back to top
المزيد

    واحة البيان

    سقوط دمشق وتساؤلات الواقع

    علي الابراهيمي

    المجتمع الإسلامي السني الذي يستمد معلوماته الصحفية من المنصات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية لتركيا ودول الخليج ، أو منصات السلفيين ومنصات صهاينة العرب ، قد يظن مخطئاً أن المسلمين الشيعة لا يريدون حكماً تعددياً في سوريا ، حباً منهم بنظام (الأسد) لأسباب طائفية ، والحقيقة أن دعم الأنظمة الديكتاتورية محرم في عقيدة وفقه الشيعة جميعاً ، إلا أن المسلمين الشيعة ليسوا من الغباء ليصدقوا أن الأتراك يريدون ذلك النظام التعددي في سوريا وهم اصدقاء كل ديكتاتوريات العالم الإسلامي الأشد بطشاً وقمعاً ، أو يصدّقوا أن هذه الجماعات الإرهابية المجربة في قسوتها وطائفيتها مستعدة لإقامة هكذا نظام ، كما أنهم لا يستطيعون قبول أن هذه القوى المختلفة والمتعددة الجنسيات اجتمعت في سوريا من أجل حقوق الإنسان وهي ممولة من أشد الأنظمة قهراً للأقليات في الخليج ، بينما تؤيد هذه الجماعات وتركيا قبلها ديكتاتورية نظام أقلية حليف للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية في البحرين رغم أنه يضع غالبية الشعب في السجون الصغيرة أو السجن الكبير تحت حراب الجيش السعودي . إذن يرى الشيعة أن استهداف نظام (الأسد) ليس له علاقة بحقوق الإنسان ولا الحريات، ولا حتى الإسلام.

    وإيران التي دافعت عن سراييفو السنية في العام ١٩٩٤م ولم تستفد منها شيئاً، بل تركتها منذ ذلك الحين لأهلها، هي ذاتها من باتت محاصرة لأربعين سنة بسبب موقفها من فلسطين، والعرب والأتراك يشاركون أمريكا والصهاينة في حصارها.

    أما علاقة إيران بالمقاومة الفلسطينية، فهي علاقة مسلم بمسلم ينصره، لكن كيف يمكن تفسير علاقة امريكي وأوكراني يقوده يهودي بقضية سوريا.

    إن قطع طريق إمداد المقاومة هو سر هذه الحركة الأخيرة من قبل الكتائب الالبانية والقوقازية والطاجيكية والبلوشية والتركية والمغاربية في الفيلق التركي المسمى المعارضة السورية في الجيش الإسرائيلي، عبر استغلال مظلومية الشعب السوري وتطلعاته الحقوقية. وإذا شاء أحد رفض هذا الواقع فهذا شأنه. لكن أن يتم استخدام الطائفة لنصرة إسرائيل فهذا منتج سعودي بالأصل ومعروف منذ كانت ملائكة العريفي تقاتل في سوريا في النسخة السعودية السابقة للمعارضة السورية.

    والحقيقة أن ما يعانيه أهل السنة في بلدان أخرى أشد مما يعانيه أهل السنة في سوريا، في مصر الديكتاتورية، وفي وسط آسيا التركية التي تحارب الحجاب والصلاة علناً، بل وفي السعودية التي تحبس نصف مشايخها. فأين أهل السنة منهم، وأين ثورتهم، وأين تركيا التي تتحالف مع كل هذه الأنظمة العربية الأمريكية الصهيونية، فضلاً عن دعمها الطويل للصهاينة. أي خديعة يعيشون وأي وهم يقودهم وأي طائفية تعمي العيون.

    ولا يمكن التصديق أن الفلسطيني لا يعرف أن أول الخاسرين إذا وصلت الفصائل التكفيرية السورية ذات النسخة السعودية إلى السلطة هي غزة، لأنها ستكفّر المقاومة جميعاً ، أو فصائل المعارضة السورية ذات النسخة الثانية التركية والقطرية التي ظلت تصريحات قائدها الجولاني ورؤساء الفصائل وإعلامها يغازل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأن سوريا لن تكون منطلقاً لايذاء الجيران ، دون الحديث عن القصف الصهيوني المستمر لأسلحة الجيش السوري بعد سقوط دمشق ، فيما تنطلق بعض تلك القوى من قاعدة التنف العسكرية الأمريكية .

    والإعلام الذي يحتفي بحرية سوريا اليوم ، كان كثير منه هو صاحب السعي الخفي لإثبات ان حزب الله تمت هزيمته ، في محاولات ضغط نفسي فاشلة من قبلهم ، لماذا ، لأن الحزب لم يكن في حالة حرب ، بل في حالة نصرة لأخوته الفلسطينيين الذين خذلوهم ، ونجح فعلاً في سحب اغلب جيش الصهاينة الى الشمال بعيداً عن غزة ، واستنزف اقتصاد وقوة إسرائيل ، وأفشل كل وعودها ووعيدها في الاجتياح والقضاء على الحزب ، واضطر إسرائيل الى البحث عن منفذ دولي آمن للهروب ، وللأسف كان هذا المنفذ هو الحكومة اللبنانية التي خضعت لتأثيرات التيارين السعودي والفرنسي في لبنان ، وأغراها المال القطري والأمريكي المقدم للجيش اللبناني . لكنّ الحقيقة أن اقوى فيالق الولايات المتحدة الأمريكية الاكبر في العالم وهو الجيش الإسرائيلي فشل في هزيمة حزب محدود القدرات لولا نصر الله.

    وفي بعد اجتماعي آخر، هناك ذاك الذي يترحم على الديكتاتور الطاغية الطائفي (صدام)، بينما هو ذاته من يحمد الربّ ويشكر تركيا لمساعدتها السوريين في التخلص من نظام (الأسد) ، غاضاً الطرف عن أن تركيا ذاتها هي التي دخل منها الأمريكان لإسقاط نظام الديكتاتور (صدام) الذي يترحم عليه ويصفه بالشهيد ! .

    وهناك أيضاً الذي يتهم الأمريكان والصهاينة بأنهم سبب بلاء الأمة، وربما يحلو له أن يتهم نظام (الأسد) بعلاقات سرية معهم، ينافيها الواقع، هو ذاته من يثني على حكومات ولاة الأمر في الإمارات والسعودية وقطر والأردن الحليفة للصهيونية بصورة علنية، وتتواجد فيها القواعد الأمريكية الأكبر.

    هذا المزيج المتناقض من المشاعر لا تفسره إلا طائفية عمياء مريضة غير متوازنة، أججها الإعلام العربي المملوك للخليج تقريباً.

    فالمجتمع الإسلامي السني سيظل تائهاً غير منتج في الغالب في ظل مصدرين للمعلومة، الإعلام الرسمي، السعودي والقطري والإماراتي والتركي والمصري، وهو حليف لإسرائيل، وغير الرسمي، وهو بين ممول من الغرب أو من السلفية، أو رأس المال الفاسد.

    وتركيا التي تخلت عن حلفائها الذين تم قتلهم بدم بارد في ميدان رابعة المصري من نظام ديكتاتوري وعن دم الصحفي المدني خاشقجي مقابل المال والصفقات لن تكون يوماً داعماً لقضية إسلامية، لذلك لم تكن ولن تكون يوماً مع المسلمين المظلومين في فلسطين. وهي خنجر يضرب من الخلف نيابة عن الكيان.

    أما المعارضة فليست سورية في كل واقعها، وليست صاحبة الأرض في شكلها الحالي، فالفصائل الالبانية والقوقازية والطاجيكية والبلوشية والتركية والمغاربية والاوزبكية والتركمانستانية ليست سورية قطعاً ولا يغني وجود المترجمين السوريين بينهم عن حقيقة كون أغلبية الشعب السوري موزع بين العراق ولبنان ومصر وإيران وتركيا وأوروبا ومناطق النظام.

    وهذا الهجوم التركي من الخلف في توقيع وقف إطلاق النار في لبنان صريح في أبعاده السياسية والعسكرية التي تخدم الكيان. مع وجود الدعم التركي العلني والاوكراني التقني، لا سيما مع وجود رئيس يهودي على رأس أوكرانيا.

    والمثل الذي يتبناه نخبة من المجتمع الإسلامي السني (انا وأخوي على ابن عمي ، وأنا وابن عمي على الغريب ) غير مناسب دينياً ، لأن الاخ وابن العم إذا كانوا على الباطل لا تجوز نصرتهم .

    واذا كانت سوريا آخر طريق لإيصال السلاح إلى المقاومة ، بعد إغلاق طريق السودان الذي كانت إيران ترسل السلاح عن طريقه الى المقاومة ، فهذه الفصائل ستقطع هذا الطريق ، بل ستضرب الحزب نيابة عن الكيان.

    أما إيران وحزب الله الذين نصروا السنة وفكوا الحصار عن سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك في مطلع تسعينيات القرن العشرين ، حين كان المجاهدون السنة يقاتلون تحت إشراف الجيش الأمريكي في أفغانستان ، لن يكون هؤلاء الإيرانيون واللبنانيون ضد أهلهم من السنة .

    ومن المعيب بعد هذه التضحيات الشيعية من أجل قضية سنية في واقعها أن تتم الإساءة لهم إعلامياً ، فضلاً عن تهجير وقتل قواعدهم الشعبية في سوريا .

    ستتم تصفية القضية الفلسطينية بمجرد دخول هذه الفصائل إلى دمشق ، وسيتم طرد كل الاخوان من تركيا ، وسيتم التحكم في سوريا كلاعب في المحور الأمريكي الصهيوني بإشراف تركي قطري . ثم يتم زج هذه الفصائل الأجنبية من سوريا إلى أفريقيا لتلعب نفس الدور لخدمة المصالح الغربية ، كما لعب ذلك المجاهدون السعوديون العرب من قبل في أفغانستان . وسيسبب الانتصار للطائفة في المجتمع السني الهزيمة للدين ، وهذه مفارقة .

    إن المجتمع الإسلامي السني يكون مخطئاً إلى حد الضياع إذا ظن أن تركيا ، التي تتوسل للدخول في الاتحاد الأوروبي ، قد تحترم قضايا العرب ، وأن تركيا التي تقتل أهل السنة من الأكراد يومياً يهمها دماء أهل السنة في سوريا ، وأن تركيا التي تمنع الأكراد من نيل حقوقهم قد تثيرها حقوق السوريين ، وأن تركيا التي تدافع عن علاقات متينة بأبطش الأنظمة الديكتاتورية في مصر والخليج تهتم للحريات في سوريا ، وأن تركيا التي ترتبط بعلاقات متينة بالأنظمة التركية العلمانية في آسيا الوسطى والتي وصل بعضها إلى محاربة الصلاة والحجاب قد تهتم للجماعات الدينية التي جاءت من تلك البلدان لتقاتل في سوريا ، وأن تركيا التي تقطع الماء عن العراق وسوريا ستحترم اقتصاد سوريا ، وأن تركيا التي تحتل شمال العراق وشمال سوريا ستترك أراضي سوريا ، وأن تركيا حليفة الصهاينة ستنصر فلسطين ، وأن قطر التي نال أميرها تكريم الولايات المتحدة الأمريكية كأفضل شريك استراتيجي ستهتم لدولة مسلمة معادية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل .

    إن أهل السنة ، الذين بنوا قياساتهم ومعاييرهم الدينية للحكومات على الفتوحات العسكرية ، بغض النظر عن واقعها الديني ، كانوا ينتظرون أي انتصار باسم السنة ، بعد ركود طويل ، وبعد تواجد المسلمين الشيعة وحدهم في ساحة التضحيات المشتركة للأمة ، حتى إذا دخل هدف المباراة في المرمى السني نفسه لصالح الديكتاتوريات الحليفة لإسرائيل .

    وفي الحقيقة إن اغرب معارضة وحرب في العالم : فصائل أجنبية ، متطرفة بشعارات دينية ، طائفية ، جاءت من دول ديكتاتورية شديدة العداء للدين حليفة لإسرائيل في آسيا الوسطى والعرب ، تريد اسقاط نظام معادي لإسرائيل ، تدعمها دولة أكثر الدول الإسلامية تطرفاً في نظامها العلماني وشريكة في الناتو وحليفة لإسرائيل ، وتساندها قوات تخرج من القواعد الأجنبية الغربية المحتلة في سوريا ، بمشاركة قوات تريد الانفصال .. لإنشاء نظام ديمقراطي ! .

    إن تصريحات السياسيين الأتراك ، مثل دولت بهشتلي ، عن تركية حلب حد النخاع ، وتصريحات الكثير من الفصائل السورية الرئيسة المغازلة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ، وتصريحات إعلام تلك الفصائل حول الحوثيين المقاومين في اليمن رغم أنهم لم يتدخلوا على الأرض السورية ولم يشاركوا سوى في قصف اسرائيل ، هو ما يخشى منه الشيعة في المنطقة .

    وإخراج القواعد الأجنبية الأمريكية والتركية والروسية هو ما يتساءل عنه المجتمع الإسلامي الشيعي في مستقبل سوريا . وهل أن سوريا الجديدة منطلق لضرب القوى المدافعة عن فلسطين ، ام منطلق لتحريرها .

    اقرأ ايضاً