د. ثائر رشيد، كلية الإدارة والاقتصاد – جامعة بغداد
تتجه أنظار العالم اليوم نحو رئيس الولايات المتحدة الجديد، التي تمتلك مقومات القوة الشاملة، ومنها أكبر اقتصاد في العالم وهيمنة أحادية نقدية عالمية من خلال الدولار الأمريكي، الذي تبلغ تعاملاته اليومية في الأنشطة الاقتصادية العالمية حوالي 7.5 تريليون دولار، وهو ما يعادل 88% من التعاملات اليومية العالمية للأنشطة الاقتصادية مقارنة بالعملات الأخرى. هذه المكانة المالية والاقتصادية مكنت الدولار والاقتصاد الأمريكي بشكل عام من أن يكونا أحد أدوات السياسة الخارجية الأمريكية ذات الفاعلية الكبيرة.
يشير المنظور التاريخي إلى أن أمريكا تحاول تجديد نفسها عبر الحفاظ على موقعها كقطب رئيسي ذي هيمنة عسكرية وتفرد اقتصادي في توجيه النظام العالمي من خلال المؤسسات المالية والدولية، والتي تسعى إلى إبقائها تحت سيطرتها وضبط إيقاعها، خاصة في الجانب الاقتصادي، ليظل الدولار على رأس العملات. فمن خلاله يتم التحكم بأسعار الفائدة والتأثير العالمي على الاقتصاد. يشكل الدولار نحو 60% من الاحتياطات النقدية العالمية التي تحتفظ بها البنوك المركزية حول العالم، كما أن الاقتصاد الأمريكي يشكل 25% من حجم الاقتصاد العالمي لأكثر من 200 دولة. وعلى الرغم من وجود مساعٍ من بعض الدول مثل الصين وروسيا للحد من الاعتماد على الدولار وتعزيز استخدام عملات بديلة مثل اليورو واليوان، فإن هيمنة الدولار تظل قوية في التجارة العالمية وأسواق المال، مع توقع استمرار ذلك على المدى الطويل، كونه يمثل عملة أكثر استقراراً وقبولاً مقارنة بالعملات الأخرى.
وبالنسبة إلى السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، فقد تتغير إلى حد ما بناءً على الإدارة الحاكمة وأولوياتها، وما تشهده المنطقة من تداعيات، خاصةً الأخيرة، وما يتعلق منها بالغزو العسكري الصهيوني تجاه فلسطين (غزة ولبنان) ومحاولة توسيع ذلك لضمان مكاسب مستقبلية تشمل إيران أيضاً، وهو ما يُعد من أولويات استراتيجية الكيان الصهيوني، ومن خلال مساعدة أمريكا.
من غير المحتمل أن تشهد السياسة الأمريكية تغييرات جذرية سريعة، إذ يعتمد ذلك عادة على مصالحها ومصالح حلفائها، خاصة الكيان الصهيوني، الاستراتيجية والأمنية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة. وبالتالي، حتى في حالة التحولات السياسية أو التصعيد في مواقف معينة، غالباً ما تكون السياسات متوازنة لتجنب أزمات كبيرة. ومع ذلك، قد تظهر مواقف أكثر تشدداً في بعض الملفات الحساسة مثل البرنامج النووي الإيراني، أو تعزيز العلاقات مع حلفائها التقليديين مثل الكيان الإسرائيلي أو بعض دول الخليج. ويكون هذا التشدد إما في شكل زيادة في العقوبات أو تعزيز التواجد العسكري أو رفع مستوى التنسيق الأمني والعسكري.
هناك أيضاً عامل التحالفات، حيث تلعب دول مثل روسيا والصين دوراً مهماً في موازنة السياسة الأمريكية في المنطقة. فإذا زادت الولايات المتحدة من حدة مواقفها، قد تجد نفسها في مواجهة تأثير هذه القوى، مما يجعل القرار أكثر تعقيداً. ومن الممكن أن يشهد العالم انفراجاً وتقارباً مع الموقف الروسي والصيني، مما يساهم في إبقاء الفجوة بينها وبين هذه الدول.
بناءً عليه، سيؤدي فوز ترامب إلى رد فعل دولي تجاه عودته. ستسعى الدول، وبخاصة دول الشرق الأوسط، إلى اتباع حزمة جديدة من السياسات التي تدعم مصالحها وعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. ويمكن تقسيم ردود الفعل المحتملة إلى معسكرات: الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، والدول المنافسة، والجهات المحايدة أو غير المنحازة.
لقراءة المزيد اضغط هنا