د. مصطفى كامل الدراجي. باحث مختص بالشؤون الأمريكية.
يتميز المشهد السياسي في الولايات المتحدة، على غير العادة بتصاعد وتيرة وحدة السباق الانتخابي، وتزايد الانقسام في داخل المجتمع الأمريكي، وارتباك في صفوف الحزب الديمقراطي نتيجة الإقرار بهزيمة بايدن الوشيكة أمام ترامب، والأخلاف حول ترشيحه في بادئ الأمر، وقرار انسحابه من الترشيح قبل فترة ليس بالكبيرة من السباق الانتخابي وترشيح نائبته كامالا هاريس (Kamala Harris) لخوض السباق عن الحزب الديمقراطي لمواجهة ترامب، كما يواجه الرئيس الأمريكي المقبل تحديات كبرى على الساحة الدولية، ابرزها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وهو الصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، والتي استمرت لمدة عامين ونصف العام، مما ترك القارة على حافة الهاوية. والآن يواجه الشرق الأوسط، الذي لا يزال غارقاً في عملية غزة الدموية والقابلة للاشتعال سياسياً، احتمال اندلاع حرب شاملة تشمل إسرائيل وحزب الله وإيران، وتواصل الصين تعزيز وجودها العسكري في المحيط الهادئ وتصعيد التوترات مع تايوان.
تُعد كامالا هاريس الآن أكثر شخصية سياسية في الولايات المتحدة مثيرة للاهتمام، وباعتبارها أول امرأة أميركية من أصل أفريقي، وأول أميركية من جنوب آسيا تتولى منصب نائب الرئيس، ترشح نفسها للرئاسة الأمريكية، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، ومع ترشحها بدلاً من جو بادين؛ وكاريزمتها التي مكنتها خلال فترة قصيرة من أن تنافس ترامب في استطلاعات الرأي على منصب الرئاسة، واستطاعت أيضاً إلى أن تصبح أول مرشحة تجمع أكثر من نصف مليار خلال فترة أقل من أسبوع، تجسد رحلتها من مدعية عامة إلى لاعب رئيس على المسرح الوطني الأميركي ديناميكيات القيادة في في الولايات المتحدة الأميركية، وهي مؤشر على التنوع الأمريكي الديموغرافي وتزايد كفة المهاجرين الذين لم يعودوا أقلية أمام السكان البيض الأنجلوسكسون، إذن أصبح من المهم فهم هاريس وتأثيرها، ومسيرتها المهنية المتعددة الأوجه أكثر أهمية من أي وقت مضى، لأن مسيرتها لا تقتصر على كسر الحواجز النخبوية في المجتمع السياسي الأمريكي فحسب، بل تتعلق أيضاً بالمسارات المعقدة التي تؤدي إلى قلب ديناميكيات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وفي خضم تعقد المشهد الداخلي الأمريكي، وصعوبة المشهد الخارجي، وضرورة اتخاذ المواقف الجريئة التي يجب على الولايات المتحدة اتخاذها للحفاظ على النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ عقود يقدم كل من دونالد ترامب، وكامالا أفكارهما وتوجهاتهما في السياسة الخارجية، وبما أننا قد شرحنا في ورقة سابقة أفكار ومواقف ترامب في السياسية الخارجية، سنشرح أفكار وتوجهات هاريس في السياسية الخارجية، ومواقفها من بعض القضايا.