back to top
المزيد

    واحة البيان

    موقف العراق من التصعيد في غزة ولبنان: بين الدعم السياسي والتدخل المحتمل

    محمد الربيعي / أكاديمي وباحث في الشأن السياسي

    يشهد الشرق الأوسط تصعيدًا خطيرًا في الأوضاع الأمنية، مع اشتداد الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، والتوترات المتصاعدة في جنوب لبنان. في هذه الأجواء المشحونة، يبرز التساؤل حول موقف العراق من هذا التصعيد، وكيف يمكن أن يتطور تأثيره على المشهد الإقليمي. يتراوح الدور العراقي بين التعبير عن الدعم السياسي للقضية الفلسطينية وبين احتمال التدخل العسكري أو المشاركة غير المباشرة، بما يتوافق مع مواقفه التاريخية وسياساته الخارجية المعتمدة.

    الخلفية التاريخية لمواقف العراق تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي:

    لطالما كان العراق من بين الدول العربية التي دعمت القضية الفلسطينية بقوة منذ تأسيس إسرائيل عام 1948. وقد قدم دعماً سياسياً ومادياً للفلسطينيين في مراحل مختلفة من الصراع. خلال فترة حكم الرئيس الأسبق صدام حسين، كان العراق يتبنى خطاباً معادياً لإسرائيل ويدعم الفصائل الفلسطينية بشكل علني، بما في ذلك دعم الانتفاضة الفلسطينية في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات.

    بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، تغيرت السياسات العراقية بشكل ملحوظ نتيجة التحولات السياسية الداخلية والتأثيرات الإقليمية. ومع ذلك، استمرت الحكومات العراقية المتعاقبة في التعبير عن دعمها للشعب الفلسطيني، وإن كانت هذه المواقف تفتقر إلى الخطوات العملية ذات التأثير المباشر. اليوم، في ظل التصعيد الحالي، يواجه العراق ضغوطًا جديدة قد تدفعه إلى مراجعة دوره في هذا الصراع.

    الموقف الرسمي العراقي من التصعيد:

    في الأيام الأخيرة، أصدرت الحكومة العراقية بيانات رسمية تدين فيها الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وتعرب عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني. كما دعا العراق إلى وقف فوري لإطلاق النار وضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات لتحقيق حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية. هذه المواقف تعكس تقليدًا طويلًا في السياسة الخارجية العراقية التي تركز على دعم الحقوق الفلسطينية ضمن إطار القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

    ومع ذلك، فإن الموقف الرسمي للحكومة العراقية يظهر بعض التحفظ فيما يتعلق بدعوات التدخل المباشر أو إرسال مساعدات عسكرية للفصائل المسلحة. العراق يعاني من أزمات داخلية متعددة، من بينها الصراع الطائفي، والتحديات الاقتصادية، وتبعات الحرب ضد تنظيم “داعش”. هذه العوامل تجعل من الصعب على الحكومة العراقية الانخراط في نزاعات خارجية قد تزيد من تعقيد الوضع الداخلي.

    دعم الفصائل السياسية والحركات الشعبية:

    في المقابل، نجد أن الفصائل السياسية العراقية، وخاصة تلك التي لديها ولاءات إيديولوجية لإيران، قد أبدت مواقف متشددة إزاء التصعيد الأخير في غزة ولبنان. فصائل مثل “كتائب حزب الله” و” عصائب أهل الحق” عبّرت عن استعدادها لدعم الفصائل الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، وربما تقديم الدعم اللوجستي أو المادي بطرق غير رسمية. هذه المواقف تعكس التحالف الوثيق بين بعض الفصائل العراقية وإيران، التي تُعد داعمًا رئيسيًا للفصائل الفلسطينية مثل حركة “حماس” و” الجهاد الإسلامي”.

    وعلى الصعيد الشعبي، شهدت مدن عراقية عدة مظاهرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، رفع فيها المتظاهرون شعارات تدين الاعتداءات الإسرائيلية وتدعو لدعم المقاومة الفلسطينية. هذه التحركات تعكس مشاعر التضامن العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية، لكنها أيضًا تضيف ضغطًا على الحكومة العراقية لاتخاذ موقف أكثر تشددًا.

    العوامل المؤثرة في احتمالات التدخل العراقي

    هناك مجموعة من العوامل التي يمكن أن تؤثر على قرار العراق فيما يتعلق بالتدخل المباشر أو غير المباشر في الصراع. من أبرز هذه العوامل:

    1.الوضع الأمني الداخلي: العراق لا يزال يواجه تهديدات أمنية داخلية، بما في ذلك نشاط خلايا “داعش” الإرهابية. التركيز على معالجة القضايا الداخلية والحفاظ على الاستقرار قد يدفع الحكومة إلى تجنب الانخراط في نزاعات خارجية.

    2.العلاقة مع الولايات المتحدة: يلعب الوجود الأمريكي في العراق دورًا في تحديد السياسات الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالنزاعات الإقليمية. الولايات المتحدة تعتبر حليفًا لإسرائيل، وقد تضغط على الحكومة العراقية لعدم الانخراط في أي دعم مباشر للفصائل الفلسطينية.

    .3التأثير الإيراني: يُعتبر العراق ساحة نفوذ مهمة لإيران، التي تُعد لاعبًا رئيسيًا في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. في حال تصاعدت التوترات بين إيران وإسرائيل، قد تجد بعض الفصائل العراقية المدعومة من إيران نفسها مجبرة على الانخراط في النزاع بطريقة ما.

    4.الدعم الشعبي والسياسي للقضية الفلسطينية: المشاعر الشعبية في العراق تميل إلى دعم الفلسطينيين، مما قد يدفع الحكومة إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة، حتى لو لم تصل إلى مستوى التدخل العسكري المباشر.

    السيناريوهات المحتملة

    يمكن تصور عدة سيناريوهات لموقف العراق في حالة استمرار التصعيد في غزة ولبنان:

    1.الدعم السياسي والإنساني فقط: من المرجح أن تستمر الحكومة العراقية في دعمها السياسي للقضية الفلسطينية من خلال البيانات الرسمية والدبلوماسية، بالإضافة إلى تقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين. هذا السيناريو يتماشى مع سياسات العراق التقليدية بعد عام 2003، والتي تركز على عدم التورط المباشر في النزاعات الإقليمية.

    2.الدعم غير المباشر من خلال الفصائل المسلحة: قد تقوم بعض الفصائل العراقية بتقديم الدعم للفصائل الفلسطينية بطرق غير رسمية، .3سواء من خلال تقديم الأسلحة أو المساعدات اللوجستية. هذا السيناريو قد يزداد احتمالاً إذا تصاعدت التوترات بين إيران وإسرائيل.. التدخل المباشر في حال توسع النزاع:

    في حالة حدوث تصعيد كبير يشمل مواجهة إقليمية بين إيران وإسرائيل، قد يجد العراق نفسه مضطرًا للانخراط، سواء من خلال الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران أو عبر دعم دبلوماسي وعسكري محدود للفلسطينيين. ومع ذلك، يبقى هذا السيناريو أقل احتمالاً نظرًا للتحديات الداخلية التي يواجهها العراق.

    الخلاصة

    موقف العراق من التصعيد في غزة ولبنان يتأرجح بين الدعم السياسي التقليدي والتعبير عن التضامن الشعبي، وبين الضغوط التي قد تدفع بعض الفصائل إلى الانخراط بشكل غير مباشر. لا يزال العراق متحفظًا على الانخراط المباشر في النزاعات الإقليمية، لكن التأثيرات الخارجية، وخاصة من إيران، يمكن أن تلعب دورًا في تحديد مسار هذا الموقف. في نهاية المطاف، سيظل العراق يوازن بين مصالحه الوطنية والضغوط الإقليمية، مع التركيز على تجنب أي تصعيد قد يؤثر سلبًا على استقراره الداخلي.

    اقرأ ايضاً