مقتدى عثمان – باحث في الشأن السياسي
التحولات الوجودية، هذا المفهوم فضفاض جدًا نسبةً الى عمق وتشخيص الازمة من بعد الربيع العربي 2011 الى عملية ردع العدوان في ديسمبر 2024 ، فأن العقد الماضي تحولت سوريا إلى مختبر حيّ للتحولات الوجودية التي تعيد تشكيل ماهية الدولة والمجتمع في ظل انعدام الاستقرار السياسي والأمني.، ما جرى في سوريا ليس مجرد سلسلة من الأزمات السياسية أو العسكرية، بل هو تحول عميق أصاب بنية الدولة ومفهومها، حيث باتت سوريا نموذجًا معقدًا يطرح تساؤلات حول إمكانية استعادة الدولة لهويتها الوطنية ودورها الإقليمي بعد انهيار نظام سياسي هيمن لعقود.
التحولات الوجودية هي لحظات حاسمة تواجهها المجتمعات والحكومات بالأخص عند نقطة انعطاف كبرى شكلت تحديًا لإعادة تعريف القيم والهويات وديناميات شكل الدولة، او هي أزمة تتداخل فيها القوى الداخلية بدعم خارجي هائل يصل الى مراحل إعادة تعريف ذاتها ووجوها الفعلي.
سقوط النظام في سوريا لن يكون مجرد نهاية لحكم دكتاتوري، بل بداية لسلسلة من التحديات التي ضربت مفهوم “الدولة الوطنية”. التحولات الوجودية هنا ليست فقط محاولة للتعافي من صدمة الحرب، بل مواجهة لتحديات إعادة بناء المؤسسات، تحديد الهوية الوطنية، ومعالجة الانقسامات الطائفية والإثنية التي تفاقمت على مدى السنوات الماضية.
ما يجري في سوريا هو التواء كبير لثورة فشلت في بادئها لكن تركت أثرٍ أكثر من عقد لإنجاحها ومابين الفشل والنجاح عوامل مثل الاحتجاجات العاصفة والحرب الاهلية وتداخل وتقسيم سوريا بين قوى محلية ودولية، مما تجاوزنا كل المفاهيم والتشخيص الاستراتيجي لسوريا لذلك جعلنا هذا المقال هو نموذج لدراسة ازمة التحولات الوجودية في المجتمعات المنكوبة.
لننطلق بتساؤل أعم، كيف يمكن إعادة بناء هوية وطنية جامعة بعد هذا التشظي والفراغ السياسي والمؤسساتي وتكوين ماهية الدولة؟
جوهر الاستقصاء بعد إسقاط النظام الدكتاتوري، وبأمكاننا الاجابة عليه وفق الرؤية والتصورات الآنية لكن سوف نترك الجواب الى القيادات الداخلية الفاعلة والمتغيرات الخارجية، والتساؤل اعلاه يدخلنا في جوف تساؤل اخر هو كيف يمكن لسوريا إعادة بناء مشروعية سياسية قائمة على إرادة الشعب، وكيف يمكن بناء عقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات كافة مكونات الشعب السوري؟
منذ انهيار النظام، أضحت سوريا في حالة فراغ سياسي مروّع القوى الفاعلة على الأرض باتت متعددة، من قوى محلية متصارعة إلى قوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مصالحها ومع غياب رؤية وطنية موحدة، تحولت سوريا إلى مشهد تتقاطع فيه الطموحات المحلية مع الأجندات الخارجية وفقًا لتقارير دولية، بلغ عدد القتلى منذ بداية الازمة السورية أكثر من 400 ألف شخص، بينما نزح حوالي 13 مليون سوري، داخليًا وخارجيًا، تاركين فراغًا بشريًا غير مسبوق.
في هذا السياق، أصبحت الهوية الوطنية السورية أكثر تشظيًا من أي وقت مضى. الطوائف والأعراق التي كانت تتعايش ضمن إطار الدولة المركزية أصبحت الآن كيانات متنافسة، تسعى كل منها إلى حماية مصالحها الخاصة في ظل ضعف الدولة.
الأكراد، على سبيل المثال، استفادوا من الفوضى لتأسيس مناطق شبه مستقلة في شمال سوريا، وهو ما أثار قلق تركيا ودفعها إلى التدخل عسكريًا للحيلولة دون قيام كيان كردي مستقل على حدودها.
هنا يبرز السؤال: هل يمكن لسوريا أن تعيد بناء هوية وطنية جامعة تشمل جميع مكوناتها؟ أم أن التشظي الحالي سيؤدي إلى تقسيم دائم؟
التحديات الامنية والعسكرية في سوريا …
تتزايد مابين حكومة انتقالية مؤقتة بيد هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا مباشرتاً واحلامها في إعادة الامجاد وكما قال الرئيس الامريكي دونالد ترامب بتصريح مبطن لم يظهر للعلن بصورته الحقيقة أن حكومة الشرع مغطاة بمشروعية الغرب ((لا أحد يعرف حقاً من الرابح لكنني اعتقد بأن تركيا هي الرابح، اردوغان رجل ذكي وقوي جداُ كان الاسد جزاراً، رأينا ما فعله بالأطفال …. مفتاح سوريا بيد تركيا )) وناهيك بأن الوضع الجيوسياسي قد أمكن للشرع وقواته بالسيطرة على سوريا وانهيار نظام دام 61 عاماً , فأن الخطة العسكرية كانت تشمل محيط ادلب وحلب لكنها توسعت بعد ان شاهدوا هشهاشة النظام السوري وتراجع حزب الله وروسيا الا ان هناك قوات كردية وآمالها بتشكيل إقليما ذاتي في شمال سوريا والاتجاه الى الفدرلة وهذا يمثل تهديد وجودي على الامن القومي التركي ، ويخالف المبادئ الثلاث التي عممت من حكومة الشرع (( سوريا ستكون موحدة تحت ادارة واحدة ولن يكون هناك نظام فيدرالي , جميع الجماعات المسلحة ستكون جزءاً من وزارة الدفاع , جميع المكونات العرقية ستشارك في ادارة البلاد )) مما يجعل قوات قسد امام خيارين , يأما تحل نفسها , او القضاء عليها بالقوة .
الوجود الايراني بعد هذا الجهد العسكري لأعوام تخلت عن الهلال الشيعي وخط الامداد لحزب اللهِ في لبنان بإيام وجيزة والالتزام بمبدأ الصبر الاستراتيجي التي تبنته إيران منذ الازمة في غزة مما يترك تساؤلات كثيرة عن سياسة طهران المستقبلية وهل هذا المبدأ يكون مؤقتاً؟ وبعد هذا الدعم الذي قدم لسوريا من امكانيات بشرية ومادية ينتهي بين ليلة وضحاها، وتمركز روسي في قاعدة حميميم وطرطوس باعتبارها مناطق قوة جيوستراتيجية في سوريا مما يزيد من تعقد المشهد وفي ظل هذه الظروف، يبقى مستقبل سوريا مفتوحًا على احتمالات متعددة. هل ستتمكن القوى من التوافق على عقد اجتماعي جديد يعيد بناء الدولة على أسس ديمقراطية وعدالة اجتماعية؟ أم أن البلاد ستظل أسيرة التنافس الإقليمي والتدخلات الخارجية؟ هل يمكن استعادة الثقة بين المكونات المختلفة، أم أن الانقسامات العرقية والطائفية ستستمر في تعميق الفجوة بين السوريين؟
التحديات الاقتصادية للحكومة الانتقالية …
المتعارف عليه بان حكومة الانقاذ هي بدون خبرة فعلية في ادارة الدولة بغض النظر عن نجاحها في ادارة ادلب لكن سوريا في الواقع هي بحاجة الى كل شيء واكد ذلك محمد البشير رئيس حكومة الانقاذ بأن سوريا امام تحديات تركها النظام السابق من ارث من العقوبات ووضع اقتصادي متهالك ومن الممكن استنساخ تجربة ادلب من تأمين موارد اقتصادية والاعتماد على الدعم الاقليمي والدولي والمساهمة في اعادة بناء مؤسسات الدولة لكن هذا ليس كافياً مما يدفع الحكومة المؤقتة الى البحث عن مصادر اخرى مستدامة من موارد طبيعية وفرض ضرائب والتشجيع على فتح ابواب الاسثمارات الاجنبية
كما قال المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي: “التاريخ ليس سوى سلسلة من التحديات التي تواجه الحضارات وردود أفعالها عليها.” سوريا اليوم أمام تحدٍ وجودي حقيقي: إما أن تتحول إلى نموذج للنهضة بعد الأزمة، أو أن تبقى رمزًا للفشل في تجاوز الصراعات الداخلية والإقليمية ما بعد الثورة.
الإجابة على هذا التحدي تكمن في قدرة السوريين على بناء مستقبلهم بأيديهم، بعيدًا عن هيمنة القوى الخارجية، مع التمسك بروح المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية التي قد تكون المفتاح لإعادة بناء سوريا كدولة قوية ومستقرة
وعليه كيف سترد سوريا …؟؟