back to top
المزيد

    واحة البيان

    جبهة نواب الوسط والجنوب: خطوة إصلاحية أم حراك انتخابي؟

    علي مبارك عبدالنبي / باحث

    المقدمة

    أعلن مجموعة من أعضاء مجلس النواب العراقي، من كتل سياسية مختلفة، عن تأسيس تجمع نيابي جديد حمل اسم “جبهة نواب الوسط والجنوب”، بهدف الدفاع عن استحقاقات المحافظات الوسطى والجنوبية ومتابعة تنفيذ مشاريع استراتيجية فيها. وقد تم الإعلان عن هذا التجمع خلال مؤتمر صحفي عُقد في مبنى البرلمان يوم الخميس 15 كانون الثاني 2025، حيث أكد النائب المستقل رائد المالكي أن الجبهة غير سياسية وتهدف إلى الدفاع عن حقوق المحافظات التي يمثلها النواب، مع ضمان حقوق جميع المحافظات العراقية.

    وفي توقيت حاسم سياسيًا، حيث يقترب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في نهاية عام 2025، ظهرت الجبهة بمظهر يعكس السعي لتحقيق مكاسب سياسية لهذه المحافظات التي لطالما عانت من تهميش في العديد من المجالات. فالتوقيت الذي اختارته الجبهة يعكس الزيادة المعتادة في النشاط السياسي والانتخابي في هذا الوقت من الدورة الانتخابية، مما يعزز التنافس بين النواب على كسب أصوات الناخبين.

    إن الشكل العام للجبهة يوحي إلى أنها قد تكون رد فعل على التحالفات السياسية الحالية في البرلمان، خصوصًا التحالفات الكردية في شمال العراق، إذ يسعى التحالف النيابي الجديد إلى تحقيق نوع من التوازن بين تحالفات جنوب ووسط العراق مقابل التحالفات الشمالية الكردية. وهذا يشير إلى رغبة الجبهة في التأثير على التشريعات المهمة مثل قانون الموازنة العامة الاتحادية، الذي يعد أحد أهم القوانين التي تحدد توزيع الموارد والمكاسب بين المحافظات والاقليم.

    من خلال التحليل، يمكن القول إن تشكيل الجبهة قد يكون مدفوعًا جزئيًا بالحاجة إلى استقطاب الناخبين في المناطق الوسطى والجنوبية التي تعاني من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة. في نفس الوقت، قد تكون الجبهة محاولة لتعزيز التمثيل السياسي لهذه المناطق قبل الانتخابات، من خلال تقديم وعود بتحقيق العدالة في توزيع الموارد وتطبيق مشاريع تنموية لتحسين حياة المواطنين.

    الخلفية السياسية لأعضاء جبهة نواب الوسط والجنوب

    تتشكل جبهة نواب الوسط والجنوب أساسًا من نواب مستقلين فازوا في انتخابات 2021، التي أُجريت وفق نظام انتخابي يعتمد على الدوائر المتعددة في المحافظات. هذا النظام أتاح فرصة كبيرة للمرشحين المستقلين لتحقيق الفوز بمقاعد برلمانية بعيدًا عن هيمنة الأحزاب الكبيرة والتحالفات التقليدية. ومع اقتراب انتخابات 2025، التي من المتوقع أن تُجرى وفق تعديلات القانون الانتخابي الجديد القائم على نظام سانت ليغو، تواجه الجبهة تحديًا يتمثل في العمل ضمن قوائم انتخابية حزبية أو تشكيل تحالفات واسعة لضمان استمرار تمثيلها. هذا التغيير يُقلّص فرص النواب المستقلين الذين استفادوا من النظام الفردي السابق، ما دفعهم إلى تشكيل الجبهة لتكون إطارًا سياسيًا جماعيًا يعزز حضورهم ويدافع عن مصالحهم ومصالح المحافظات الوسطى والجنوبية التي يمثلونها.

    أبرز النواب في الجبهة

    تتكون جبهة نواب الوسط والجنوب من مجموعة من النواب المستقلين وأعضاء الكتل السياسية الذين يمثلون مختلف المحافظات. من أبرز النواب في الجبهة هيثم الفهد ومصطفى سند وعدنان الجابري وعلاء الحيدري، نواب مستقلين عن محافظة البصرة. كما تضم الجبهة رائد المالكي، نائب مستقل عن محافظة ميسان، ومحمد الزيادي، نائب عن محافظة المثنى وعضو في ائتلاف دولة القانون، هادي السلامي نائب مستقل عن محافظة النجف بالإضافة إلى ياسر الحسيني، نائب مستقل عن محافظة بابل.

    أهداف الجبهة وتطلعاتها

    اتفق نواب جبهة الوسط والجنوب على تحقيق عدد من الأهداف التي تخدم مصالح تلك المحافظات:

    1. تعديل القوانين الأساسية: تعديل قوانين الأحوال الشخصية، الموازنة، الخدمة المدنية، التقاعد الموحد، والعفو العام لضمان عدم الإفراج عن الإرهابيين أو الفاسدين.
    2. تنفيذ المشاريع الاستراتيجية: إلزام الحكومة بإطلاق مشاريع في قطاعات المياه، الزراعة، والكهرباء.
    3. تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية: التأكيد على تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية بشأن الحدود البحرية وخور عبدالله، والمصادقة على خارطة المجالات البحرية بشكل عادل.
    4. مكافحة الفساد: اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة الفساد وتعيين الموظفين على أساس الكفاءة والنزاهة وفقاً لتوصيات المرجعية الدينية.
    5. تفعيل دور هيئة مراقبة تخصيص الواردات: تعزيز دور الهيئة المستقلة لمراقبة عدالة توزيع التخصيصات بين المحافظات، مع التصويت على رئيسها داخل مجلس النواب.

    ملاحظات الجبهة على تعديل قانون الموازنة الاتحادية (2023-2025)

    طرحت جبهة نواب الوسط والجنوب عدة ملاحظات على مشروع تعديل قانون الموازنة، حيث كان التعديل مقتصرًا على المادة (12) فقط، بينما كان من الأهمية تعديل مواد أخرى تتعلق بالإيرادات والنفقات والعجز، مع ضرورة إرفاق الجداول اللازمة وفقًا لقانون الإدارة المالية. كما أن المادة (14) الخاصة بالتعيينات تحتاج إلى تعديل، خاصة مع مرور سنتين على تشريع الموازنة، وهو ما يستدعي معالجة أوضاع الفئات المتضررة من أخطاء التثبيت على الملاك. بالإضافة إلى ذلك، لم يتضمن التعديل حلولًا لمشكلة تمويل المحافظات، ما يستدعي إلزام الحكومة بتخصيص التمويل بشكل عادل بين المحافظات والوزارات. ومن الملاحظات الأخرى غياب الحسابات الختامية لعامي 2023 و2024، مما يعد مخالفًا للدستور الذي يلزم بتقديم الحسابات مع الموازنة. كما أن عوائد النفط غير المرتبطة ببيع النفط، مثل أرباح الشركات المتعاقدة مع الإقليم، لم يتم تحديد مصيرها أو إدراجها ضمن الخزينة العامة. وأخيرًا، تجاوز العجز الفعلي لعام 2023 أكثر من 64 تريليون دينار، مما يتطلب تقليص الإنفاق والالتزام بالحدود التخطيطية للعجز.

    المقترحات لتعديل قانون الموازنة

    فيما يتعلق بالمادة (12) من قانون الموازنة، تقترح الجبهة إضافة نص يلزم بإنشاء شركة عامة في أربيل تُعنى بإدارة حقول النفط في الإقليم بمشاركة وزارة النفط الاتحادية. ويشمل هذا تأسيس “شركة نفط أربيل” كمؤسسة عامة تحت إدارة مشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، مع الالتزام بتسهيل حصول وزارة النفط الاتحادية على وثائق العقود والمعلومات المتعلقة بالنشاط النفطي. كما تقترح الجبهة إلزام الحكومة بصرف تكاليف الإنتاج لشركات النفط في الوسط والجنوب على غرار ما يتم مع الإقليم، وربط صرف السلف المالية لتكاليف إنتاج الإقليم بتسليم النفط المخصص للبيع أو الاستخدام المحلي. كذلك، يُقترح تحديد مصير عوائد النفط المستخدم داخليًا، مثل 70 ألف برميل يوميًا، وحل الإشكالات المتعلقة بتسوية تكاليفه أو إدخال عوائده ضمن خزينة الدولة.

    أما بالنسبة للمادة (14)، فتعكف الجبهة على اقتراح تعديل يتعلق بتثبيت عقود الأمن الغذائي أو تحويلها إلى عقود وفق القرار (315) بحلول 1/12/2025، بالإضافة إلى تثبيت جميع موظفي العقود في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة وفق شروط محددة. كما تقترح منح الشركات النفطية العامة صلاحية التعاقد مع الخريجين حسب الحاجة ومن موازناتها، بموافقة مجلس الوزراء. وتنادي الجبهة بحل المشكلات المتعلقة بمراقبي المنشآت النفطية والمتدربين من خلال التعيين أو التعاقد وفق القرار (315)، مع شمول من تتوفر فيه شروط التثبيت. وأخيرًا، تقترح استحداث درجات وظيفية جديدة لتعيين خريجي معاهد النفط والموانئ وغيرها من التخصصات التي تحتاجها الوزارات.

    حراك انتخابي جديد لنواب الوسط والجنوب مقابل الإطار التنسيقي

    تشكيل جبهة نواب الوسط والجنوب جاء في سياق التغيرات المرتقبة في النظام الانتخابي، حيث إن نظام سانت ليغو المقترح لا يسمح بالترشح الفردي، ويشجع التحالفات والقوائم الانتخابية، مما يجبر النواب المستقلين على خيارين: الانضمام إلى أحزاب أو تحالفات قائمة، أو تشكيل تجمع سياسي خاص بهم لخوض الانتخابات كقائمة موحدة. في هذا السياق، تعد الجبهة تجمعًا أوليًا للنواب المستقلين، يهدف إلى إيجاد صيغة قانونية للدخول في الانتخابات المقبلة كقائمة موحدة، وتعزيز مكانتهم السياسية بالظهور كمدافعين عن حقوق محافظات الوسط والجنوب ذات الثقل الانتخابي، والتأقلم مع النظام الجديد لتجنب خسارة الفرصة في المنافسة البرلمانية.

    ما يميز النواب المستقلين البارزين في هذه الجبهة هو أنهم كانوا قريبين سياسيًا من الإطار التنسيقي دون أن يكونوا جزءًا رسميًا منه، مما يفتح الباب أمام احتمالية أن تكون الجبهة نواة لتشكيل تحالف انتخابي منافس للإطار التنسيقي في الانتخابات القادمة. هذا التحالف ينافس في نفس مناطق النفوذ التقليدي للإطار التنسيقي، وهي محافظات الوسط والجنوب، مستفيدًا من الخطاب القائم على معالجة التهميش المالي، وانعدام العدالة في توزيع المشاريع، وسوء التنمية الاقتصادية، والتي تُعد قضايا ذات تأثير كبير على جمهور هذه المناطق.

    توقيت تشكيل الجبهة، بعد أكثر من سنتين من عمر الدورة البرلمانية، يرتبط مباشرة باقتراب موعد الانتخابات في نهاية 2025، مما يفسر سعي النواب لتعزيز موقعهم الانتخابي واستثمار المشاكل القديمة كأدوات سياسية لجذب الناخبين. في الوقت ذاته، قد يمثل هذا التحرك بداية صراع سياسي جديد داخل الوسط الشيعي في مناطق الوسط والجنوب، حيث يسعى النواب المستقلون لتقديم أنفسهم كبديل عن الكتل السياسية التقليدية، بما في ذلك الإطار التنسيقي.

    واستقلال عدم قدرة الحكومة على انصاف هذه المحافظات او معالجة مشاكلها الخدمية والمالية وفي مجالات الصحة والطاقة والتعليم وغيرها واعتبار الحكومة هي حكومة الإطار التنسيقي بشكل كبير وانهم كانوا جزء من المعارضة للحكومة داخل مجلس النواب وتعتبر نقطة تفوق على نواب الإطار التنسيقي في كسب الجمهور في هذه المناطق

    محاولة جذب تعاطف جمهور الوسط والجنوب

    محاولة جذب تعاطف جمهور الوسط والجنوب من خلال ربط التهميش المالي والاقتصادي والخدمات بقانون الأحوال الشخصية من خلال تحويل المسار السياسي الى اجتماعي. قانون الأحوال الشخصية لا يعكس أولوية ملحة في المناطق الأخرى مثل إقليم كردستان أو المناطق ذات الأغلبية السنية، حيث تُعد قضايا الأحوال الشخصية أقل اهتمامًا مقارنة بالقضايا الاقتصادية والخدمية. ومع ذلك، فإن هذا الموضوع يلقى صدى خاصًا لدى الأحزاب الشيعية التي تتمتع بنفوذ في مناطق الوسط والجنوب، وهو ما يجعل هذا الربط يبدو كتحرك سياسي لاستغلال المشاعر المجتمعية.

    ربط قضية الأحوال الشخصية بالتهميش المالي يعكس استغلالاً سياسيًا لمسائل اجتماعية حساسة بغرض تحفيز المشاعر العامة، بدلاً من معالجة الأسباب الحقيقية للتهميش والفقر وغياب العدالة في توزيع الموارد. هذه الاستراتيجية قد تخلق تصورًا بوجود صفقة سياسية بين الأطراف المؤيدة للقانون، مما يثير الشكوك حول أهدافها الحقيقية، حيث قد يكون الدافع هو تحقيق مكاسب سياسية محددة، بدلًا من السعي الجاد لمعالجة مشكلات المجتمع الأكثر إلحاحًا.

    في هذا السياق، قد يبدو هذا الربط كوسيلة لتوجيه الانتباه بعيدًا عن التحديات الاقتصادية والخدمية الجوهرية التي يواجهها سكان هذه المناطق. فهو يمثل استغلالًا سياسيًا لقضية اجتماعية متعلقة بالحقوق العائلية في محاولة لتعبئة الدعم الشعبي أو حرف النقاش السياسي نحو قضايا جانبية. هذه الاستراتيجية، رغم فعاليتها على المدى القصير في تحفيز التعاطف أو الانتباه، قد تؤدي إلى إحباط شعبي أكبر إذا لم يتم التعامل مع القضايا الرئيسية، مثل الفقر، نقص الخدمات، والتهميش المالي، بشكل حقيقي وجاد.

    انتقادات لتشكيل الجبهة

    تشكيل “جبهة نواب الوسط والجنوب” أثار انتقادات واسعة، أبرزها من رئيس كتلة أجيال النيابية، النائب محمد الصيهود، الذي اعتبر أن هذا التجمع يعكس طابعًا انتخابيًا أكثر من كونه خطوة إصلاحية. في تصريح لوكالة المعلومة، أشار الصيهود إلى أن الحراك السياسي يزداد مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، وأن الإعلان عن تشكيل هذا التجمع يأتي في إطار هذا السياق الانتخابي. واعتبر أن مثل هذا التجمع لا يُعتبر خطوة موضوعية، بل تهميشاً لبقية نواب تلك المحافظات الذين يصل عددهم إلى 170 نائباً، بمن فيهم نواب الجبهة الجديدة.

    الصيهود رأى أن النواب الذين أعلنوا عن تشكيل الجبهة كان يجب عليهم التركيز على متابعة تنفيذ البرنامج الحكومي في تحسين المشاريع والخدمات في محافظاتهم بدلاً من الانشغال بتشكيل تجمعات سياسية جديدة. ولفت إلى أن التقصير أو الإخفاق في هذا المجال يعني أن الجميع في تلك المحافظات معنيون به، سواء في حال النجاح أو الفشل. وأضاف أن هذا التجمع يبدو أنه يأتي في وقت يسعى فيه النواب إلى تعزيز مواقعهم الانتخابية في ظل الاستعدادات للانتخابات القادمة، وليس لتحقيق تغييرات حقيقية في الوضع السياسي أو التنموي في المحافظات.

    الخاتمة

    بينما تؤكد جبهة نواب الوسط والجنوب أنها تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وتنمية المحافظات المهمشة، وتعتبر مطالبها شرعية ولها قبول واسع بين أبناء تلك المحافظات الذين غالبًا ما يشعرون بالتهميش والحرمان، فإن سعي النواب لتحسين أوضاع مجتمعاتهم يعد خطوة إيجابية تُعد من أهم أدوارهم. فالمطالب التي تطرحها الجبهة في مجالات التعليم، الصحة، والبنية التحتية تهدف إلى ضمان حقوق المواطنين في هذه المناطق وتحقيق التنمية المستدامة التي تخدم الأجيال القادمة. إضافة إلى ذلك، فإن الجبهة تسعى لتوزيع عادل للموارد وفرض العدالة في تنفيذ المشاريع التنموية التي تضمن تحسين مستوى الحياة في محافظات الوسط والجنوب.

    ومع ذلك، ترى بعض الأطراف أن هذه التحركات قد تحمل طابعًا انتخابيًا أكثر من كونها إصلاحية حقيقية. ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في نهاية عام 2025، من المتوقع أن تتصاعد الحركات السياسية، ما يثير العديد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التحرك النيابي. فبينما يرى البعض أن التوقيت قد يكون مرتبطًا بالإعداد للانتخابات، يعتقد آخرون أن الهدف هو تصحيح الأوضاع في مناطق تعاني من تهميش سياسي وتنموي طويل.

    في النهاية، سيكشف موعد الانتخابات القادم ما إذا كانت جبهة نواب الوسط والجنوب ستتمكن من تحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية، أم ستظل مجرد خطوة انتخابية تهدف إلى كسب ود الناخبين في المناطق التي لطالما عانت من الإهمال والتهميش. وفي حال نجاح الجبهة في تنفيذ برامجها، فإنها ستكون نموذجًا للمسؤولية الوطنية والحرص على مصلحة المواطنين بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة.

    اقرأ ايضاً