هاشم عبد المطلب محسن / قسم الدراسات الدولية، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد
إن التنظير في حقل العلاقات الدولية يُنتج التحيز (Bias) بشكل آلي، وذلك من خلال اهتمام المنظر بتفسيرات مختلفة تجعله يُركز على مُعطيات معينة في الواقع مُستبعداً معطياتٍ أخرى معتمداً في ذلك على النموذج الإدراكي لديه والمتكون من (القيم والمعتقدات والتصورات والمعايير والمُسلمات وغيرها) التي يستقي منها خبراته والتي تساعده في الاجتهاد عند ترتيب وتنسيق تفضيلاته وخياراته التنظيرية. وتُعد النظرية السياسية الرابعة نموذجاً للتنظير غير الغربي في العلاقات الدولية، وتركز في الأساس على مبادئ الأوراسية الجديدة بأبعادها الجيوسياسية ودعوتها للتعددية في النظام الدولي، وأيضاً عبر الاهتمام بفرادة القيم المحافظة وعناصر الثقافة التقليدية كالدين، فضلاً عن التقاليد الروحية الأخرى والأعراف المتوارثة؛ التي تمتاز بها الحضارات الشرقية عموماً. وتسعى هذه الدراسة لكشف ملامح التفكير الرغائبي في هذه النظرية وتأثيرها على فرضياتها النظرية وصولاً لانعكاسات ذلك على واقع الصراع الحالي في البيئة الدولية.
تظهر القيمة العملية لنظريات العلاقات الدولية كمجال معرفي أكثر عند إثبات قدرتها التفسيرية للواقع الدولي بصرف النظر عن تعدد تلك التفسيرات وتباينها. وعلى الرغم من استحالة تطابق النظرية مع الواقع تطابقاً مطلقاً أي قدرتها على أن تكون تمثيلاً شاملاً تاماً لحقيقة الواقع، إلا إن النظرية تبقى عنصراً لا غنى عنه. فهي تُعد أحد العناصر الأساسية في توجيه وتحديد وصياغة المعرفة العلمية، وتحقيق التراكم المعرفي عبر شرح قوانين السلوك السياسي للدول ولمعرفة لماذا؟ وكيف؟ تتصل وتؤثر الاحداث مع بعضها، مما يجعلنا قادرين في نهاية المطاف على التدخل وربما تغيير الواقع كي يناسب أهدافنا وتطلعاتنا في عالم يتميز بالفوضى وعدم اليقين وهو ما نحاول بحثه في هذه الدراسة فيما يخص الرغائبية في النظرية السياسية الرابعة.
ومن هنا يبرز السؤال الرئيس وهو: ما هو تأثير الرغائبية الظاهرة في النظرية السياسية الرابعة ومقدار ملامستها للواقع الدولي الحالي في تحقيق قدرتها التفسيرية لذلك الواقع، وما يترتب عليها من إقناع الآخرين بأهدافها المُعلنة في مواجهة نظريات العلاقات الدولية (الغربية) السائدة؟
إن التفكير الرغائبي يُعد عائقاً معرفياً أمام التنظير في العلاقات الدولية كما في غيرها من حقول المعرفة. لأنه في الواقع انحياز مُسبق للنتائج التي تتمخض عنها عملية التنظير وهذا لا يعني بالضرورة نفي وجود مساحة معقولة ومقبولة من “الموضوعية” في عملية التنظير عموماً، كما أن الأفكار قد تُصبح مؤثرة ليس لأنها صحيحة، بل لأنها نافعة كونها تخدم مصالح معينة وبذلك تكتسب طابعاً استراتيجياً في الصراع.