back to top
المزيد

    واحة البيان

    تعديل قانون الأحوال الشخصية: مشاكل مؤجلة

    هيام علي المرهج

    تقديم:

    صوت مجلس النواب بجلسته الثالثة من فصله التشريعي الأول، السنة التشريعية الرابعة للدورة الانتخابية الخامسة، ليوم الثلاثاء المصادف بتاريخ 21/1/2025 برئاسة الدكتور محمود المشهداني رئيس المجلس على ثلاثة قوانين بالمجمل الأحوال الشخصية، والعفو العام، وإعادة العقارات إلى أصحابها، وهي قوانين جدلية أثارت العديد من الخلافات على المستوى الاجتماعي والسياسي.

    انقسم الشارع العراقي بين رافضٍ ومؤيد لقرار التصويت على التعديل واستهجنت منظمات المجتمع المدني النسوية هذا التصويت لما يمثله من تهديد لحقوق النساء في العراق كما رفض ناشطون وسياسيون مدنيون طريقة التصويت أو كما يسموها (السلة الواحد) حيث اعتبروا التصويت على القوانين بالمجمل ودفعةً واحدة مخالفة دستورية لعدم التزامها بضوابط عمل مجلس النواب وعدم التأكد من توفر النصاب القانوني للتصويت وهو ما يمثل تهديد لمبدأ الديمقراطية وترسيخ لمبدأ المحاصصة والتوافقية السلبية.

    ان قانون الأحوال الشخصية عند صدوره عام 1959 لم يكن وليد هذا التاريخ

    وعلى الرغم من أهمية الحديث حول جميع القوانين الجدلية التي أقرها مجلس النواب يوم الثلاثاء إلا أن هذه الورقة تركز على إقرار قانون الأحوال الشخصية.

    قانون الأحوال الشخصية: جدل متجدد حول الشريعة والحقوق

    ان قانون الأحوال الشخصية عند صدوره عام 1959 لم يكن وليد هذا التاريخ، بل هو امتداد لمحاولات جادة بدأت بتشكيل لجنة اعداد مدونة القانون عام 1945م من خلال تشكيل لجان متخصصة تضم بين أعضائها رجال الدين من الفقهاء والعلماء من المذهبين الرئيسين في العراق المذهب الجعفري والمذهب الحنفي، وقضاة من محكمة التمييز وسياسيين معروفين.

    وبما أن القوى السياسية التي طالبت بتعديل القانون بناءً على المادة الدستورية (41) من الدستور العراقي والتي جاء فيها (العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم، أو مذاهبهم، أو معتقداتهم، أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون) فان العمل بموجب هذا النص الدستوري قائم وكل شخص حر باختيار المذهب الذي ينظم عقد زواجه والاثار المترتبة عليه وسنوضح ذلك بالتفصيل:

    أولاً: ان القانون لم يكن في جميع احكامه عند صدوره يخالف الشريعة الإسلامية، وانما انحصر الخلاف في المادة (13) من القانون عند صدوره بان الزواج بثانية دون اذن القاضي يعتبر من أسباب التحريم المؤقتة والمادة (64) من القانون عند صدوره، حيث اعتمد في حينه توزيع التركة في الميراث على وفق احكام الانتقال في حق التصرف الواردة في المواد ( 1187-1199) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل والتي ساوت بين الذكر والانثى في الميراث، ثم صدر تعديل بتاريخ 28/3/1963 الغى بموجبه المادتين الخلافيتين المشار اليهما أعلاه واستبدلت بأحكام تتفق والغالب مع الفقه الإسلامي.

    ثانياً: مجمل أحكام القانون تحيل القاضي إلى فقه الشريعة الإسلامية الذي استمد منها اغلب الأحكام القانونية وعلى وفق ما ورد في المادة (1) من القانون التي جاء فيها ( 1 – تسرى النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها .2 – اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون .3 – تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه الاسلامي في العراق وفي البلاد الاسلامية الاخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية).

    ثالثاً: في مجال المواريث فان المادة (90) من قانون الأحوال الشخصية قد ألزمت القاضي بالعودة الى الاحكام الشرعية على وفق مذهب المتوفى والتي جاء فيها (مع مراعاة ما تقدم يجري توزيع الاستحقاق والانصبة على الوارثين بالقرابة وفق الاحكام الشرعية التي كانت مرعية قبل تشريع قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 كما تتبع فيما بقي من احكام المواريث).

    منح دواوين الأوقاف صلاحية اعداد المدونات الفقهية للأحوال الشخصية، بمثابة تفويض من مجلس النواب الى تلك الدواوين بالتشريع، لان التفويض هو العمل الذي بموجبه ينقل صاحب صلاحية أصيل ” مفوِّض” ممارستها إلى سلطة أخرى “مفوَّض” وعلى وفق ما عرفه الفقه الدستوري، وهذا يعني تنازل مجلس النواب عن بعض صلاحياته، وهذا ما لا يملكه مجلس النواب لان الدستور العراقي لم يأخذ بمبدأ التفويض التشريعي، ولم يرد في صلاحيات مجلس النواب الواردة في دستور عام 2005 النافذ ما يشير إلى هذا المعنى

    الدستور والقضاء العراقي: الضامن لوحدة العراقيين

     الدستور العراقي الذي يعلو على كافة القوانين هو واضح وصريح وفي المادة الأولى منه أن الدستور هو الضامن لوحدة العراقيين، وفي المادة 47 أن جاء فيها (تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات)، فاذا منح رجل الدين او سواه سلطة خارج نطاق القضاء فانه يتعارض مع ذلك المبدأ الدستوري.

    القضاء العراقي قضاء أسس منذ مئة عام و القضاة العراقيين معروفين بكفاءتهم ومعرفتهم القانونية وبالتالي فإن القضاء العراقي هو الجهة الوحيدة المخولة بالفصل في القضايا بمختلف أشكالها ومن ضمنها الأحوال الشخصية خصوصاً أن القضاة ضالعين بقضايا الفقه والأحكام الفقهية ولا يخرجون عن مقاصد الشريعة بل ان اغلب احكامهم تستند الى الشريعة وعلى وفق مذهب المتقاضين، وفي حال اختلاف مذاهبهم نجد ان القضاء اتجه للعمل بما اتفق عليه اغلب الفقه الشرعي بان مذهب الزوج هو الحاكم، ثم تطور الامر الى ان يعتمد فقه المذهب الذي تم اختياره عند أبرام عقد زواجهم في المحكمة، وهذا ثابت في جميع الاحكام القضائية في المحاكم العراقية

    الإشارات التي وردت في تعديل القانون والمؤيدين له بان تشريع الاسرة ونظامها وآلية الفصل فيها سيكون من قبل دواوين الأوقاف، هذا يعد خرقاً صارخاً لمبدأ الفصل بين السلطات، لان تلك الدواوين هي إدارات تنفيذية ترتبط بالسلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء وعلى وفق احكام المادة (103/ثالثاً) من الدستور التي جاء فيها (ترتبط دواوين الاوقاف بمجلس الوزراء)، فضلاً عن ترك جميع القواعد الموضوعية والشكلية في قضايا الأحوال الشخصية بيد رجال الدين، وهذا يتقاطع كليا مع مبدأ الفصل بين السلطات، وهذا يعني أن التشريع هو من اختصاص السلطة التشريعية حصراً ولا يجوز تفويض هذه الصلاحية او السلطة الى أي جهة أخرى، وعلى وفق احكام الدستور النافذ ومنها الفقرة (1) من المادة (61) من الدستور التي جاء فيها (يختص مجلس النواب بـ (تشريع القوانين الاتحادية) وهذه صلاحية حصرية لمجلس النواب ولا يجوز تفويضها لاي جهة كانت.

    لذلك فإن منح دواوين الأوقاف صلاحية اعداد المدونات الفقهية للأحوال الشخصية، بمثابة تفويض من مجلس النواب الى تلك الدواوين بالتشريع، لان التفويض هو العمل الذي بموجبه ينقل صاحب صلاحية أصيل ” مفوِّض” ممارستها إلى سلطة أخرى “مفوَّض” وعلى وفق ما عرفه الفقه الدستوري، وهذا يعني تنازل مجلس النواب عن بعض صلاحياته، وهذا ما لا يملكه مجلس النواب لان الدستور العراقي لم يأخذ بمبدأ التفويض التشريعي، ولم يرد في صلاحيات مجلس النواب الواردة في دستور عام 2005 النافذ ما يشير إلى هذا المعنى، ومن ثم تصبح علمية التفويض غير ذات اثر دستوري أو قانوني، باستثناء حالة واحدة أشار لها الدستور تتعلق بتخويل رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من الإدارة أثناء فترة إعلان الحرب أو حالة الطوارئ، هو تخويل بالإدارة وليس تفويض بالتشريع.

    هل مشكلة المكون الشيعي قانون الأحوال الشخصية؟ وهل طالب المجتمع الشيعي بتعديل هذا القانون؟ وما هي الغاية من التعديل بهذه الطريقة التي من الممكن أن تنعكس سلباً على المجتمع الشيعي؟ أعتقد أن المجتمع العراقي ينتظر قوانين أكثر أهمية وأن مشاكل المكون الشيعية أكبر بكثير من قانون الأحوال الشخصية وأنهم بهذا التعديل لن ينجحوا إلا بزيادة مشاكل هذا المكون

    لماذا التعديل؟

    كما هو معروف ومشار اليه في نص تعديل القانون أن التعديل هو مطلب سياسي “شيعي” ويسري على أبناء المكون الشيعي، لذلك  لنتحدث بمنطق الطائفة، المكون السياسي السني رافض للتعديل  لقناعتهم بكفاية القانون وشرعيته ما قبل التعديل بل الأكثر من ذلك هم رفضوا سريان التعديل على أبناء مكونهم و عدم كتابة مدونة سنية للأحكام، الكرد لديهم قانون الأحوال الشخصية الخاص بهم والمتقدم من ناحية ضمان حقوق المرأة و ايضاً هم معترضين على التعديل الحالي، لذلك كما هو واضح أن التصويت على تعديل القانون هو نتيجة توافق سياسي مقابل التصويت على قانون العفو العام (المطلب السني) وقانون إعادة العقارات لأصحابها (المطلب الكردي). وبمقارنة هذه القوانين الثلاثة لا بد من طرح السؤال: لماذا التعديل؟

    هل مشكلة المكون الشيعي قانون الأحوال الشخصية؟ وهل طالب المجتمع الشيعي بتعديل هذا القانون؟ وما هي الغاية من التعديل بهذه الطريقة التي من الممكن أن تنعكس سلباً على المجتمع الشيعي؟ أعتقد أن المجتمع العراقي ينتظر قوانين أكثر أهمية وأن مشاكل المكون الشيعية أكبر بكثير من قانون الأحوال الشخصية وأنهم بهذا التعديل لن ينجحوا إلا بزيادة مشاكل هذا المكون.

    ‌افترض بعض الإجابات، ومنها ان بعض النصوص قد اخذت بمذهب دون اخر، أقول رداً على هذا القول ان المبادئ القانونية التي تضمنها القانون لها مصادرها في فقه الشريعة الإسلامية، والقانون اخذ بالفقه الجعفري في عدة مسائل منها الطلاق ثلاث حيث اعتبره طلقة واحدة وميراث البنت وميراث الأخت وغيرها من الاحكام الأساسية، كما اخذ من المذهب الحنفي في البعض الاخر، خلال سنوات العمل بالقانون لم تظهر أي إشكالية شرعية على الاحكام القضائية التي أصدرها القضاء

    إذا كان الهدف تقليل حالات الطلاق فيجب البحث في أسباب حالات الطلاق والقيام بدراسات وبيانات تكشف عن الأسباب و أكاد أجزم أن معظم حالات الطلاق هي بسبب الزواج خارج المحكمة و ممن هم دون السن القانوني او الظروف الاقتصادية والظروف الاجتماعية أي أن المشكلة ليست بأصل القانون.

    لا أحد ينكر أنه ليس هنالك قانون متكامل و أن كل قانون تظهر فيه بعض الهفوات التي تحتاج الى التعديل ومن ضمنها قانون الأحوال الشخصية فهو بحاجة الى تعديل من اجل تدارك السلبيات التي ظهرت من خلال تطبيقه وعلى وجه الخصوص تلك التعديلات اللاحقة التي أخفقت في خلق التوازن، من اجل إعادة التوازن بين حقوق الزوجين، وهذه الحالات التي يجب تعديلها في قانون الأحوال الشخصية النافذ والتشريعات الأخرى ذات الصلة، ومن أهمها مسألة الحضانة والمشاهدة، إلا أن التعديل الحالي أخفق في تشخيص مشاكل القانون و خلق أزمة قانونية واجتماعية جديدة.

    اقرأ ايضاً