back to top
المزيد

    واحة البيان

    معادلة الردع: إسرائيل والفصائل العراقية بين التصعيد والاحتواء

    محمد الربيعي/ أكاديمي وباحث في الشأن السياسي

    تشهد المنطقة الشرق أوسطية حالة من التوتر المستمر والتشابك الأمني، حيث تتداخل مصالح القوى الإقليمية والدولية. في قلب هذا المشهد المعقد، يأتي العراق كلاعب محوري، ليس فقط بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي، بل أيضًا بسبب احتضانه لفصائل مسلحة تمتلك نفوذًا واسعًا وارتباطات إقليمية، لا سيما مع إيران. هذه الفصائل تشكل نقطة توتر محتملة مع إسرائيل، التي تراقب تحركاتها عن كثب في ظل ما تعتبره تهديدًا لأمنها القومي.

    السياق الإقليمي والدولي

    لطالما كان العراق ساحة صراع بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية. منذ عام 2003، ومع سقوط نظام صدام حسين، برزت الفصائل المسلحة المدعومة من إيران كقوة فاعلة على الأرض، سواء من خلال انخراطها في العملية السياسية أو عبر أنشطتها العسكرية. هذه الفصائل، لا تخفي عداءها لإسرائيل وتتبنى خطابًا داعمًا للمقاومة الفلسطينية، مع ارتباطها. الوثيق بالمشروع الإيراني في المنطقة

    في المقابل، تعتبر إسرائيل النفوذ الإيراني المتزايد في العراق تهديدًا مباشرًا لها، خصوصًا مع استخدام الأراضي العراقية كمنصة لإرسال أسلحة وصواريخ إلى سوريا ولبنان. وتأتي الضربات الجوية الإسرائيلية، التي تستهدف أحيانًا مخازن أسلحة وقوافل في سوريا، ضمن استراتيجية أوسع لقطع هذا الطريق اللوجستي.

    التوتر بين الطرفين: جذور ومسببات

    رغم أن إسرائيل لم تعلن رسميًا مسؤوليتها عن أي ضربات في العراق، إلا أن هناك تقارير عديدة تشير إلى استهداف مواقع تابعة للحشد الشعبي ومخازن أسلحة في السنوات الأخيرة. هذه العمليات، إن صحت، تعكس استراتيجية إسرائيلية تقوم على مبدأ الضربات الوقائية.

    من ناحية أخرى، تسعى الفصائل العراقية إلى تعزيز مكانتها الإقليمية من خلال الرد على أي اعتداء إسرائيلي. لكنها تدرك أن التصعيد قد يجلب ردود فعل قاسية من إسرائيل وحلفائها، خاصة الولايات المتحدة، التي لا تزال لها قواعد ونفوذ في العراق.

    معادلة الردع: التوازن الهش

    معادلة الردع بين إسرائيل والفصائل العراقية تعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية:

    • قدرة الفصائل على الرد:

     تمتلك الفصائل العراقية أسلحة متطورة، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى. لكن استخدامها ضد أهداف إسرائيلية قد يستجلب ردًا عسكريًا إسرائيليًا قويًا، وربما يدفع الولايات المتحدة للتدخل.

    • التنسيق الإيراني-العراقي:

     تعد إيران اللاعب الأساسي في هذه المعادلة. أي تصعيد من الفصائل العراقية سيكون بالتنسيق مع طهران، التي تحسب خطواتها بدقة، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية عليها.

    • الحسابات الإسرائيلية:

     إسرائيل توازن بين ضرباتها الاستباقية والحرص على تجنب استثارة رد فعل كبير قد يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع ليشمل العراق بشكل مباشر.

    خيارات التصعيد والاحتواء

                    التصعيد المحتمل•

    إذا استمرت الفصائل العراقية في تطوير قدراتها الصاروخية أو حاولت تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية أو مصالح حلفائها في المنطقة، فقد نشهد تصعيدًا مباشرًا. السيناريو الأخطر هو أن تقوم الفصائل بإطلاق صواريخ على إسرائيل ردًا على هجمات ضد مواقعها، ما قد يؤدي إلى مواجهات أوسع.

                    الاحتواء•

    على الرغم من المخاطر، يبدو أن الطرفين يسعيان لتجنب المواجهة المباشرة. الفصائل العراقية تدرك أن التصعيد قد يهدد نفوذها الداخلي، بينما تفضل إسرائيل توجيه ضربات محدودة ومركزة لتقويض التهديدات دون الانجرار إلى حرب شاملة.

    الدور الأمريكي والموقف العراقي

    يلعب الوجود الأمريكي في العراق دورًا محوريًا في ضبط إيقاع العلاقة المتوترة بين إسرائيل والفصائل. الولايات المتحدة، التي تعتبر إسرائيل حليفًا استراتيجيًا، تضغط لتقليص النفوذ الإيراني في العراق، لكنها في الوقت نفسه تدرك حساسية الوضع العراقي الداخلي.

    على الجانب العراقي، تحاول الحكومة العراقية تجنب التورط في الصراع بين إسرائيل والفصائل. لكنها تواجه تحديات كبيرة في ضبط الفصائل المسلحة التي تتمتع باستقلالية كبيرة، مما يجعل موقف بغداد ضعيفًا في احتواء أي تصعيد محتمل.

    مستقبل العلاقة: بين التهدئة والانفجار

    معادلة الردع بين إسرائيل والفصائل العراقية تبدو مرشحة للبقاء في حالة من التوازن الهش. التوترات مستمرة، لكن الطرفين يدركان أن الانزلاق إلى مواجهة شاملة لن يكون في صالحهما.

    في الوقت نفسه، تبقى إمكانية التصعيد قائمة في ظل التغيرات الإقليمية، مثل زيادة الضغوط على إيران، أو تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، مما قد يدفع الفصائل العراقية للتحرك.

    خاتمة

    الصراع بين إسرائيل والفصائل العراقية يعكس تعقيدات المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط. معادلة الردع الحالية تقوم على مزيج من التصعيد المحدود ومحاولات الاحتواء، لكن هذا التوازن الهش قد ينهار في أي لحظة إذا تغيرت الظروف الإقليمية أو الحسابات الاستراتيجية لأي طرف.

    في ظل هذه المعادلة، يبقى التساؤل مطروحًا: هل ستظل الفصائل العراقية وإسرائيل تكتفيان بالتصعيد الكلامي والمواجهات غير المباشرة، أم أن المنطقة قد تشهد تطورات قد تعيد رسم خريطة التوترات في الشرق الأوسط.

    اقرأ ايضاً