د. خلف محمد حمد / جامعة تكريت / كلية الإدارة والاقتصاد
د. خليل إسماعيل عزيز / جامعة تكريت / كلية الإدارة والاقتصاد
إيقاف عمل المنصة لا يعني التخلي عن تمويل الاستيرادات، بل الانتقال إلى آليات جديدة أكثر صرامة في مراقبة الحوالات الخارجية من الدولار، بما يساهم في الحد من التلاعب بالبيانات والاستفادة غير المشروعة من المزاد، كما أن إيقاف مزاد العملة في العراق يحمل جوانب اقتصادية مزدوجة؛ أولهما أن الإغلاق سيعمل على ارغام المصارف الأهلية والحكومية على تطوير أدوات جديدة للتعاملات المالية الخارجية والتكيف مع المعايير الدولية في التعاملات النقدية، إلى جانب تقليل دور البنك المركزي العراقي من أن يعمل على تمويل النشاط التجاري الخارجي، إذ ليس من مهام البنك المركزي تمويل النشاط التجاري للقطاع الخاص. ويمكن أن يلعب هذا الأمر دوراً في رفع مرتبة العراق في التصنيف الائتماني المالي من خلال السيطرة على استخدام العملات الأجنبية، كما أن إلغاء المنصة والانتقال إلى آلية حساب المراسلة ممكن أن تسهم في تصحيح آليات التعامل بالدولار وتوفر قدرة أعلى للأطراف المختلفة من الوصول إلى الدولار الرسمي، بدلاً من الدولار غير الرسمي في السوق الموازي.
من جهة أخرى، قد تتجه الآراء إلى أن هذا الإلغاء قد يعزز الاتجاهات الحالية المتمثلة في المضاربة بسوق العملات. وإذا حدث ذلك، فقد يؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار وانخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي. كما أن زيادة بيانات الاستيراد ووضع قيود أمام الطلب على الدولار قد تدفع إلى ارتفاع أسعار الدولار في السوق المحلي (بسبب انخفاض العرض مقارنة بالطلب). إن ارتفاع معدلات التضخم العالمية، لا سيما في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، بالإضافة إلى ارتفاع نفقات الدعم الحكومي للسلع الغذائية، وتغير أنماط استهلاك المواطن العراقي، وزيادة كبيرة في النفقات التشغيلية على حساب النفقات الاستثمارية، تمثل جميعها عوامل قد ترجح زيادة الطلب على الدولار مقابل ثبات العرض. ويمثل الخلل في السياسة المالية أحد العناصر التي قد تؤدي إلى ارتفاع الطلب على الدولار. كما أن الحجم الكبير للقطاع غير الرسمي في العراق والأنشطة التجارية غير الرسمية قد يؤديان إلى عجز البنوك المحلية عن تلبية متطلبات السوق المحلي، خصوصاً في الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، مما قد يؤدي في النهاية إلى انخفاض قيمة الدينار العراقي.
في الواقع، يعبر مفهوم مزاد العملة عن سوق للعملة الأجنبية الذي يلتقي فيها الطلب على هذه العملة بالعرض منها ومن ثم يتكون سعر الصرف ، ويعد مزاد العملة المزاد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، وقد اعتمده العراق بعد عام 2003 ضمن مساعيه الرامية لرفع قيمة الدينار العراقي بعد تحوله من الاقتصاد الاشتراكي الى اقتصاد السوق بغية التحكم بالطلب الكلي ومواجهة الضغوط التضخمية، الى جانب تحقيق الاستقرار الاقتصادي في عراق ما بعد 2003، وتتمحور الفكرة الأساسية لمزاد العملة حول بيع الدولار الى المصارف الاهلية وشركات التحويل المالي لإدارة عملية استيراد السلع والخدمات ، وتمثل إيرادات النفط العراقي المباع المحرك الرئيس لهذا المزاد، وقد استمر تزايد الطلب على العملة الأجنبية لتمويل المبادلات التجارية، فيما ظل سعر صرف الدينار العراقي مستقراً لفترة طويلة مقابل العملة الأجنبية ( الدولار ) بسبب استخدام الحجم المتزايد من العملة الأجنبية في توفير الطلب المحلي.
على الرغم من أن المزاد يُستخدم في غالبيته من قبل التجار لتغطية المعاملات التجارية والاقتصادية للقطاع الخاص العراقي عن طريق المصارف التجارية، حيث يُعد الوسيلة الضامنة لتمويل الأنشطة الخارجية للقطاع الخاص، إلا أن هذه الأداة المالية تمثل سياسة نقدية ذات تأثير على العلاقة بين عرض النقد والطلب عليه. ومع ذلك، تُعتبر هذه الأداة، مقارنة بالطرق الحديثة، بدائية وقابلة للاختراق والتحكم. وتعتمد ميكانيكية هذه السياسة على سحب الدينار العراقي من السوق، مما يقلل من ضغط السيولة النقدية وتأثيرها على التضخم.
والآن، وبعد أكثر من 21 عاماً من عمل نافذة بيع العملة الأجنبية، يقرر العراق، وبالاتفاق مع الجانب الأمريكي، إلغاء مزاد العملة بشكل تدريجي خلال عام 2024 وصولاً إلى الإلغاء الكامل بحلول نهاية العام. وقد كانت هذه الفترة، منذ عام 2003، مليئة بالشكوك والتساؤلات والانتقادات حول آلية عمل هذه الأداة بصفتها أداة من أدوات السياسة النقدية. فالبنك المركزي يقوم يومياً ببيع مبالغ كبيرة من الدولارات تتجاوز حاجة الاقتصاد العراقي للاستيرادات، بينما لا يعود منها كسلع وبضائع إلا بنسب لا تتجاوز 50% في أفضل الحالات.