العام عن جزء من العقوبة المحكوم بها اعتبر في حكم العفو الخاص وسرت عليه احكامه.
- لا يمس العفو العام الحقوق الشخصية للغير.
المادة 154
- العفو الخاص يصدر بمرسوم جمهوري ويترتب عليه سقوط العقوبة المحكوم بها نهائيا كليها او بعضها او ابدالها بعقوبة أخف منها من العقوبات المقررة قانونا.
- لا يترتب على العفو الخاص سقوط العقوبات التبعية والتكميلية ولا الاثار الجزائية الاخرى ولا التدابير الاحترازية ولا يكون له إثر على ما سبق تنفيذه من العقوبات وكل ذلك ما لم ينص مرسوم العفو على خلاف ذلك.
كما ان ذكر الدستور السلطة التي تمنح العفو الخاص، فقد ورد منح العفو للسلطة القضائية ايضا بموجب المادة 129 من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 بشكل واضح.
المادة 129
- لقاضي التحقيق ان يعرض العفو بموافقة محكمة الجنايات لأسباب يدونها في المحضر على اي متهم بجناية بقصد الحصول على شهادته ضد مرتكبيها الاخرين بشرط ان يقدم المتهم بيانا صحيحا كاملا عنها، فاذا قبل هذا العرض تسمع شهادته وتبقى صفته متهما حتى يصدر القرار في الدعوى.
- إذا لم يقدم المتهم البيان الصحيح الكامل سواء كان ذلك بإخفائه عمدا اي امر ذي اهمية او بإدلائه بأقوال كاذبة يسقط حق العفو عنه بقرار من محكمة الجنايات وتتخذ ضده الاجراءات عن الجريمة التي عرض عليه العفو عنها او اية جريمة اخرى مرتبطة بها. وتعتبر اقواله التي ابداها دليلا عليه.
- إذا وجدت محكمة الجنايات ان البيان الذي ادلى به المتهم الذي عرض العفو عليه صحيح كامل فتقرر وقف الاجراءات القانونية ضده نهائيا واخلاء سبيله.
التكريس الدستوري لمبدأ العفو
أشارت إلى مبدأ العفو عن العقوبة، والعفو الشامل أيضاً المادة (١٤٩) من الدستور الدائم في مصر لعام ۱۹۷۱، وتنص هذه المادة على الرئيس الجمهورية حق العفو عن العقوبة أو تخفيفها، أما العفو الشامل فلا يكون إلا بقانون وقد جاءت المادة (٧٤) من قانون العقوبات لتؤكد على هذا الحق بنصها على “العفو عن العقوبة المحكوم بها يقتضي إسقاطها كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها مقررة قانوناً.
ولا تسقط العقوبات التبعية ولا الآثار الجنائية الأخرى المترتبة على الحكم بالإدانة ما لم ينص في أمر العفو على خلاف ذلك”.
أما في الدستور الفرنسي فقد تصدى المشرع الدستوري لحق العفو المادة (۱۷) من الدستور الصادر عام ١٩٥٨ بإفراد نص خاص بالعفو الخاص فقط دون إدماج العفو الشامل معه لرئيس الجمهورية حق العفو، والمادة (٣٥) من دستور ١٩٤٦، والمادة (٣) من دستور عام ١٩75(٥)، كما نصت عليه المادة ۷/۱۳۳، ۸/۱۳۳ من قانون العقوبات الفرنسي الجديد، وقد نص الدستور الكويتي في صدر المادة (٧٥) منه على أن
للأمير أن يعفو بمرسوم عن العقوبة أو أن يخفضها أما العفو الشامل فلا يكون إلا بقانون وذلك عن الجرائم المقترفة قبل اقتراح العفو.
كما نصت المادة (۲۳۹) من قانون الإجراءات الجزائية هناك على أن للأمير بعد صدور حكم بالعقوبة ضد شخص معين، وقبل تنفيذ هذا الحكم أو أثناء التنفيذ، أن يصدر أمراً بالعفو عن العقوبة المحكوم بها وتخفيضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها….”، ولا يترتب على العفو عن العقوبة إلغاء الحكم وإنما يترتب عليه تغيير نوع العقوبة أو مقدارها أو اعتبارها كأنها نفذت.
أما دستور دولة الإمارات العربية المتحدة فلم يكتف بالنص على مبدأ العفو في مادة واحدة فقط منه، وإنما نص عليها في مادتين، ففي المادة (٥٤) الفقرة العاشرة تنص على “يباشر رئيس الاتحاد الاختصاصات التالية: –
۱ – يمارس حق العفو أو تخفيف العقوبة و ..
ثم جاءت المادة (۱۰۷) منه بالنص على لرئيس الإتحاد أن يعفو عن تنفيذ العقوبة المحكوم بها من جهة قضائية اتحادية قبل تنفيذ الحكم أو أثناء التنفيذ أو أن يخفف هذه العقوبة وذلك بناء على عرض وزير العدل الاتحادي”.
ويقابلهم المادة (١٤٥) من قانون العقوبات الاتحادي بأن “العفو الخاص يصدر بمرسوم يتضمن إسقاط العقوبة المحكوم بها من جهة قضائية اتحادية كلها أو بعضها أو يستبدل بها عقوبة أخف منا مقررة قانوناً”.
وفي الدستور اللبناني فإن المادة (٥٣) رقم ۹ فقد نصت على أن يمنح رئيس الجمهورية العفو الخاص بمرسوم، أما العفو الشامل فلا يمنح إلا بقانون (
وقامت المادة (١٥٣) الفقرة الثانية من قانون العقوبات اللبناني بالنص على الصور المتنوعة للعفو الخاص في قولها ويمكن أن يكون بإبدال العقوبة، أو بإسقاط مدة العقوبة، أو التدبير الاحترازي، أو بتخفيضها كلياً، أو جزئياً.
وهذه الدساتير على سبيل المثال وليس الحصر، فقد نص الدستور الموريتاني في المادة (۳۷) منه على نفس المعني وكذلك المادة (١٠٥) من الدستور السوري، والمادة (۳۸) من الدستور الأردني، والمادة (٥٨) فقرة ط من الدستور السوداني.
ومن النصوص الدستورية السابقة ونصوص وقوانين العقوبات يتضح أن مبدأ العفو الخاص عن العقوبة يعد عمل من أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة، حيث ذكرت المادة (١٤٩) من الدستور سالف الإشارة إليها أن يصدر أمر بالعفو عن العقوبة من رئيس الجمهورية وقد قرر مبدأ العفو الخاص في حالة إذا كان الحكم لا يمثل العدالة نظراً لشدته، أو إذا ما كان يتضمن أخطاء
(110) فقرة (۱۱) من الدستور الإيراني، العفو أو التخفيف من عقوبات المحكم عليهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية. ويستطيع القائد أن يوكل شخصا آخر أداء بعض وظائفه وصلاحياته.
وكذلك المادة (۱۱۰) من الدستور البلجيكي، والمادة (٣٤) من الدستور المغربي. وقد كان هذا الحق خاصاً بالملك في الأنظمة الملكية باعتبار أن الملك “مصدر العدالة” وحين يمنح الملك شخصا عفواً خاصاً فإنه يستبعد من المحاكم الحق الذي كان قــــد منحها إياه”.
الدستور ومبدأ العفو عن العقوبة
لا يمكن إصلاحها بطريق من طرق الطعن وبالتالي يعد الالتجاء إلى ولي الأمر للعفو عن العقوبة المحكوم بها هو الوسيلة الأخيرة للمحكوم عليه للتظلم من العقوبة والتماس إعفائه منها كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها، أي أن محله إذن يكون الحكم القاضي بالعقوبة غير القابل للطعن بأي طريقة من طرق الطعن العادية وغير العادية
وبمراجعة النصوص الدستورية السالف الإشارة إليها، يتبين أن العفو الخاص هو إجراء فردي سواء من ناحية صاحب الحق في استعماله، أم من ناحية المستفيد منه
فهو حق مقرر لرئيس الدولة فقط يمارسه بمفرده، كما أنه إجراء فردى أيضاً بالنسبة للمستفيد منه، وذلك باعتبار أنه منحه له وليس حق، فهو لا يستند إلى اعتبارات الشفقة بالمحكوم عليه، وإنما يبني على اعتبارات مستمدة من المصلحة العامة، تحمل في تقدير رئيس الدولة أن مصلحة المجتمع هي في عدم تنفيذ العقوبة، ومن ثم فلا يتصور أن يدعى المحكوم عليه حقاً فيه إذا توافرت شروط معينة لمصلحته، كما أنه لا يتوقف على طلب المحكوم عليه، فقد يمنح له دون طلبه، كما أنه قد يعطى له ولا يعطى لغيره من المساهمون أو الشركاء معه في الجريمة إن كان له شركاء، وهو إلزامي للمحكوم عليه، أي أنه لا يمكن للمحكوم عليه أن يرفض الاستفادة منه، على اعتبار أنه من المصلحة العامة التي لا يجوز للمحكوم عليه إهدارها بإرادته المنفردة.
يتضح من النصوص اعلاه
ان العفو حق يقرر لسلطة بموجب نص الدستور والقانون بشكل واضح وصريح لان اثار تطبيق هذا الحق يتعدى الحقوق العامة الى الحقوق الشخصية، فلا يمكن ان تجتهد سلطة باستحقاقها لهذا الحق دون وجود نص صريح وواضح لا يقبل التأويل، وبذلك يكون العفو العام او الشامل من صلاحية السلطة التشريعية بشرط النص عليه بنص واضح.