في ظل التطورات الدولية المتلاحقة التي تؤثر على موقع القوى في النظام الدولي وكذلك المحاور الإقليمية والدولية الراهنة، أعلن العديد من المنظرين أن مفهوم القوة وأدواتها تغير، فالدول لم تعد تقاس بالمعايير التقليدية كما كان في الماضي. بل يتم دراسة معايير جديدة کموقع الدول وخصائصها الجيوسياسية فيما يتعلق بخريطة التجارة العالمية والممرات اللوجستية، وخاصة الممرات التي تحول الحركة الاقتصادية العالمية والتجارة البحرية.
ومع الأزمات الدولية المتكررة في السنوات الأخيرة، وفي إطار البحث عن بدائل جديدة لطرق وممرات العبور التجارية، أدركت دول العالم أن إنشاء ممرات تنموية فكرة قيمة وجديرة بالاهتمام في تسهيل حركة التجارة ونقل وتبادل البضائع وتوفير الوقت والمال، وتعزيز المكانة الدولية والاقتصادية. وقد حظيت مشاريع تحويل الحدود إلى ممرات تصل بين الدول والقارات اهتماماً مؤخراً، إذ أنها تمثل تحولاً مهماً في التعاون الإقليمي، حيث تسهم في تعزيز التواصل والتجارة بين الدول والقارات المختلفة، وتهدف إلى إنشاء ممرات فعّالة من حيث التكلفة لنقل البضائع وتسهيل حركة الأشخاص والاستثمارات عبر الحدود، فضلاً عن أهميتها في إنشاء شبكات اقتصادية متكاملة في مختلف المناطق الإقليمية، وتفتح أبواباً جديدة لفرص الاستثمار والتجارة الدولية. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تعزز الاستقرار السياسي من خلال تعزيز الارتباطات الاقتصادية بين الدول وتعزيز التفاهم والتعاون المشترك.
وفي غضون ذلك، استضافت العاصمة العراقية بغداد، في أيار/ مايو 2023، مؤتمراً إقليمياً وقد خُصص المؤتمر بشكل أساسي لطرح خطة الحكومة العراقية لإنشاء طريق التنمية، وهو مشروع استراتيجي ضخم يهدف إلى جعل العراق ممراً لانتقال البضائع والسلع بين آسيا وأوروبا. ومن ناحية أخرى، وقّعت الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والهند وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، على هامش قمة العشرين التي عقدت في نيودلهي في أيلول/ سبتمبر 2023، مذكرة تفاهم لإنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، ويشمل الممر بناء خطوط للسكك الحديدية وأنابيب لنقل الطاقة، وكابلات لنقل البيانات. ولكل من هذين الممرين المهمين أهداف ودوافع محددة متشابهة ومتعاكسة في نفس الوقت. ولذلك فإن الهدف الأساسي لهذه الورقة البحثية هو الإجابة على هذين السؤالين: ما هي التحديات التي تواجه الممر الاقتصادي وطريق التنمية؟ وما هي آثار وعواقب تفعيل الممر الاقتصادي على طريق التنمية؟