كمال سمين إبراهيم
تعداد العام للسكان والمساكن بعد عام 2003 ومعضلة كركوك
تُعتبر عملية تعداد السكان في العراق من اعقد عمليات التي تواجه النظام السياسي ما بعد حقبة حزب البعث ولاسيماً في المناطق المتنازع عليها واهمها محافظة كركوك ذات تنوع ديموغرافي واجتماعي وثقافي، وخزين نفطي هائل ويبرز المخاوف بشكل رئيسي بين ثلاث مكونات المدينة الكرد والعرب والتركمان، اذ يتنازع التركمان والكرد فيما بينهم حول الهوية الثقافية للمدينة فبينما يعتبر التركمان مدينة كركوك ذات ثقافة تركمانية ومدينة يسكنها الاعراق وثقافات متعددة ويطالبون بوضع اداري خاص لإدارتها توافقياً، يعتبرها الكرد بانها محافظة ذات الاغلبية كوردية ويجب ان يتم الاستفاء على مصيرها وضمها الى اقليم كوردستان، اما السردية العربية فيعتبرها بانها محافظة عراقية حالها حال باقي المحافظات يجب ان يبقى مرتبطة سياسياً وادارياً بالحكومة الاتحادية، وهذا ما لا يرضى بها الكرد ويخالف بعض فقراتها التركمان في بعض الاحيان، اضف الى النزاع الداخلي، نزاع معقد ما بين حكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان حول الصيغة السياسية والادارية لكركوك والذي يحددها المادة 140 من الدستور العراقي وهذا ما كان سبباً لاعتراضات متعددة من الجهات في كركوك وبين اقليم وبغداد منذ عام 2003 في كل طرح لمسالة تعداد لسكان.
سياق ادارة تعداد العام للسكان والمساكن 2024 وخصوصية كركوك
كان تعداد السكان المدرج في المنهاج الحكومي (لمحمد الشياع السوداني) من الامور الجدلية وخاصةً بعد الفشل المتكرر في اجرائها سابقاً، ولتجنب الفشل مجدداً حاولت الحكومة عدم ادراج الفقرات الجدلية في استمارة التعداد فتم الغاء الخانات التي تشير الى المذهب والقومية كم تم الغاء اجراء التعداد خارج العراق، وعلى الرغم من الغاء الفقرات التي تشير الى المذهب والقومية، وان التعداد الحالي لا علاقة لها بالإحصاء المذكور في المادة 140 من الدستور العراقي حول مصير محافظة كركوك وذلك بحسب قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (73/ اتحادية/ 2010) الا انها كانت غير كافية لتبديد مخاوف الجهات السياسية بخصوص كركوك فعبرت الجهات الكردية مخاوفها من التعداد بانه جاء بعد حكم محافظ كركوك بالوكالة (راكان سعيد الجبوري)، وبحسب (فهمي برهان) رئيس هيئة المناطق الكردستانية خارج اقليم كردستان فان (راكان سعيد) قام باستقدام خلال السنوات السبع من توليه ادارة محافظة كركوك (600) الف شخص من القومية العربية الى كركوك وأنشأ تسعة أحياء سكنية لهم، وهو ما عبر عنه محافظ كركوك الحالي ايضاً (ريبوار طه) في لقاء مع برنامج (بيستون توك) وصرح بوجود (500) الف شخص في محافظة كركوك يجب ارجاعهم الى محافظاتهم الاصلية وفق الية معينة.
اما النائب عن الجبهة التركمانية العراقية (أرشد الصالحي) فانه طرح انه في ظل تعددية المستمسكات الثبوتية للمواطنين ليس من الصحيح اجراء التعداد وخصوصا في محافظة كركوك بسبب ما تعرض له كركوك من التغيرات الديموغرافية سواء قبل 2003 او بعد 2003، لتأكد من كل فرد بشكل صحيح.
وكان اول اجراء فعلي لتبديد المخاوف بخصوص التعداد في المناطق المتنازعة عليها ومنها كركوك كان الاجتماع الموسع الذي جرى بتاريخ 31/ اكتوبر/ 2024 والذي ضم اضافة الى رئيس مجلس الوزراء (محمد الشياع السوداني) ورئيس الجمهورية (عبداللطيف جمال رشيد) كلاً من وزير الخارجية ووزير التخطيط ووزير العدل، ووزير التخطيط في حكومة الاقليم اضافة الى عدد من المسؤولين من كلا الطرفين والذي كان من اهم مخرجاته هو ادارة الملفات العالقة بخصوص التعداد وفقاً لدستور.
كذلك يمكن اعتبار قرارات جلسة مجلس الوزراء المرقم (45) بتاريخ 5/ تشرين الثاني /2024 احدى مخرجات اجتماع السابق، وضم عدداً من النقاط متعلقة بالتعداد منها:
- التأكيد على الالتزام بقرار المحكمة الاتحادية (73/اتحادية/2010) الخاص بالتعداد السكاني.
- يجرى العمل بالتعداد السكاني في المناطق المتنازع عليها من قبل فريق مشترك من القوميات الثلاث (العربية-الكردية-التركمانية) ويضاف فرد من الديانة المسيحية للفريق للمناطق ذات الاغلبية المسيحية.
- تقوم هيئة الاحصاء وهيئة إحصاء إقليم كوردستان العراق بالتعاون مع وزارة الداخلية بمقارنة جداول بيانات الوزرات التالية مع نتائج التعداد في:
- سجلات وزارة الداخلية، تعداد 1957 وتحديثاته.
- سجلات وزارة التجارة وبيانات الهجرة والمهجرين.
- نتائج التعداد العام ومقاطعة البيانات الخاصة بالتعداد بالسجلات الواردة في الفقرة (3) تكون من اختصاصي وزارتي التخطيط الاتحادية ووزارة التخطيط في إقليم كردستان العراق حسب الاتفاق المشترك حيث يتم تنظيم سجل خاص بهذه المناطق يتضمن نتائج مقاطعة البيانات، وتحتفظ وزارة التخطيط الاتحادية ووزارة التخطيط في إقليم كوردستان العراق بنسخة هذا السجل.
- التزام بتنظيم جداول إحصائية حول أعداد المرحلين والوافدين والنازحين في المناطق المتنازع عليها والمحافظات الاخرى وحسب المستمسكات الرسمية.
- لهيئة إحصاء كوردستان العراق إرسال فريق فني يتواجد في غرفة عمليات التعداد الرئيسية للاطلاع ومتابعة سير عمليات التعداد والاطمئنان على سلامة الإجراءات بشكل دائم حتى انتهاء العملية.
- التزام هيئة إحصاء اقليم كوردستان بالبدء الفوري لتدريب العدادين بدورات مكثفة استعداداً لإجراء التعداد العام للسكان والمساكن في 20 تشرين الثاني 2024.
وكانت المحطة الاخيرة في التفاهمات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان هي زيارة (محمد الشياع السوادني) الى إقليم كوردستان ومناقشة الاستعدادات الجارية بخصوص التعداد السكاني مع مسؤولين في الاقليم.
ان ما هو واضح من الاجراءات المذكورة ان قضية تعداد السكان في كركوك والمناطق المتنازعة عليها كان محصوراً بين الجهات الرسمية في حكومتي الاتحادية والاقليم دون ان يكون هناك مشاركة فعلية من المكونات هذا المناطق على عكس ما جرى في العام 2010 حين تم تشكيل لجنة ضمت بالإضافة الى رئيس مجلس الوزراء آنذاك السيد (نوري المالكي)، ممثلين عن مكونات محافظة كركوك اضافة الى بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، ولإزالة المخاوف من تعداد السكان بين مكونات كركوك كان يجب تطوير هذه صيغة وتشكيل لجنة مختصة لتعداد السكان في كركوك يأخذ في نظر الاعتبار الوضع الاجتماعي لكركوك وتعقيدها السياسي بإضافة ممثلين عن الامم المتحدة والاتحاد الاوربي وجامعة الدول العربية ومنظمة دول التعاون الاسلامي على سبيل المثال، واكاديميين ومراقبين ذوي خبرة
المخاوف والانتقادات
- كان هناك مخاوف من تعداد السكان حتى قبل انعقاده من قبيل محاولة اظهار بعض الاحياء السكنية لمكونات معينة بأكثر من الاخر، وما زاد هذا المخاوف هو إيقاف محافظ كركوك (ريبوار طه) عمل المراقبين ضمن فرق التعداد، إذ كان مقرراً ان يرافق فريق مكلف بالتعداد مراقبين اثنين أحدهما من المكون العربي والأخر من المكون التركماني في الاحياء الكردية، على ان يرافق مراقب كوردي وآخر عربي في الاحياء التركمانية، ومراقب كوردي واخر تركماني في الاحياء العربية، مبرراً محافظ كركوك ذلك بمخاوف العوائل الكردية من المراقبين ([1]).
- ما زاد من مخاوف الجهات السياسية غير الكردية في كركوك هو ما حدث قبل اجراء التعداد بيوم واحد من قدوم عوائل من إقليم كوردستان بالأعداد كبيرة مع عجلاتهم الخاصة لتسجيل انفسهم في محافظة كركوك، وحسب المتحدث باسم الجبهة التركمانية العراقية (محمد سمعان) دخلت 42 الف عجلة من جهة محافظة سليمانية، و24 الف عجلة من جهة أربيل الى محافظة كركوك ([2]) الى ان وصل الحال بسكن بعض العوائل في المدارس والمساجد ونصب الخيم لهم، وعلى الرغم من ادعاء الجهات الكردية بان العوائل القادمة وذويهم من اهل كركوك ويحملون تعداد 1957 وهجرهم نظام البعث في الحقب متتالية، الا انه اثار قلق الجهات السياسية العربية والتركمانية لأنه جاء مخالفاً لتعليمات مسؤول دائرة الإحصاء (حسين حميد): بان أي مواطن من أهالي كركوك ويقيم في الإقليم سيبقى من أهالي كركوك، ويتم تسجيله في تلك محافظة لتقديم خدمات لمنطقته، وهذا ما صرح به أيضا وكيل وزير التخطيط في حكومة إقليم كوردستان (سيروان محمد): من عدم حاجة الى ان يُسجل كل عائلة في مسقط راسها، الا انه نوه الى امر مهم وهو وجود التدخلات السياسية واعلام المواطنين للرجوع الى مناطقهم الاصلية([3])، كما جاء مخالفاً لمضمون كتاب وزارة التخطيط ذي العدد (ق س/2/9) بتاريخ (17/11/2024) الفقرة الثانية والتي تنص: ((التأكد من ان الاسر مقيمة إقامة اعتيادية لمدة 6 اشهر وانها تنوي الإقامة لستة شهور قادمة))، الا ان الأهم هو ان القادمين لكركوك لم يكن ضمن الية حكومية او ادارية معينة وخاضعة لضوابط رسمية، حتى يتمكن باقي العوائل من اصحاب تعداد 1957، كالعوائل التركمانية والعربية مثلاً من أصحاب تعداد 1957 من العودة الى كركوك.
- إضافة الى مفاجئة الحدث للتركمان والعرب زاد من مخاوفهم قيام وزارة الداخلية قبل يوم واحد من التعداد باستدعاء حوالي 300 منتسب من قسم سيطرات كركوك الى بغداد لغرض التحقيق معهم، (حسب بيان حزب السيادة، والجبهة التركمانية العراقية)، ما دفعهم لتشكيك في هذه خطوة وربطها بالتعداد، ووقوف أعضاء من مجلس محافظة كركوك عن الاتحاد الوطني الكردستاني في سيطرات محافظة كركوك وترحيبهم بالقادمين، ما دفع (الجبهة التركمانية العراقية) و(التحالف العربي في كركوك) و(تحالف السيادة) و(منظمة بدر فرع الشمال) حتى الجهات المتحالفة مع الاتحاد الوطني الكوردستاني مثل (الجبهة العربية الموحدة) برئاسة النائب (وصفي العاصي) الى اصدار بيانات يندد بقدوم العوائل الكردية الى كركوك.
اثار محتملة لتعداد العام للسكان والمساكن في كركوك.
- اثار السياسية: على الرغم من قرار المحكمة الاتحادية بعدم وجود علاقة لهذا تعداد بالإحصاء المقرر في المادة 140 من الدستور العراقي، الا ان الأثر السياسي لا يقتصر بالمادة 140 والعلاقة بين الحكومتين الاتحادية والاقليم، وانما له ارتباط بالتمثيل السياسي لمحافظة كركوك في مجلس النواب ومجلس المحافظة، إذ أن التعداد السكاني يعد احد الأسس المهمة لتمثيل السياسي وحصص التمثيل في المؤسسات الحكومية، ووفقاً لمادة 49 من دستور العراقي لعام 2005 على ان مجلس النواب يتكون من نائب لكل 100 الف نسمة، وبحسب تصريح محافظ كركوك (ريبوار طه) فان عدد سكان كركوك من المتوقع ان يصبح مليون 900 الف نسمة، ما يعني تمثيل محافظة كركوك ب (19) نائب وهو ما يزيد بهذا حالة عدد نواب الكرد، مما يهمش الاخرين بطبيعة الحال، وهذا ما اعترض عليه بعض الجهات السياسية في كركوك ودعا بعدم الاعتراف مطلقا ًبسجل الناخبين في كركوك. كما تطرق رئيس الجبهة التركمانية العراقية (حسن توران) في اللقاء مع فضائية (تركمن ايلي) الى مسالة سجل الناخبين في كركوك بالإشارة الى كتاب في وقت المحافظ السابق بالوكالة (راكان سعيد الجبوري) موجه الى وزارة التجارة بخصوص تبيان عدد ممن لديهم بطاقات التموينية في كركوك الا انهم ليسوا من نفوس كركوك، وتبين ان عددهم وحسب كتاب وزارة التجارة 260 الف مواطن والذين يحق لهم التصويت في الانتخابات في محافظة كركوك، والسؤال الذي طرحه هو هل تم ارسال هؤلاء المواطنين من الإقليم لغرض تعديل وضعهم القانوني في كركوك، وتسجيلهم على نفوس كركوك فيما بعد، باعتبار انه سجل اسمه في التعداد في محافظة كركوك، ما يغدي المخاوف بخصوص سجل الناخبين في كركوك هو تصريحات الجهات الكردية منها (فهمي برهان) رئيس هيئة المناطق الكردستانية خارج إقليم كوردستان من ان أي شخص سجل في مدينة كركوك فهو كركوكي وفقاً للقانون والدستور وجميع الأسس التي تشكلت عليها الدولة العراقية الجديدة ([4]).
- الاثار الاجتماعية: يُعتبر نتائج التعداد احدى الأمور المهمة للتنمية الحكومية، وحصة المحافظات من الموازنات العامة، وهو ينعكس بالفائدة على المناطق ذات كثافة سكانية بشكل اكبر، ولهذا فان أي تحريف في المعلومات يودي الى تزايد الفجوات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين الاحياء السكنية.
ماذا يجب فعله.
- على مدى قريب ما يجب فعله هو تدقيق النتائج الخاصة لمحافظة كركوك قبل نشره وباليات تسمح بمشاركة جميع مكونات كركوك واطمئنانهم من النتائج، وعدم حصر التدقيق بين الحكومتين الاتحادية والاقليم، ولاسيما بعد ما تداوله وسائل الاعلام حالات من تسجيل حوالي 90 فرد في بيت واحد، لتأكد من صحة ما هو متداول، وبسبب تميز محافظة كركوك بخليط اجتماعي متميز من العرب والكرد والتركمان والمسيح السنة والشيعة، وبتنوع الجهات السياسية، يؤدي اتباع سياسات فرض قوة الى تناحر بين مكوناتها مستقبلاً، اذ لا يمكن في الوقت المعاصر إخفاء مضمون أي ظاهرة مهما مر علية من الزمن من الأجيال القادمة، ولعل التعدادات السكانية الذي جرى ما بعد 1957 خير دليل على ذلك اذ لم يُعترف لاي منها لأنه كان ملغم بنوايا سياسية لجهات المسيطرة.
- تدقيق سجل ناخبين في كركوك ولاسيما ان قرار المحكمة الاتحادية المرقم (16/اتحادية/2024) الزم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بتدقيق سجل الناخبين في كركوك.
- اعتماد سياسات توافقية في إدارة محافظة كركوك سواء داخل المحافظة او فيما يتعلق بها في بغداد.
- على مدى المتوسط جعل كركوك منطقة إدارية خاصة وفقاُ للقانون واتباع سياسات لحين تواصل الى توافقات بين الجهات السياسية بخصوصها.
-
[1]([1]) محافظ كركوك يوجّه بإيقاف عمل المراقبين ضمن فرق…| رووداو.نيت
https://www.rudawarabia.net/arabic/middleeast/iraq/181120242
([2]) https://www.facebook.com/share/v/15CDdHWJpK/
([3]) سيروان محمد: التعداد السكاني لن يؤثر على الوضع القانوني للمواطنين
| www.kurdistan24.net/ar/story/811263
([4]) فهمي برهان: أي شخص سجل في كركوك فهو كركوكي حسب…| رووداو.نيت
https://www.rudawarabia.net/arabic/middleeast/iraq/211120247