back to top
المزيد

    واحة البيان

    دوافع دولية خفية وراء الصراع في سوريا

    حسيني الاطرقجي

    انطلقت عمليات “ردع العدوان” في 27 من تشرين الماضي في الشمال السوري تحديدا من محافظتي ادلب وحلب، ضد الجيش السوري وقوات الحلفاء، الذي كان يقصف تجمعات الجماعات المسلحة على الحدود السورية التركية كرد فعل استباقي على انطلاق العمليات المرتقبة التي تنوي الجماعات المسلحة المعارضة الشروع بها، لذلك سُميت العمليات العسكرية بهذا الاسم لتصويرها على انها رد فعل مشروع على الهجمات المدفعية للنظام، وهذه العمليات ـ ردع العدوان ـ اثارت تساؤلات كثيرة منذ الساعات الأولى لانطلاقها، ومن أهمها تركيز مهندسو العمليات العسكرية على الاطار العام لها على انها انتفاضة او ثورة مسلحة قامت بها فصائل المعارضة السورية.

    في الواقع، انقسمت هذه العمليات على قسمين، القسم الأول والاوضح كان عمليات “الفتح المبين” البرية لهيأة تحرير الشام “جبهة النصرة” سابقا تجاه الريف الشرقي والجنوبي لمحافظة ادلب امتدادا عبر الريف الغربي والجنوبي لمحافظة حلب حتى مركز المحافظة، وفي الحديث عن هيأة تحرير الشام وعملياتها تدور الشبهات حول البصمات الامريكية والاوكرانية في الاعداد والتدريب والتجهيز خاصة بعد اتهام النظام السوري لها بوقوف جهات دولية خلفها، واتهام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بضلوع كل من أمريكا وإسرائيل مباشرة بإدارة هذه العمليات فضلا عن الاتهامات الروسية لأوكرانيا بتدريب هذه المجاميع المسلحة للمعارضة لخلق ساحة ضغط على المحور الروسي، بعد هذه العمليات مباشرة انطلقت عمليات “فجر الحرية” من شمال حلب تجاه جغرافية نفوذ الجناح العسكري لأكراد سوريا المعروف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” خاصة في مدينة “تل رفعت” شمال شرق حلب اذ تم الاطباق على الكرد وارغامهم على الرحيل منها الى “منبج” ومن ثم الى “كوباني اوعين العرب”.

     تشير التقديرات، الى ان الهدف الأكبر من عمليات “ردع العدوان” بجناحها الرئيس المتمثل بعملية “الفتح المبين” تهدف الى التقدم في قضم الأرض بعد حلب وحماة وصولا الى حمص، التي تشكل مسارا جغرافيا موازيا لمدينة القصير الحدودية مع لبنان، من اجل تحويطها والاطباق عليها عسكريا، والغاية من هذه العملية بالذات هو تحويط وعزل منطقة الحدود التي تستخدمها ايران لأرسال الامدادات البشرية واللوجستية الى لبنان عبر سلسة ممرات وانفاق وصولا الى مناطق نفوذ حزب الله، بالتالي تؤدي الى شل قدرات الإغاثة والتموين لمقاتلي الحزب، ما يؤدي الى اضعافهم وشل قدراتهم القتالية واللوجستية، التي تسمى في العلوم العسكرية تعرية العدو، بينما تهدف عملية فجر الحرية لما يعرف ” الجيش الوطني السوري” الجيش الحر سابقا والمدعوم تركياً الى افراغ مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية شمال حلب وارجاعهم الى محافظات الرقة والحسكة ودير الزور غير المتاخمة للحدود التركية، لتعلق الامر بمخاوف الامن القومي التركي من وجود اكراد سوريا  بمحاذاة اكراد تركيا، خوفا من اعلان الكرد منطقة حكم ذاتي على غرار اقليم كردستان العراق، نتيجة لاعتقاد الاتراك بتأسيس دولة كردية بمحاذاة شريطهم الحدودي.

    يمر الخط الاستراتيجي لما يعرف بالهلال الشيعي من الحدود العراقية السورية (القائم ـ ال بوكمال) عبر المُدن السورية: الميادين، دير الزور، تدمر وصولا للعاصمة دمشق، وهذا هو الطريق البري الوحيد نتيجة لغلق باقي المعابر تجاه الحسكة السورية لتواجد قوات سوريا الديمقراطية والقواعد الامريكية منها “قاعدة الشدادي” قرب الحدود العراقية، وعبر هذا الطريق قصف طيران مجهول يرجح انه إسرائيليا رتلا كان قادما من الحدود في مدينة تدمر، لقطع خطوط الامداد مع دمشق.. المثير في الامر ان قوات سوريا الديمقراطية والتي تُعد حليفة للنظام وبدلا من الاشتباك مع الجماعات المسلحة “الجيش الوطني السوري” قد حولت بوصلة الاشتباك تجاه النظام في مناطق عدة من مدينة دير الزور، هذه المدينة التي تمثل محطة وعقدة استراتيجية في الطريق الرابط ما بين الحدود العراقية السورية ودمشق، اذ ان استمرار هذه الاشتباكات تضعف قدرة الجيش السوري وتوسيع جغرافيا نطاق الاشتباك وتشتت السيطرة والقيادة السورية على إدارة دفة المعارك، بالمحصلة فان قطع هذا الطريق هو بمثابة قطع الشريان الإيراني السوري.

    ذات السياق، أطلقت منصات إعلامية تركية على وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاك (حلب 82) في إشارة الى ان حلب أصبحت الولاية رقم82 لتركيا، اذا ان تركيا تشتمل على 81 ولاية إدارية، واحد ابعاد هذه الإشارة هدفت الى ان حلب أصبحت جزءًا من الجسد التركي وانها ليست محل تفاوض في قادم الأيام، ولعل اهم ترجمة لهذا التكتيك قد يكون ارجاع اللاجئين السوريين الى حلب، خاصة اللاجئين المطلوبين من قبل النظام السوري وفرض معادلة الامر الواقع على السياسة والجغرافية السورية..

    ما يُثير القلق أكثر هو ان الامن القومي التركي يحمل في طياته حلم (الموصل ـ حلب) وهو استراتيجية تعمل تركيا الطموحة على تفعيلها من خلال ضم هاتين المحافظتين الى الخارطة التركية تحت حلم الدولة العثمانية الحديثة او كما تطلق عليها “استرداد الحقوق”، ليكون التساؤل الاقسى هو: ما هو التوقيت وما هي الذريعة لتحقيق حلم استعادة الموصل لتكون الولاية 83 تركياً.

    بالتالي: ما زال الوقت مبكرا للتنبؤ سياسيا وعسكريا بمالات الصراع في سوريا، فحتى الان لم يُنفذ الكيان المحتل تهديده بالتوغل بريا عبر الجولان نحو دمشق، وحتى اللحظة ما زالت محافظات الجنوب السوري (درعا، القنيطرة والسويداء) ساكنة من التمردات او الانتفاضات، التي قد تكون الصفحة التالية بعد عمليات “ردع العدوان” خاصة ان درعا ذات السمة البدوية المتشددة هي بؤرة التوتر الأولى التي انطلقت منها شرارة احداث عام 2011، وهل يتمدد الزحف الكردي لقوات سوريا الديمقراطية جنوب الحسكة والشدادي يوازيه فرض قوات التحالف الدولي في “التنف” جنوب شرق سوريا منطقة محضورة تلتقي مع الكرد في منفذ (القائم ـ ال بو كمال)، وهل تستأنف قوات قسد صداماتها مع الجيش السوري في دير الزور حتى تتمكن من قطع الطريق صوب دمشق؟ غير ذلك أسئلة كثيرة تتعلق بالتواجد الروسي والإيراني واوراق الضغط التي سيطرحونها، ام ان هناك معادلة صفرية قد يخسر بها الجميع او لا يربح بها أحد.

    اقرأ ايضاً