م.م مروة حامد الحمداني / باحثة بالشأن السياسي
تشهد المنطقة والدول المجاورة للعراق حالة من التوترات والصراعات والتي تشبه الكرة الملتهبة المتدحرجة من بلد الى آخر، إذ تلعب إسرائيل اليوم دوراً محورياً في ديناميكيات المنطقة خاصة بعد حربها مع غزة ومن ثم لبنان، فهذه التوترات تحمل في طياتها أزمات أمنية وسياسية والتي ستدخل المنطقة بوضع لا يحمد عقباه، ويبدو إن هذه الكرة الملتهبة بدأت تقترب من العراق خاصة بعد تهديد إسرائيل بشكل مباشر بشن ضربات عسكرية على أهداف محددة داخل الأراضي العراقية ضد ما تعتبره تل أبيب “تهديدات مباشرة لأمنها القومي” من الفصائل المسلحة أو تلك التي تدعي بارتباطها المباشر بإيران، فهل سيكون العراق أمام ضربات إسرائيلية كما حصل مع لبنان وسوريا أم سيعي أضرار التهديد؟
خلفية التهديدات:
وقوع العراق في منطقة استراتيجية جعلته محوراً في كل التحديات والتهديدات التي تمر بها المنطقة، فبسبب قرب العراق من إيران وبسبب وجود بعض مخازن الاسلحة والمعدات العسكرية للفصائل المدعومة من إيران، كل ذلك جعل العراق في محط تهديد إسرائيلي بشن ضربات عسكرية استباقية لتدمير هذه المنشآت مستندة بموقفها على تقارير استخباراتية تتمثل بارتباط تلك الفصائل لشبكة إمدادات إيرانية لإسناد غزة ولبنان وسوريا.
إذ تعد إسرائيل إن النفوذ الإيراني في المنطقة أصبح تهديداً وجودياً لأمنها القومي، خاصة بعد التوسع الإيراني في المنطقة عبر وكلائها مثل (لبنان، وسوريا، واليمن)، لذا سعت إسرائيل الى إرسال رسالة واضحة للدول والجماعات في المنطقة الى إن أي تهديد لأمنها سيواجه بقوة رادعة.
تداعيات الضربة على العراق:
وتداعيات الضربة الإسرائيلية المحتملة على العراق إذا تمت ستؤدي الى تصعيد خطير في المنطقة أولاً، وذلك لأنه قد يجر المنطقة الى مواجهة شاملة، كما إنها ستؤثر على أمن واستقرار العراق (خاصة وإن العراق لازال يعاني من انقسامات سياسية عميقة)، إذ ستزيد التهديدات الإسرائيلية من هذه الانقسامات فبعض القوى الداخلية ستجد نفسها في مواجهة ضغوط خارجية لتحديد مواقفها ضد التهديدات الاسرائيلية، فالمواقف المتضاربة هذه تؤدي الى تراجع وحدة البلاد الهشة كما إنها ستزيد من المخاطر الأمنية التي تعيق عملية التنمية، كما إن الواقع الاقتصادي للعراق متردي ولازال يعاني من فساد مالي وإداري هذا كله يجعل العراق هشاً أمام أي صدمة خارجية إضافة الى عدم قدرته على الرد أو زج المجتمع بحروب جديدة.
سيناريوات الرد العراقي:
أما سيناريوهات رد الحكومة العراقية لابد أن تلجأ الى التصعيد دبلوماسياً أولاً وعبر منظمات دولية للمطالبة بإيقاف التهديدات وتنديدها ومنع تكرارها لحماية سيادتها، أو تلجأ الى سياسة التهدئة من أجل تقليل التوترات مع إسرائيل لتجنب الانخراط في صراع إقليمي خاصة وإن العراق في واقع لا يسمح له بالمواجهة عسكرياً مع إسرائيل لا بصورة مباشرة ولا حتى غير مباشرة، فالعراق بعد عام 2003 تبنى سياسة متوازنة مع جميع الاطراف تضمن عدم انحيازه لأي محور إقليمي بل العراق اليوم يسعى لتعزيز دوره كوسيط لحل النزاعات بدلاً من أن يكون ساحة للصراعات الإقليمية.
الاستنتاج:
أن التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات للعراق يعد فصلاً جديداً من التصعيد في المنطقة التي تعج بالأزمات والتوترات الأمنية، يعد تحدي أمني خطير بالنسبة للدولة العراقية والتي فعلياً تعاني من أزمات داخلية متعددة، فالتوترات الحالية في المنطقة والتهديدات المباشرة بتوجيه ضربة على العراق، تفرض على الحكومة العراقية على ضرورة بناء تحالفات إقليمية ودولية فعالة، وذلك لضمان بقاء العراق بعيداً عن مخاطر التصعيد العسكري وايضاً من أجل تعزيز دوره كعامل استقرار في المنطقة بدلاً من أن يكون عرضة لصراعات القوى الكبرى. فالعراق اليوم يقف على مفترق طرق فإما أن يتمكن من تعزيز استقراره ودرء تلك المخاطر الخارجية، أو أن يكون الدولة القادمة في تدحرج الكرة الملتهبة والتي لازالت تنتقل في المنطقة بشكل متسارع.