أمل برهروس / باحثة مشاركة، تابعة لمجموعة الصراع والسلام والأمن في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وعلى وجه التحديد برنامج المعهد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
إيميلي بوغانانت خفاجي / مساعدة بحثية في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
علاء الترتير / باحث أول ومدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد ستوكهولم لأبحاث السلام.
تُعد محافظة نينوى واحدة من أكثر المناطق تنوعاً عرقياً وثقافيا في العراق، فهي موطن للمجتمعات العربية والمسيحية (الآشورية والكلدانية والسريانية) والكاكائية والأكراد والشبك والتركمان والإيزيديين عندما فرض تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته على المنطقة بين عامي 2014 و2017، سعى إلى تدمير التنوع والتعددية في نينوى من خلال استهداف المجتمعات العرقية والدينية وأساليب حياتها. وفي نهاية المطاف هُزم تنظيم الدولة الإسلامية، غير أن التجربة المؤلمة لإحتلاله لسهل نينوى قوضت الى حد كبير التماسك الاجتماعي الذي كن هشاً اصلاً في المنطقة. كما أدى إلى تآكل الروابط الإجتماعية التي تجعل العيش المشترك أمر ممكن وتُفاقم التوترات وانعدام الثقة بين المجتمعات. ولأن تنظيم الدولة الإسلامية استهدف ثقافات الناس وأساليب حياتهم، فقد شعرت مجتمعات نينوى المتنوعة بالحاجة إلى الحفاظ على هوياتها وتقاليدها وتراثها الثقافي. ورغم هذا فإن هواجس التهديدات للهوية الثقافية غالباً ما ينتج عنها أيضاً عزل المجتمع وتقود إلى التفتت الاجتماعي.
نتيجة لذلك أصبح التعبير عن الهوية الثقافية أحياناً سبباً للتوتر والصراع بين المجتمعات. فضلاً عن ذلك تأثر التماسك الاجتماعي في سهل نينوى من الصراع المستمر بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان على السلطة بهدف الإستحواذ على الأراضي المتنازع عليها. سعت بغداد وأربيل الى جذب الأقليات إلى صفها وكسب ولائها. وقد أدت الولاءات المتضاربة والتفضيلات السياسية المتباينة إلى تفاقم التوترات بين الأقليات، وأحياناً حتى داخل المجموعة الواحدة نفسها. ويشكل تعدد الجهات الأمنية التابعة للحكومة العراقية أو حكومة إقليم كردستان الموجودة في المنطقة أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل المجتمعات تشعر بعدم الأمان.
إن إصلاح العلاقات بين المجتمعات وتعزيز التماسك الاجتماعي يمثلان أولوية لبناء السلام في سهل نينوى. وفي حين تؤدي النخب السياسية والاقتصادية وقادة المجتمع دوراً في بناء السلام والمصالحة، فإن استدامة هذه العمل تتوقف على مشاركة أفراد المجتمعات أنفسهم. إن التعاون الأكبر بين الناس من مجتمعات مختلفة على القضايا المشتركة من شأنه أن يبني علاقات ويخلق فهما أفضل لوجهات النظر العامة المختلفة والمواقف والثقافات والتقاليد وهذا من شأنه أن يتوسع من مستوى الأفراد ويمتد إلى المجتمع بأكمله، مما يحسن العلاقات بين المجتمعات ويساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي.
إن العديد من التوترات والمخاوف محلية بطبيعتها وتنشأ من الحياة اليومية. يمكن معالجة القضايا من خلال الحوار والتعاون بين المجتمعات، بوجود الدعم المناسب من قادة المجتمع وصناع السياسات المحليين، فضلاً عن المساعدة من الجهات الفاعلة الخارجية. تسلط ورقة السياسات الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الضوء على بعض القضايا ذات الإهتمام المشترك للمجتمعات العرقية والدينية في سهل نينوى بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وهي جزء من مشروع أوسع حول “تطوير قدرات بناء السلام المحلية في نينوى”، بهدف فهم التصورات المحلية للتعايش بين المجتمعات وتحديد المجالات التي يكون فيها الحوار والتعاون بين المجتمعات ممكن
تستند هذه الورقة في المقام الأول إلى النتائج المستخلصة من مسح أسري شمل 696 مستجيباً، ومقابلات مع 42 من افراد المجتمع وزعمائه، أجريت بين شباط ونيسان 2022. جُمعت البيانات في المناطق ذاتها
وقد نُفذ المسح في مناطق الحمدانية وتلكيف، وناحية بعشيقة في الموصل. وبالإضافة إلى السعي إلى تحقيق التوازن بين الجنسين، استُخدم أسلوب أخذ العينات الحصصي المتحكم فيه لضمان (قدر الإمكان) التمثيل النسبي للمجموعات العرقية الطائفية والتمثيل الجغرافي المتوازن طوال عملية جمع البيانات، استناداً إلى أحجام السكان المقدرة، في غياب بيانات التعداد الرسمية
وقد تم جمع البيانات من 22 حواراً مجتمعياً محلياً، ونُظمت بين حزيران وكانون الأول 2022. جمعت هذه الاجتماعات افراد المجتمع وقادته لمناقشة نتائج البحث وخلق مساحة للمشاركين من المجموعات العرقية والدينية المختلفة لمشاركة تجاربهم، وكذلك لمناقشة وتطوير حلول تعاونية محلية ملموسة لمعالجة بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقد اجرت جمعية التحرير للتنمية (TAD) الحوارات المجتمعية، ونفذ معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام وجمعية التحرير للتنمية (TAD) المشروع الأوسع بشكل مشترك.