د. طارق عبد الحافظ الزبيدي/ كلية العلوم السياسية/جامعة بغداد
لا يمكن نكران أهمية الإحصاء السكاني، لذلك يمكن القول إنه الفريضة الغائبة في العراق. فهو بمثابة بوصلة عمل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، إذ في حال غيابه يتم اللجوء إلى التخمين والتوقع لما هو موجود أو ما قد يحتاجه المستقبل. ولا يخفى على المتابع أن للإحصاء السكاني أبعاداً مختلفة تشمل الجوانب الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والصحية وغيرها، فضلاً عن الأبعاد السياسية، التي تمثل جوهر الورقة البحثية التي تهدف إلى التعرف على الأبعاد السياسية للإحصاء، وإمكانية أن يكون الإحصاء الذي تعمل الحكومة على إجرائه في 20/11/2024 ذا فائدة سياسية تساهم في حل عدد من المشاكل العالقة منذ التغيير السياسي عام 2003.
لذلك، يمكن أن يوصف الإحصاء السكاني أنه الصندوق الأسود للدول من خلاله يمكن التعرف على جميع المفاصل الموجودة فضلاً عن معرفة الاحتياجات التي يفترض إيجادها، لذلك يجب أن تكون استمارات الإحصاء دقيقة جداً، الكلمة و الحرف فيها مهم كون له ابعاد، بمعنى آخر، فإن مخرجات العملية الإحصائية تعتمد على مدخلاتها، إن أي نقص في أي سؤال أو مدخل سوف يجعل الإجابات عنها غائبة أو مبهمة.
أنجزت الحكومات العراقية المتعاقبة ما يقارب ثمان عمليات إحصاء سكاني منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى عام 2003، وكانت تتم تقريباً كل عشر سنوات (1927-1934-1947-1957-1965-1977-1987-1997). وللأسف، باءت جميع المحاولات لإجراء الإحصاء السكاني في الأعوام 2007 و2009 و2010 وغيرها بالفشل لأسباب متعددة، منها الأمنية وأخرى لوجستية، وأبرزها الأسباب السياسية التي تعيق إجراء الإحصاء السكاني. ومع ذلك، أصبح هناك إصرار كبير من الحكومة الحالية لإجراء الإحصاء في 20/11/2024 استناداً إلى قانون هيئة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية رقم (32) لسنة 2023. والجميع يعلم أن القانون لا يدخل في تفاصيل محتوى الاستمارة، بل يتم إعداد الاستمارة من قبل الجهة المشرفة على الإحصاء. ومن أبرز النقاط الخلافية مسألة وجود أو غياب سؤال القومية والدين: هل وجودها مهم أم يفضل رفعها؟ وهل تم رفعها لأسباب سياسية أم لوجود أسباب أخرى؟
عند الرجوع إلى الإحصاءات القديمة بشكل عام، نجد أن سؤال القومية والمذهب كان معتمداً ضمن الاستمارات، حيث تم حذف السؤال المتعلق بالمذهب، مع بقاء السؤال المتعلق بالقومية حتى آخر إحصاء عام 1997. وللعلم، فإن حذف سؤال المذهب كان يهدف بشكل أساسي إلى إبعاد فكرة وجود مشكلة مذهبية في العراق، في حين استمر السؤال عن القومية بفضل صعود المد القومي العربي في العراق. وبغض النظر عن السبب، نعود إلى السؤال الجوهري: هل وجود سؤال القومية والمذهب مهم ويساهم في حل بعض المشاكل العالقة؟ بل والأكثر من ذلك، هل وجودها يُعد مطلباً دستورياً أم أنه مخالفة للدستور؟
على مستوى العقل الجمعي الشعبوي، هناك رفض معلن لأي حديث يتناول القومية والمذهب في الأوساط العامة، لكن نفس هذا العقل الشعبوي يفضل الحديث عن القومية والمذهب وحقهما في الحكم أو أحقيتهما في هذا المنصب أو ذاك. لذلك، فإن الإجابة العلمية الأكاديمية عن أهمية وجود سؤال القومية والمذهب، بالاستناد إلى الطرح الموضوعي المحايد، تختلف تماماً عن الطرح الشعبوي غير الدقيق في الوصف والمعالجة. ذلك أن الحديث عن سرديات تاريخية وديموغرافية يختلف عن الحديث عن أرقام ونسب دقيقة.
تتضح الإجابة على أهمية وجود الأسئلة أو عدمها من خلال عرض الأهمية الدستورية والسياسية للإحصاء بالنسبة للقومية والمذهب.