د. عماد مؤيد جاسم المرسومي: أستاذ دكتور في كلية القانون والعلوم السياسية / جامعة ديالى
عندما استولى تنظيم (الدولة الإسلامية-داعش) على أجزاء من شمال العراق ومناطقه الغربية منتصف عام 2014، عمدت الحكومة العراقية بالتعاون مع المجتمع الدولي إلى تقديم مساعدات للجهات الشعبية والقبلية التي تطوعت لقتال التنظيم، وتضمنت مبادرات المساعدة المقدمة من خلال مؤسسات الدولة الرسمية إدارة برامج للتدريب والتجهيز بالمعدات والآليات، والتي استهدفت تسليح هذه الجهات التطوعية لمواجهة التهديد الداهم الذي شكله (داعش).
وغني عن القول، إن الاضطرابات الأمنية التي تشهدها هكذا دول وتجارب التحرير التي تمر بها تُفضي إلى خلق بيئة مواتية لتمكين المجموعات التي كان لها دور مركزي في عملية التحرير وصد التهديدات. وغالباً ما يترتب على هذا التمكين القدرة على النفاذ إلى المؤسسة العسكرية الرسمية أو النظام السياسي نفسه من خلال الوصول إلى البرلمان والسلطة. هكذا نجد أن البلدان التي واجهت أزمة حرب مع تنظيم إرهابي احتل جزءاً من أراضيها لسنوات، وبذلت الحكومة في سبيل استعادتها جهوداً عسكرية انطوت على مساعدة شعبية مدت القوات المُسلحة بحاجتها من المتطوعين، غالباً ما تضطر بعدها إلى إدارة علاقة مُعقدة مع الفاعلين الجُدد في مرحلة ما بعد التحرير وكيفية إيجاد السبل الملائمة للتعامل مع بيئة أمنية وسياسية متغيرة نشأت ما بعد الصراع (Post-Conflict Environment).
لقد أضافت قوات الحشد الشعبي قوة نوعية جديدة للهيكل العسكري العراقي، نظراً لأن أساس تشكيلها كان عقائدياً مبنياً على فتوى دينية، لكن قضايا خلافية جديدة برزت على أساس الثنائية التي أخذت تتشكل وتفرض حضورها في القطاع الأمني، وهي ثنائية بدأت ترسم تغييراً جذرياً في توازنات القوى السياسية والعسكرية في البلاد. ومع أن البرلمان العراقي أقر القانون رقم (40) لسنة 2016 والخاص بتأسيس هيئة الحشد الشعبي باعتبارها تشكيلاً مستقلاً يتمتع بالشخصية المعنوية، ويُعد جزءاً من القوات العراقية المُسلحة، ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، مثلما ورد في نص المادة (1) من القانون المذكور، إلا أن إضفاء الطابع المؤسسي التدريجي على المنظمة داخل جهاز الدولة لم يكن كافياً لإزالة التوترات التي نجمت عن ظهور هذه الهيئة على المسرح العسكري – الأمني. إذ فضلاً عن الامتعاض الذي قُوبلت به هذه الهيئة من بعض القوى السياسية، لم تكن بعض المفاصل في القوات المسلحة، التقليدية أكثر ترحيباً بها؛ بسبب تخوفها من نظام أمني يتألف من جيش نظامي يُقابله جهاز شبه عسكري قوي.
على هذا الأساس، لم يكن التعقيد الذي بات على الدولة مواجهته في القطاع الأمني أو البيئة الأمنية الجديدة يقتصر على كيفية العثور على توفيق بين قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي بقدر ما أن هذه الثنائية، مثلما أثارت معارضة خارجية بشكل كبير، إضافت مشاغل جديدة للدولة في مشروعها لإصلاح القطاع الأمني، والذي كان من المُخطط له أن يسير بالتوازي مع الحرب على تنظيم (داعش) ويتطور أكثر بعد انتهائها. ما يعني أنه بجوار مشاغل إصلاح القطاع الأمني التقليدي وتنقيته من العيوب، التي كانت سبباً رئيس في تمدد تنظيم (داعش) واحتلاله لأجزاء من العراق، بات على الدولة أيضاً أن تطور علاقة مؤسساتية مع الحشد الشعبي، وأن تجد حلاً مُناسباً له ضمن مشروع الإصلاح الأمني الجديد.
كانت عملية الإصلاح شاقة ومعقدة، وتوقفت أو تعطلت لفترة من الزمن؛ لأن تعقيدات الإصلاح أصبحت على ثلاثة مستويات: مستوى قوات (البيشمركة) الذي تولت الإشراف عليه قوات التحالف الدولي، ومستوى المؤسسة الأمنية الاتحادية الذي هو من مهام الحكومة في بغداد، ناهيك عن كيفية مزج مشروع الإصلاح على مستوى الإقليم مع المستوى الاتحادي، فضلاً عن المستوى المتعلق بإصلاح الوضع الخاص للحشد الشعبي وتنظيم علاقته بالمؤسسة الأمنية التقليدية.
على هذا الأساس، تهدف هذه الدراسة إلى تقييم واقع المحاولات السابقة والجهود المحدودة التي بُذلت في سبيل إصلاح القطاع الأمني وما اعترضها من عقبات من أجل الوصول إلى تشخيص موضوعي للسياسات المطلوبة لإصلاح القطاع وإعداده بشكل أفضل. وضمن هذا المنظور، تجدر الإشارة إلى أنه لا يُراد بهذه الدراسة تحديد السياسات التشغيلية الواجب اتباعها من قبل القوات المسلحة في مواجهة تهديدات مُحددة وكيفية التعامل معها، بقدر ما أنها تركز على متطلبات البناء التنظيمي والعملياتي التي يُفترض أن يتمتع بها القطاع الأمني لمعالجة العيوب التي أرهقته خلال السنوات السابقة.