د. علي عبد الرحيم العبوديّ / باحث في شؤون الاقتصاد السياسي
وجه الرئيس الإيراني الجديد (مسعود بزشكيان) خلال أول زيارة له للعراق نداء إلى الدول الإسلامية لإقامة وحدة أو اتحاد إسلامي على خطى الاتحاد الأوروبي، وبالرغم من كون اصل الفكرة ليست جديدة على العالم العربي والإسلامي، لكن إن إعادة طرح مثل هكذا مشروع في الوقت الراهن يُعد أمراً مثيراً وذكيا بالوقت نفسه؛ نظراً لما يشهده العالم الإسلامي الآن من مؤامرات كثيرة عصفت به وشتت مواقفه اتجاه قضايا الأمة، بل وأكثر القضايا حساسية واتفاق، ألا وهي قضية المسجد الأقصى وفلسطين المحتلة، لذا يُعد طرح مشروع تأسيس اتحاد موحد يضم الدول الإسلامية من الأمور الممتازة في الوقت الحاضر، لكن يتساءلون ونتساءل عن درجة و واقعية إقامة مثل هكذا اتحاد على ارض الواقع ؟ .
إن دعوة الرئيس الإيراني لإقامة اتحاد للدول الإسلامية على خطى الاتحاد الأوروبي ليست جديدة على الطرح الإيراني، إذ يُعد قائد الثورة الإيرانية السيد (روح الله الخميني) من أوائل دعاة إقامة وحدة أو اتحاد للدول الإسلامية في التاريخ المعاصر ، إن المقصود بالوحدة والاتحاد هنا ليس الوحدة الفقهية، بل الوحدة السياسية، إذ أن عملية الوحدة تستهدف إقامة اتحاد سياسي وأمني، بل واقتصادي للدول ذات الاغلبية الإسلامية، والحفاظ على الخصوصية الفقهية والمذهبية للدول الإسلامية كافة، من هنا جاء طرح إقامة اتحاد دولي للدول الإسلامية على خطى الاتحاد الأوروبي .
والحقيقة يُعد طرح مثل هكذا مشروع في الوقت الراهن، التفاته مهمة وتوقيت ذكي؛ حيث يشهد العالم الإسلامي الآن نوع من التعبئة والتكاتف الشعبي مصدره الجرائم الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق أخوتهم الفلسطينيين منذُّ السابع من أكتوبر عام 2023، هذا من جهة، ومن جهة ثانية تكاد الظروف تتشابه جدا مع تلك التي ساهمت في تأسيس منظمة التعاون الإسلامي عام 1969، حيث تأسست منظمة التعاون الإسلامي كردة فعل على إحراق جزء من المسجد الأقصى في 1 آب/عام 1969، وبالرغم من تشابه الظروف إلا أن اتجاهات الدول الإسلامية الآن قد تختلف بعض الشيء .
إن هذا الاختلاف في الاتجاهات يُعد التحدي الابرز لإقامة اتحاد للدول الإسلامي على خطى الاتحاد المسيحي والكومنولثي، فبالرغم من المقومات الكثيرة التي يمتلكها العالم الإسلامي لإقامة مثل هكذا اتحاد، فإن عملية إقامة اتحاد بين الدول الإسلامية يواجه الكثير من التحديات ايضا، فعلى مستوى المقومات، يشكل العالم الإسلامي نحو (1.9) مليار نسبة، أي ما نسبة نحو (24%) من سكان العالم الإجمالي، أما من الناحية الاقتصادية فتتركز نحو (50%) من الموارد الاقتصادية حول العالم، خاصة مورد النفط في الدول الإسلامية، وعلى المستوى الثقافي فتشترك الدول الإسلامية بتأريخ ثقافي وحضاري متقارب، كما يشتركون بلغة واحد، حيث نحو (80%) من الشعوب الإسلامية تتقن اللغة العربية، والأهم من ذلك كله يجتمعون تحت عباءة (لا إله إلا ألله محمد رسول الله) وشريعة واحدة .
أما التحديات التي تواجه إقامة اتحاد سياسي واقتصادي بين الدول الإسلامية، فتقع اختلاف التوجهات الايديولوجية على رأس هذه التحديات، هذا الاختلاف الذي كان طفيفا، قد عملت الدول الاستعمارية على توسيعه واستثماره في القضايا السياسية، كما تُعد الرقعة الجغرافية من التحديات التي تواجه إقامة اتحاد إسلامي، حيث تنتشر الدول الإسلامية في اربع قارات (اسيا، وافريقيا، وأمريكا الجنوبية، ودولة واحدة في أوروبا)، فضلا عن ذلك يعاني المجتمع الإسلامي من ضعف اقتصادي وتكنولوجي، فعلى مستوى الاقتصاد مازالت الدول الإسلامية لا تملك أمن غذائي وطاقوي، وتعتمد بشكل كبير على المصادر الخارجية، أما على مستوى التكنولوجيا فتُعد الدول الإسلامية سوق استهلاكية للمنتجات التكنولوجية الأوروبية-الأمريكية.
وتبعا لذلك ستبقى دعوة الرئيس الإيراني لإقامة اتحاد سياسي وأمني للدول لإسلامية على خطى الاتحاد الأوروبي مشروعا جميلاً ، ما لم يتم العمل على تذليل التحديات السالفة الذكر، هذا من جانب، ومن جانب أخرى يمكن تحقيق هذه المشروع على أرض الواقع عبر الاستفادة من تجربة تأسيس الاتحاد الأوروبي، والمقصود هنا هو البدء بالتعاون الجزئي للدول الإسلامية على المستوى الاقتصادي، من مثل، تطوير التجارة البينية بين الدول الإسلامية أو إقامة منطقة تجارية حرة أو تقسيم العمل وفق الميزة النسبية للدولة، خاصة وأن الدول الإسلامية تتمتع بمناخ ومقومات انتاجية مختلفة من دولة إلى أخرى، هذا الوضع سيتمكن من ربط الدول الإسلامية بشبكة مصالح تجارية ومالية كبيرة، ومن ثم تصبح عملية الانتقال إلى اتحاد سياسي وأمني أكثر سهولة، بل من الممكن أن يفرض الاتحاد السياسي والأمني نفسه على الدول الإسلامية كافة بحكم تشابك المصالح بين تلك الدول .