م.م. نور عبد السلام / أستاذة جامعية وباحثة في الشؤون الإقليمية
في ظل التأرجح العسكري للكيان الصهيوني ما بين غزة ولبنان ومحاولتها في القضاء على الفصائل المقاومة المدعومة من ايران لأنهاء الوجود الاسرائيلي و الحد من مشاريع السلام للأخيرة مع الدول العربية كذلك ضمان تحقيق هيمنتها على بعض دول المنطقة، تجد اسرائيل نفسها في صراع سياسي وعسكري بين حماس من جهة وحزب الله المساند لغزة من جهة اخرى، في هذا السياق، تسعى إسرائيل إلى ضرب هذه الفصائل بهدف تحجيم نفوذها في المنطقة، مما يدفعها الى اتخاذ اجراءات عسكرية صارمة تمثلت في زيادة وتيرة الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة، وامتدت نحو جنوب لبنان ، وبسبب ضعف دور الجيش والحكومة اللبنانية في تسوية الامور ، ادى ذلك الى دفع نتنياهو لتكثيف هجماته العسكرية لاستهداف القياديين في حزب الله، وعلى الرغم ان منذ عام 2006، حافظ الطرفان الاسرائيلي واللبناني على حالة من الهدوء الحذر، إلا أن التطورات الأخيرة أثارت مخاوف من إمكانية انهيار هذا التوازن، اذ ان توتر الحدود بين إسرائيل ولبنان ليس جديدًا، ولكنه هذه المرة يأتي في سياق إقليمي مضطرب حيث تسعى إيران الى تحويل جنوب لبنان الى ساحة حرب مع اسرائيل، في الوقت نفسه تواجه الحكومة الاسرائيلية ضغوطا داخلية للتعامل بحزم مع التهديدات الامنية، مما دفع نتنياهو الى اتخاذ خطوات حازمة وجريئة، وبالفعل هذا ما قام به اذ خطى خطوات مدروسة بصورة تكتيكية مع حزب الله ، وبدء بضرب قاعدة الحزب باستهداف مواقع حزب الله في لبنان عبر عمليات استخباراتية دقيقة، واحدة من هذه العمليات الشهيرة كانت تفجير جهاز البيجر، مما أسفر عن مقتل بعض القيادات البارزة في الحزب وإصابة آخرين بجروح خطيرة، ليتبعها توجيه الضربة القاتلة لرئيس الحزب السيد حسن نصر الله ،والذي يحاول من خلالها نتنياهو ابادة لحزب الله وشل حركته الجهادية، وفي ظل هذه الضربات، يظل التساؤل قائمًا: هل ستؤدي هذه العمليات إلى زعزعة قدرات حزب الله بشكل نهائي، أم أن الحزب سيعيد ترتيب أوراقه لمواجهة إسرائيل من جديد؟
التأثير الإقليمي للتصعيد
أن التوترات بين إسرائيل والفصائل المقاومة في غزة ولبنان انعكست بشكل مباشر على المنطقة العربية، حيث أعلنت بعض الفصائل المقاومة في سوريا والعراق دعمها لحزب الله وأطلقت صواريخ باتجاه إسرائيل، هذا التدخل العسكري يجعل من الصعب احتواء الصراع في منطقة واحدة، مما يزيد من احتمالية تصعيد إقليمي أوسع قد يشمل دولًا أخرى مثل اليمن وربما إيران، اما الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تلعب دورًا رئيسيًا في محاولة منع التصعيد من خلال الدبلوماسية، لكن غياب حل سياسي حقيقي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وضعف الدولة اللبنانية في التعامل مع التهديدات، يجعل هذه الجهود عرضة للفشل، إذ يبدو أن احتمالات التوصل إلى تسوية سلمية بعيدة، لكون كل طرف يسعى لتعزيز موقفه العسكري والسياسي، سواء كان ذلك في لبنان أو إسرائيل ، ومع ذلك، تبقى الدعوات إلى الحلول الدبلوماسية قائمة، لا سيما من المجتمع الدولي الذي يخشى من أن يؤدي اندلاع صراع جديد إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها، و هذا يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن.
العراق وسوريا في قلب الأزمة:
يبدو أن العراق، على الرغم من كونه بعيدًا عن جبهة المواجهة المباشرة، قد يتأثر بشكل كبير في حال تصاعدت الأمور إلى حرب إقليمية، العراق الذي يعاني من أزمات داخلية، بما في ذلك تداعيات الحرب ضد داعش والأوضاع الاقتصادية الهشة، ليس مؤهلًا للدخول في حرب جديدة، اذ ان التصريحات الأخيرة الصادرة عن إيران تدعو فصائل المقاومة في العراق وسوريا للانتقام لحزب الله بسبب اغتيال السيد حسن نصر الله، مما يُنذر بتداعيات خطيرة على استقرار العراق، بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة العراقية استعدادها لاستقبال النازحين اللبنانيين ، مما قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية وديمغرافية جديدة، هذه الخطوات قد تضع العراق في موقف حساس لا يخدم مصالحه، خاصة في ظل الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية، ان دخول العراق في ساحة حرب هو في غنى عنها، والتفات نتنياهو الى العراق ، لاسيما وان نتنياهو يستخدم اسلوب الصمت البدائي ، اذ يواجه الضربات العابرة بالتجاهل مما يُبين ان اسرائيل غير قادرة على الرد واصابها ضعف في بنيتها العسكرية ليفاجئهم بهجمات عسكرية تصل الى ابادة جماعية خصوصا في المناطق التي يتمركز فيها المسلحين التابعين لفصائل المقاومة، وسيكون دور الولايات المتحدة الامريكية في صف اسرائيل حليفتها الازلية، لذا لن يجد العراق حليفاً، لكون لبنان في حالة ابادة من قبل اسرائيل وسوريا على نفس النهج، اما الدول الخليجية ومصر والاردن متخذين موقف الحياد الظاهري، لذا سيضع العراق نفسه في مأزق حقيقي سيكون الخروج منه اشبه بالمستحيل، اذ ان الخسائر ستكون مادية وبشرية وسترجع العراق الى نقطة الاحتضار، ولا يمكن اغفال ان العراق في اولى خطواته الى الاصلاح والتطور والنهوض عمرانيا واقتصاديا، اما سوريا لن يكون وضعها افضل من العراق لاسيما وان سوريا مازالت تعاني من تأثيرات الحرب الاهلية المستمرة، ومازالت متعثرة اقتصاديا.
خاتمة:
من الاجدر الاعتراف بأن القدرات المادية والبشرية لا تضاهي قدرات إسرائيل ، فضلا عن عدم وجود دولة قوية ذات كفاءة اقتصادية مساندة لهم، واستمرار التوترات على جبهات إسرائيل وغزة ولبنان سيقود الشرق الاوسط الى حرب عالمية ثالثة، والختام سيبقى السؤال الرئيسي: هل يمكن أن يؤدي هذا التصعيد إلى صراع إقليمي شامل؟ أم أن الأطراف المعنية ستتمكن في النهاية من تجنب الكارثة من خلال تسوية دبلوماسية مؤقتة؟ الأيام والأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير المنطقة، ومعها مصير ملايين المدنيين الذين يقعون في قلب هذا الصراع المستمر.