دكتور حسين المولى
في ظل التطور التقني الكبير والمتسارع، باتت الأسرة العراقية بحاجة لحلول تشريعية مبتكرة تتماشى مع تحديات التطور العالمي، ومن أبرز هذه التحديات، قضايا الحضانة وما يرتبط بها من حقوق الطفل وواجبات الأبوين بعد الطلاق، تعكس التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959، توجّهًا نحو تحقيق التوازن بين مصلحة الطفل وحقوق الأبوين، ومع ذلك، فإن التطور التقني يفرض تعزيز آليات قانونية جديدة لتطوير هذه التوازنات، مثل اعتماد “الحضانة الرقمية” كأداة جديدة لدعم الروابط الأسرية.
ان الحضانة تعد واحدة من أبرز القضايا التي تواجه محاكم الأحوال الشخصية، إذ تهدف لحماية الطفل وضمان نموه في بيئة صحية ومستقرة، ولكن نجد أن النصوص التقليدية بما فيها المقترحات الجديدة، لم تُعالج بصورة كافية الإشكاليات الناتجة عن انفصال الأبوين، خاصة تلك المتعلقة بتواصل الطفل مع الطرف غير الحاضن.
في الجهة المقابلة يمثل التطور التقني فرصة جديدة لإعادة صياغة المفاهيم التقليدية للحضانة، بما يضمن حق الطفل في الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع كلّا الوالدين، حتى في ظل الحضانة المنفردة.
ونشير هنا إلى أحدث التقنيات الحديثة التي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال ويمكن لنا أن نطلق عليها (الحضانة الرقمية) إذ تمثل هذه الصورة إمكانية استخدام الوسائل التقنية الحديثة من أجل التواصل بين المحضون والطرف غير الحاضن، كبديل أو إضافة للتواصل التقليدي.
ويمكن أن يتحقق ذلك بواسطة:
اولاً: استخدام منصات التواصل الاجتماعي، إذ يمكن إجراء مكالمات فيديوية او صوتية أو كلاهما من خلالها يتاح للطفل التواصل مع الطرف غير الحاضن في بيئة آمنة.
ثانياً: ضرورة وجود إجراءات قانونية تضمن التزام الطرف الحاضن بالسماح بالتواصل الرقمي بانتظام، ضمن أوقات محددة تُحددها المحكمة.
ان هذا الموضوع سيسهم في تعزيز الروابط الأسرية من خلال بقاء التواصل الدائم بين الطفل والاب أو الأم مما يقلل الأثر النفسي السلبي الذي سببه الانفصال، كما تمثل التقنية المرونة في التواصل، خاصة في حالات البُعد الجغرافي أو وجود عوائق تمنع اللقاءات الشخصية.
ومن التطبيقات المهمة العملية في هذا المجال صدر قرار قضائي مهم بالمملكة العربية السعودية اذ اعطت المحكمة حق مشاهدة الاطفال إلكترونيًا عن طريق منصات التواصل الاجتماعي.
وبهذا يمكن إدخال فكرة الحضانة الرقمية للقانون العراقي بعد إجراء تعديل لقانون الأحوال الشخصية وقرار مجلس قيادة الثورة رقم ٦ لسنة ١٩٩٢.
إن الحضانة الرقمية ليست مجرد خيار مستقبلي، بل ضرورة ملحة لضمان استقرار الأسرة العراقية في ظل التغيرات الاجتماعية والتقنية، ولتحقيق ذلك، يجب على المشرّع العراقي تبنّي نصوص قانونية حديثة تزيد من تُرسّخ هذا المفهوم، بما ينسجم مع مبادئ الشريعة الإسلامية ومتطلبات العصر الرقمي.
إن إدراج الحضانة الرقمية كجزء من التعديلات القانونية سيُعزز من مكانة التشريع العراقي كأحد التشريعات الرائدة في تحقيق التوازن بين حقوق الطفل وحقوق الأبوين في ظل التطور الرقمي.