شُبر عبد الوهاب – باحث سياسي
إن سبل مكافحة الفساد في الدولة الديموقراطية أسهل وأيسر بما لا يقاس من وسائل مواجهة الفساد في الدولة البيروقراطية كون الفساد في الحالة الأولى يبقى مقصور على بعض الارتكابات الفردية والتي يمكن معالجتها ومواجهتها وملاحقة مرتكبيها قانونيا بينما الفساد في الحالة الثانية يتحول إلى ظاهرة مزمنة تكون تكلفة مكافحته باهظة جدا في العراق تحتل البيروقراطية الإدارية مكانا كبيرا في مؤسسات الدولة يصنف العراق في مؤشر مدركات الفساد العالمي ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم حيث احتل المرتبة 157 في التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية عام 2021 الفساد في العراق يعكس الصراع الحقيقي على تقاسم الاقتصاد الريعي بين الفرقاء السياسيين وبهذا أصبح عبارة عن شبكات عنكبوتية فهو لا يقف عند حدود شخصيات ذي مناصب عليا في الدولة وإنما يمتدّ ليشمل مافيات سياسية وشخصيات خارجة عن التوصيف السياسي والطبقات الاجتماعية وتصف ممثلة بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) جينين هينيس- بلاسخارت الفساد في العراق بأنه “سبب جذري رئيسي في الاختلال الوظيفي في العراق وبصراحة، لا يمكن لزعيم أن يدعي أنه محصن منه “
الفساد في العراق ظاهرة طبيعية تتغذى عليها مؤسسات الدولة؟
من ابرز الاسباب التي دعت لان يكون مفهوم الفساد حالة طبيعية تعتاش عليها السلطة في العراق تغيب مفهوم الهوية الوطنية في العراق جعل من شرائح المجتمع ترتكن الى الهويات الفرعية لتحميها وتدافع عنها تحت طائلة الطائفة والقومية او العشيرة بذلك يتم التبرير لعمالقة الفساد بانها مصلحة عامة يُراد بها الحفاظ على مصالح فئة معينة من المجتمع بعنوان (المظلومية الطائفية) هل هناك اسباب خرى ؟
تغييب دور المؤسسات؟
غيبت السلطة في العراق دور مؤسسات المجتمع المدني وعدم فعاليتها مع وجود المئات منها لكن فعاليتها تُكاد لا تُذكر فضلًا عن غياب السلطة التشريعية أو تغيبها وتسيس السلطة القضائية في ظل غياب الشفافية والعلانية والمساءلة اضف اليها الضعف الذي يعتري أداء الأحزاب السياسية الامر الذي قد يسهم بدوره في انتشار ظاهرة الفساد لعدم وجود الرقابة البرلمانية اذاُ فان المنظومة السياسية في العراق تعتمد على اسس تعاملاتها على هذا المفهوم بالأساس وبالتالي تساعدها في ذلك منظومة زبائنية كبيرة تشكل شبكة داخل مؤسسات الدولة وتبدأ من اصغر موظف الى درجة المدير العام تلقائياً يتحول مفهوم الفساد الى ممارسة طبيعية وشكل رئيسي في النظام البيروقراطي يختنق بها الجميع هذا الممارسات التي تتحول تدريجياً الى ممارسات مستساغة من قبل جمهور كبير في أوساط المجتمع تنتج لامبالاة بما يحصل في البلاد من فوضى وتسيب ويكتفون بمراقبة فضائح الفساد وكأنه يشاهد مسرحية لا علاقة له بها إلا في الحدود التي تتأثر بها مصلحته حيث يحول الفساد دون تحقيق التنمية المنشودة ودون تحقيق الكفاءة الاقتصادية بالإضافة إلى كون الفساد يضعف آليات الديمقراطية فيعزز من سلطة الأغنياء وسطوتهم ويزيد من نسبة المهمشين اقتصاديًا وسياسيًا ناهيك عن هدر المال الأموال العامة وتبديدها وما نحتاجه فعلاً هو الشعور الوطني بأهمية المخاطر التي تحيط بنا ونمارسها وبتفعيل آليات المجتمع في ممارسة الرقابة والمساءلة لأجهزة الدولة تعطي إمكانية تضيق رقعة الفساد إلى الحدود الدنيا الدولة البيروقراطية وإن كان الفساد لا ينتهي منها تمامًا الا إن الرابطة الإيديولوجية وشعور الانتماء الوطني والالتزام بقضايا الجماهير كفيلة باجتثاث الفساد من جذوره ..