شُبر عبد الوهاب – كاتب وباحث سياسي/ بكالوريوس علوم سياسية – جامعة بغداد
بالنظر إلى هذا العبارة ومدلولاتها الجيوسياسية وبعيدا عن من استخدمها وأطلقها من زعماء العالم بأوقات مختلفة إلا أنها العبارة الأشهر في الشرق الأوسط والعالم العربي بالتحديد لما فيها من رؤى وخيبات أمل في نفس الوقت (الشرق الأوسط الجديد) العبارة التي لم يجني منها الشرق الأوسط إلا مزيدا من التقسيم والاحتلال والتجزئة، وفي كل مرة تأتي أعنف من سابقتها وهذا ما يذكرني بعبارة ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا عندما خاطب مجلس العموم البريطاني القابع تحت القصف الألماني قائلا: «ليس لدى ما أقدمه سوى الدم والدموع والعرق» ونحن هنا أيضا في الشرق الأوسط ليس لدينا أو لدى حكوماتنا غير الدم والدموع والعرق ومزيدا من الصرخات والأمل معا الأمل بواقع مغاير لما يرسمه لنا (أعداء الأمة) أو (الشيطان الأكبر) (والغرب الكافر) وخذ جملة من هذه العبارات الساحرة التي تهدأ من روعنا أثناء الأزمات الكبرى مع قناعتنا بوجود شرق أوسط جديد. هذه العبارة التي باتت نذير شؤم للعرب فكل من بشر بشرق أوسط جديد هم من مزقوا الشرق الأوسط وينساق خلفها رعاع الوطن العربي الطامعون في السلطة شرق أوسط جديد لمن وكيف ومتى؟ وأسئلة كثيرة تتأرجح بين الواقعية السياسية وتضارب المصالح وبؤس الشعوب وعلو صوت الرصاص على العقل.
من يرسم ملامح الشرق الاوسط الجديد ؟
ان افترضنا أننا في مرحلة ترسيم ملامح شرق أوسط جديد -بالفعل- تتغير فيه موازين القوى وتتضارب فيه وجهات النظر وتظهر للعلن جماعات أخرى وتتنازل قوى عن براغماتيتها لأجل آخره هل سنكون نحن من ضمن هذه المعادلة هل يمتلك رجال سلطتنا الإرادة لاتخاذ القرار السياسي الحق لأن نكون من ضمن معادلة دولية جديدة أم سنكون أمام خيارين لا ثالث لهم إما الانخراط أو الخنوع ولو ذهبت اتجاه هذا الخيار فإن ملامح هذا التغيير كما أؤمن بدأت منذ الحرب الروسية الأوكرانية وتلاها العدوان الإسرائيلي على غزة ومن ثم الحرب في السودان وبيروت والآن نشهد دخول سوريا على خط الأزمات التي عاد تفاقمها بعد ركود ما يقارب 4 سنوات أن السياسة الأميركية التي حاولت إقامة “شرق أوسط جديد” متجاهلة وقائع المنطقة وتغيراتها الآنية أدت إلى مجموعة نتائج كارثية لم تكن في الحسبان وهذا ما يدفع صانع القرار السياسي الأمريكي بضرورة إعادة النظر في السياسة على أسس أكثر وضوحا وواقعية والتخلي عن فكرة قدرة الولايات على إعادة رسم خريطة المنطقة -بصورة أحادية- وبما يناسب مصالحها هي فقط فالحديث عن من يريد احتكار القوة والمصالح في القرن 21 أصبح صعبا بل أشبه بالمستحيل لأن هناك قوى أخذت بالصعود وتسلقت السلم الدولي واضعة على مناطق النفوذ في العالم والشرق الأوسط بالتحديد وهذا ما أعتقد أن الولايات المتحدة أدركته بالسنوات الأخيرة وغيرت من ملامح في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة حين بدأت الولايات المتحدة في تحويل اهتمامها نحو آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة النفوذ المتزايد للصين أدى ذلك إلى صعود قوى إقليمية جديدة في الشرق الأوسط فروسيا رغم حروبها دعمت النظام السوري بشكل مباشر والصين عززت مكانتها عبر الاقتصاد مع دول الخليج وإيران مررت ما تريده من البوابة الشرقية للعرب… إذا هل نحن فعلا أم شرق أوسط جديد؟ أن الباحثين في هذا الأمر يرون أن الأمر هذه المرة قد يكون مختلفا وخصوصا مع إمكانية عودة الربيع العربي وهو ينذر بإعادة ثوراته مرة أخرى في أكثر من منطقة، بشكل متزامن مع تغير الحاصل في موازين القوى العالمية وإعطاء الأنظمة في الشرق الأوسط الأولوية لبقائها الداخلي على رغم من صراعها في المنطقة لكي يبقي لها شيء وهذا ما ترمي به سياسات قادة العالم بعد الأحداث الأخيرة ومن جانب آخر ممكن أن يبقى الوضع على ما هو وتنسف مرة أخرى الحلم القريب البعيد لعبارة الشرق الأوسط الجديد والسبب الرئيس في ذلك هو أن المنطقة واللاعبين الأساسان فيها لم يحاولون وضع هيكل إقليمي مستقر لها وسماحها بأن تخوض دول المنطقة مزيدا من الصراعات والاضطرابات الإقليمية ولو نظرنا واقعيا لوجدنا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال قوة عظمى تتمتع بنفوذ واسع في العالم والشرق الأوسط مع أنها واجهت وتواجه تحديات بسبب صعود قوى إقليمية التي غيرت من موازين القوى وهذا ما يرجح إمكانية دورها الجديد اتجاه الشرق الأوسط من عدمه .
العراق على العتبة..
كل ما يجري في الشرق الأوسط اليوم من تغيرات وتفاعلات يجعلنا نحن كعراقيين أن نفكر بحتمية دخول العراق كطرف في الصراعات القائمة أو زج العراق بهذا المعادلة الفصائل المسلحة اليوم لديها القرار الذي لا ينسجم مع توجهات الحكومة الإعلامية من جهة استمرار توجيه الصواريخ لإسرائيل حتى بعد وقف إطلاق النار في بيروت أصرت على بقائها ضمن محور الصراع وهنا أود أن أستذكر تصريحا لأحد مستشاري رئيس الوزراء الحالي عندما قال إن استمرار هذه الهجمات يشكل تحديا للحكومة وان الفصائل لا تستجيب لتوجيهات رئيس الوزراء…
ما يجعلني اذكر نفسي أولا أن هذا النظام الذي كان يحتمي بتلك الفصائل أثناء الغليان الجماهيري الآن هو لا يستطيع السيطرة على أفعالها ويحرجها كما يقال في أكثر من أزمة إقليمية كان لا بد من أن يأتي الوقت الذي لا ينصاع لقراراتها في كل مرة تخرج فيها الأمور عن السيطرة وهذا هو نتيجة منطقية في بلد غاب فيه سلطة الدولة ومنطق القانون واستقلال القرار وفي وقت يحتاج العراق لقرار سياسي حقيقي وناضج لدرء الخطر القريب والكامن عن إرادية من جهة موقف الدولة من صواريخ الفصائل أو من جهة حماية الحدود العراقية من الجماعات المسلحة في سوريا والعراق لديه تجاربه مع هذه الجماعات فلم يكن أحد يتوقع سقوط نظام الأسد في سوريا وصعود جماعات لديها خطاب تكفيري وماض كبير مع الجماعات التكفيرية التي قاتلت بالعراق والمنطقة فتغيير الخطاب من خطاب إسلامي متشدد يدعو إلى إقصاء الآخر إلى القبول بالآخر وبناء دولة ومؤسسات لم يكن أحدا يتوقع أن تتنازل روسيا عن بقاء الأسد في السلطة وأن تستولي كل هذه على الحكم الشيء المؤكد الآن هو أننا نعيش مرحلة تقويض الدور الإيراني في المنطقة باتفاق تركي أمريكي وبرضا روسي في غزة وبيروت ومن ثم انتهى تقريبا التواجد الإيراني في سوريا بعد سيطرة المعارضة على الحكم ولا بد من أن يأتي دور العراق الذي يجب أن يكون مستعدا لما هو قادم وما هو مخطط له رغم عدم تنازل الولايات المتحدة الأمريكية عنه وعدم الإفراط به وأسئلة كثيرة تطرح بعد المشهد السوري -وخصوصا- كيف سيتعامل العراق مع سوريا وكيف سيكون شكل التعاطي السياسي بين الطرفين.
واخيرًا أننا أمام مستقبل معقد وغير واضح المعالم. الصراعات في الشرق الأوسط ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات تاريخية ودينية وسياسية وجيوسياسية تعود إلى عقود من الزمن هناك ما يولد تضارب في المصالح وسلسة من الصراعات والمشاكل التي تطفوا على السطح سريعًا ومع دخول قوى دولية على خط النزاعات، مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران تتعقد إمكانية إنهاء الحروب بشكل سريع.