د. حيدر داود سلمان / أستاذ القانون التجاري في كلية القانون والعلوم السياسية – الجامعة العراقية
تعد البيئة التجارية مهد القانون التجاري الذي وُجد في كنفها وتطور واتسع مع مرور الوقت تبعاً لتطور واتساع هذه البيئة. فالتجارة من الناحية الاقتصادية تعد أحد أعمدة علم الاقتصاد الثلاثة: الإنتاج، والتبادل، والاستهلاك. فالتبادل يعبر بشكل صريح عن المفهوم الاقتصادي للتجارة، وقوامه تبادل السلع والخدمات بين أفراد المجتمع. وبهذا المفهوم، فإن التجارة لا تشمل كل أوجه النشاطات الاقتصادية، بل ينصرف معناها إلى نطاق ضيق منها. وبذلك يتضح اقتراب المعنى اللغوي من المعنى الاقتصادي لمفهوم التجارة، واللذين يعبران عن معنى محدد لها يتمثل في التداول أو التبادل للأموال بالبيع أو الشراء.
لذا كان لزاماً على الباحثين والمختصين في المجال القانوني بسط الدراسات القانونية على الجانب الاقتصادي، بل ويجب أن تكون تلك الدراسات مواكبة لأي تطور اقتصادي إذا ما أريد لأي بلد أن يحقق التطور والازدهار.
ومن بين الأنظمة التي اكتشفها رواد الاقتصاد حديثاً هو ما يُسمى بـ (الشركات الناشئة)، المختلف في نشأتها وماهيتها ومدى تمايزها عن الشركات التقليدية المعروفة في قوانين الشركات.
وتبرز أهمية دراسة هذه الشركات بصورة معمقة مستقبلاً في أنها تدفع بعجلة الاقتصاد الوطني الخاص إلى الامام، وتشجيع صغار المستثمرين على الابتعاد عن نمطية التفكير لدى الشباب من القطاع العام إلى القطاع الخاص، إذ تستفيد المؤسسات الناشئة الحاصلة على شهادة التأسيس بالنسبة لبعض القوانين التجارية الإقليمية، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة- من امتيازات مهمّة تتضمّن عدداً من الإعفاءات، منها الإعفاء الكلي من الرسم على الأنشطة المهنية، الإعفاء الكلي من الضريبة على أرباح الشركات، والإعفاء الكلي من الرسم على القيمة المضافة في حالة اقتناء معدّات لها علاقة مباشرة بتنفيذ المشاريع الاستثمارية المتعلقة بالنشاط الممارس، والخضوع إلى %5 فقط من الرسوم الجمركية في حالة اقتناء معدات لها علاقة مباشرة بتنفيذ المشاريع الاستثمارية المتعلقة بالنشاط الممارس.
وفقاً إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن الشركات الناشئة في العراق تواجه تحديات مرتبطة بالقوانين واللوائح المتعلقة بتسجيل الأعمال، إذ تجد الشركات أن التحول إلى العمل الرسمي أمر مرهق ويستغرق وقتاً طويلاً. وتشير الإحصاءات إلى أن 39.1% من الشركات الصغيرة والمتوسطة تفتقر إلى المعلومات حول عمليات التسجيل، في حين أن 9.9% الأخرى لديها مخاوف بشأن متطلبات الإبلاغ والتقارير التي قد تنجم عن التسجيل. ولذلك، ترتفع عدد المشروعات الصغرى والصغيرة والمتوسطة غير المسجلة والتي لا تملك الحوافز للمشاركة في الاقتصاد الرسمي.
ومن هذا المنطلق، سنحاول أن نبين بموجب ورقة بحثية قانونية اقتصادية مقارنة موجزة ماهية هذه الشركات وتمييزها القانوني من بين الشركات الأخرى وبيان موقف المشرع العراقي منها، من خلال تقسيم هذه الدراسة إلى مطالب ثلاثة، نخصص المطلب الأول لبيان مفهوم الشركات الناشئة ومميزاتها، ونخصص المطلب الثاني لبيان الطبيعة القانونية للشركات الناشئة وآليات تأسيسها.