م.م / اخلاص حسين علوان
يشكل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان محطة مفصلية في العلاقات بين الطرفين، حيث يتضمن التزام إسرائيل بعدم شن أي هجمات على الأراضي اللبنانية، سواء برية أو جوية، في مقابل تعهد حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى في لبنان بعدم تنفيذ أي عمليات هجومية ضد إسرائيل. وعلى الرغم من كون الاتفاق يمثل خطوة مهمة من حيث التخفيف المؤقت للتوترات، إلا أن الاتفاق يظل هشاً في جوهره لعدة أسباب. فهو لا يعالج القضايا الأساسية التي أدت إلى الصراع بين الأطراف، مثل الحدود والسيادة، مما يجعله بمثابة فرصة مؤقتة لإعادة ترتيب الأوضاع العسكرية والسياسية لكلا الجانبين.
من ناحية اخرى فاستراتيجياً، يعد الاتفاق تكتيكاً لكلا الطرفين، إذ يمنح إسرائيل فرصة لتفادي تصعيد الموقف. بالنسبة لإسرائيل، يمكن اعتبار الاتفاق بمثابة فرصة لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية، حيث يخفف الضغط على قواتها المنتشرة في غزة والضفة الغربية، فضلاً عن مواجهة التحديات التي تمثلها الأزمات الداخلية والاحتجاجات الشعبية التي قد تمثل تهديداً للقيادة السياسية الإسرائيلية. كما يوفر الاتفاق لإسرائيل فرصة لتوجيه الموارد العسكرية في سياق صراعات أخرى في المنطقة، لاسيما في مواجهة التحديات من الجنوب مع فلسطين.
على الصعيد اللبناني، يعتبر الاتفاق فرصة لتوفير نوع من الاستقرار النسبي الذي يساهم في تخفيف معاناة السكان اللبنانيين الذين يواجهون أزمة اقتصادية وإنسانية طاحنة؛ ويمنح لبنان وحزب الله فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم صفوفهم. كما يعكس هذا الاتفاق الضغوط الدولية والإقليمية التي كانت تطالب بضرورة التخفيف من حدة الصراع لتجنب الانزلاق في حرب إقليمية شاملة في هذا السياق، يسمح الاتفاق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى لبنان، مما يعزز جهود التعافي بعد سنوات من الأزمات المستمرة. مع ذلك، يبقى الدور الأممي في هذا الاتفاق محدوداً، بالنظر إلى أن الأمم المتحدة لا تتعامل مع حزب الله كطرف رسمي، مما يقتصر دورها على مراقبة خروقات الاتفاق وتبادل الرسائل بين الأطراف. هذه القيود على دور الأمم المتحدة تجعل من الصعب ضمان استدامة الاتفاق على المدى الطويل.
ان هذا الاتفاق يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول طبيعته وأهدافه: هل هو طوق نجاة للطرفين لتجنب الانزلاق نحو مأزق أكبر؟ أم أنه يعكس انتصاراً تاريخياً للبنان بفضل توازنات قوى جديدة؟
من جهة، يمكن النظر إلى الاتفاق كإجراء اضطراري فرضته الضغوط الداخلية والإقليمية. فإسرائيل تواجه تحديات متصاعدة على جبهات متعددة، أبرزها الاستنزاف الأمني والمخاطر الجيوسياسية، إلى جانب انتقادات داخلية قد تقوّض استقرار حكومتها. في المقابل، تعيش لبنان تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية خانقة، مما يجعل أي تصعيد عسكري بمثابة كارثة إضافية يصعب تحملها.
من جهة اخرى، يرى بعض المحللين أن الاتفاق يمثل نجاحاً لبنانياً رمزياً، إذ استطاع تثبيت معادلة الردع والمقاومة، مجبراً إسرائيل على القبول بوقف إطلاق النار. هذه القراءة تدفع نحو اعتبار الاتفاق محطة مهمة تُظهر قدرة لبنان، رغم أزماته، على فرض شروطه في سياق صراع طويل الأمد.