back to top
المزيد

    التعافي الاجتماعي ومتطلبات إعادة بناء الثقة بين المجتمع والدولة في العراق

    د. محمد محي الجنابي/ كلية العلوم السياسية / جامعة النهرين

    توصف متطلبات التعافي بأنها مجموعة متنوعة من المعارف التي تساعد على تحديد المهمات الواجب تنفيذها في كل مرحلة من مراحل إعادة الإعمار بعد النزاع، والذي يقتضي تحديد الاحتياجات من الموارد ومقدارها وموقع أنشطة الإنعاش، وكذلك تحديد الغايات والأهداف، فضلاً عن الأولويات والمهام وسياسات التنفيذ، التي تختلف خطة عملها عن أي خطة عمل في ظروف الطبيعية والمستقرة، إذ تتطلب أن تدار موارد الدولة بطريقة متسقة وناجعة لاسيما المناطق الأكثر تضرراً أو المشكلات الأكثر تسبباً للنزاع عن طريق استثمار الموارد المتاحة )البشرية والمالية وغيرها) اللازمة لبلوغ الأهداف.

    ولا شك أن تحقيق التعافي الاجتماعي يعزز فرص الإنعاش المُستدام للمجتمعات التي تعيش في بيئة هشة، لاسيما تلك التي تأثرت بشكل مباشر أو غير مباشر بالنزاعات، وفي الحقيقة، أن تحقيق هذا الهدف ينعكس ايجابياً على مستوى حياة ورفاهية الأفراد، من خلال بناء أسر ومجتمعات قوية قادرة على تحمل الانقسامات الناجمة عن النزاعات والعنف، ولهذا السبب، من المهم اسناد تحقيق التعافي المستدام عن طريق إعادة الثقة بين المجتمعات الخارجة من النزاع وما بين الدولة والنظام السياسي برمته.

    شهد العراق مرحلة عصيبة في حزيران/يونيو من عام 2014، تجسدت بسيطرة التنظيم الإرهابي (داعش) على ما يقارب ثلث أراضيه، الأمر الذي أسهم في زيادة حدة التوتر المجتمعي وسط أجواء من عدم الثقة بين الأطراف السياسية والاجتماعية كافة. كانت هذه النتيجة الحتمية لمراحل النزاع العديدة، سواء الخارجية أو الداخلية، التي مرت بها البلاد، فضلاً عما أفرزته من مشاعر الخوف والقلق من احتمال تكرار تلك التجارب المؤلمة، خاصة بعد ارتكاب جرائم الإبادة، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي طالت مختلف شرائح المجتمع. لذلك، من غير الممكن تجاهل حالة الاستياء الطائفي والانقسام المجتمعي التي برزت بعد إعلان تحرير الأراضي العراقية في عام 2017، بدون تحرك اجتماعي واسع لرأب الفجوة الكبيرة والشرخ العميق الذي أصاب الثقة بين المكونات العراقية، على الرغم من مظاهر الأخوة الإنسانية التي ظهرت في المساعدات والدعم والتعاون. كما يتطلب الأمر إعادة بناء الثقة بين المجتمع العراقي والنظام السياسي، والانطلاق نحو تحقيق التعافي الاجتماعي.

    لذا، من الممكن أن تتزعزع الثقة بين الدولة والمجتمع غالباً بسبب عدم قدرة النظام السياسي على تلبية المطالب المشروعة، لاسيما الاحتياجات والخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن، مثل الأمن والصحة والطرق والتعليم والإسكان والمواصلات. الأمر الذي يؤدي إلى انسلاخ النظام السياسي عن المجتمع. فالمواطن يتطلع إلى تلك الوعود التي قطعتها المؤسسة السياسية على نفسها، خاصةً في حملاتها الانتخابية، مما يجعل المواطن في أزمة ثقة حقيقية مع المؤسسة السياسية. تعززت هذه الأزمة بزيادة الولاءات الفرعية في ظل تصاعد حالة التمايز الاجتماعي، نتيجة الإخفاقات الحكومية في تحقيق مصالحة حقيقية. ناهيك عن الهجرة الخارجية للشباب والكفاءات، وأزمة النزوح الداخلي بسبب تزايد العمليات الإرهابية، وضعف دور المرأة، واتساع الفجوة بين النظام السياسي والمجتمع، بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغيرها من التحديات سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي. وكلها عوامل ومعطيات كانت وما زالت تمثل تحديات لتحقيق التماسك الاجتماعي، ضمن متطلبات تحقيق التعافي المستدام.

    ومن هنا، ينبغي رسم وتنفيذ سياسات على مستويات عدة، من أجل تجسير الثقة بين المواطن والنظام السياسي في العراق، عبر تقريب وجهات النظرة وتعزيز الثقة بين المكونات المجتمعية، ورأب الصدع بينهم،  ترافقها آليات من شأنها إعادة بناء الثقة بين النظام والمجتمع، بوصفها أحد أهداف تحقيق التعافي الإجتماعي في العراق بعد عام 2017.

     

     

    لقراءة المزيد اضغط هنا