العباس السوداني / مختص بالعلاقات الدولية والأمن الاستراتيجي
لعله من الواضح جداً أن احداث ٧ اكتوبر والتي تعتبر احدى اطول الحروب الاسرائيلية مدةً في المنطقة تتسم بمستوى ادارةِ صراعٍ عالٍ أكثر من كونها حرب بين ايدلوجيات مختلفة.
ولعل أكثر ما تميزت بها هذه الحرب هي المهارة الامريكية الايرانية في تضييق نطاق المعركة واستخدام اساليب الحرب بالوكالة. فابتداءًا وفي ايام المعركة الاولى صرحت إيران بشكلٍ رسمي أنها لا علاقة لها بالحرب وانما هي معركةٌ بين حماس الفلسطينية والكيان المحتل.
من جانبٍ اخر كانت الولايات المتحدة الامريكية تدعو بشكلٍ او بآخر الى مراعاة حقوق الانسان، مبتعدةً عن اسلوب المجاهرة التي استخدمته لفترة طويلة. رغم ان الفاحص يرى أن لكلى الطرفين تدخلاتٍ وفوائد للتدخل. ثم تطورت قواعد الاشتباك بعد استهداف السفارة الايرانية في سوريا، والتي رد عليها الايرانيون بضربة كبيرة جداً تميزت بكونها استعراضيةً لكنها لم تسبب دماراً استراتيجياً. بالمقابل استمرت الولايات المتحدة بنفس تكتيها الذي لا يفتح كل الابواب لاسرائيل ولكنها تبقى محميةً وآمنةً على مستوىً معين.
ويبدو ان هذا التعاون الذي قد يكون غير متفق عليه هو أحد الاستراتيجيات المهمة للحفاظ على المنطقة لا سيما مع تصاعد الدور الاقليمي المهم للمنطقة وخصوصاً العراق بوصفه طريقاً مستقبلياً مهماً للنقل الدولي تارة، ودولة تشترك فيها المصالح الغربية والشرقية تارة أخرى.
وإذا ما حاولنا تفصيل المتفاعلين الاثنين فنجد ان من مصلحة إيران ان لا تدخل حرباً مباشرةً طاحنة قد تؤدي الى حربٍ بين الأقطاب الدولية لا سيما مع بروز اقطابٍ دولية أخرى وظهور ملامح جديدة للنظام الدولي والذي تميز بكونه نظاماً احادي القطب منذ تسعينات القرن الماضي، ومن جانبٍ اخر فإن سيناريو الحرب الحالي قد يكون أفضل الخيارات السلبية للجمهورية الإسلامية. اما من الجانب الامريكي فالحرب الأوكرانية – الروسية، والتطور الاقتصادي الصينية وكذلك طبيعة المناخ العلاقاتي الجديد بين اميركا ودول مجلس التعاون الخليجي بعد علاقة السعودية والامارات مع الصين، إضافة الى ضرفية الانتخابات الامريكية القادمة، كل هذه عوامل تدفع أمريكا باتجاه عدم التصعيد في المنطقة والحفاظ على الصراع ضمن هذا المستوى.
لكنه بعد الاحداث الأخيرة التي حدثت، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران والهجوم على عدد من قيادات حزب الله في الضاحية الجنوبية في لبنان، قد يتطور الصراع أكثر، وهنا يتوارد سؤال الساعة الحار، متى ترد إيران؟!
يبدو ان الرد الإيراني آتٍ لا محال، وإذا ما درسنا سيكولوجية القيادة الإيرانية وتاريخها نستطيع التوصل لهذا الاستنتاج. وبالمقابل يبدو ان إيران مازالت تحاول الحفظ على استقرار المنطقة وقد دخلت اميركا جزءاً متعاوناً في هذا المبدأ. فالاجتماع الأخير في القاهرة بين عدد من القادة الأمريكيين، الإسرائيليين، الإيرانيين الأمنيين، والذي لم يتوصل المجتمعون فيه الى نتيجة، نستطيع الفهم ان إيران ما زالت تحاول استحصال النتائج الإيجابية لها وللمنطقة كمتفاعل أساسي فيها، ويبدو انها ستتجه الى الرد بكلا النتيجتين، ولكن الفرق هل سيكون الرد رداً جديداً يطور الصراع إذا لم تستحصل غزة استقلالها، ام رداً استعراضياً لحفظ هيبتها اذا ما خرجت المفاوضات بنتيجةٍ إيجابية.
وبكل الأحوال، فإن لم يكن هنالك حل للوضع الإقليمي الراهن، فان مشهد الصراع سيتطور كثيراً وهذا كما أسلفنا لا يصب في مصلحة كلا الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية واللذان يتعاونان بالمباشرة او بغير المباشرة لإدارة الصراع في المنطقة.
من جانبٍ أخير يبدو ان دول المنطقة جميعاً تسعى الى حصر الصراع وعدم تطوره لما قد يسببه من ضربٍ لمصالحها، فبعض الدول العربية ذات التكتم العالي بموقفها من الكيان الصهيوني، لكنها ما زالت تعتقد ان الصراع له ابعاد مدمرة لوضعها الاقتصادي والاجتماعي، واما الدول التي تقف بالضد الرسمي والمباشر من الكيان الصهيوني فهي اما تقف عقدياً او مصلحياً وبكلا الحالتين فإن موقفها هو موقف مضاد. وبالنتيجة فجميع المواقف تنسجم مع الموقف الإيراني. ويبدو ان الإدارة الأميركية القادمة في حالتي فوز ترامب او هاريس فإنها لن تتجه الى التصعيد وانما الى إدارة الصراع.