back to top
المزيد

    الاعتبارات السياسية والتاريخية لإصلاح قطاع الدفاع في المملكة العربية السعودية

     

    على الرغم من الافتراضات الشائعة حول القدرات العسكرية السعودية، فإن الإنفاق والاستثمار في قطاع الدفاع بالمملكة العربية السعودية قد أسفرا عن نتائج مهمة. وبوجود بعض من أكثر الدفاعات الجوية الأرضية تقدماً على مستوى العالم، إلى جانب مكونات قوية من القوات البرية والبحرية، فقد قطعت الرياض بلا شك خطوات حاسمة في بناء قدراتها العسكرية. ومع ذلك، لا يزال النظام البيئي الدفاعي في المملكة غير كافٍ لتلبية احتياجاتها وأهدافها الأمنية بشكل كامل. وقد سلط خبراء مثل أنتوني كوردسمان الضوء باستمرار على نقاط الضعف والثغرات الحرجة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين: الاعتماد على أنظمة ومعدات دفاعية أجنبية، وقاعدة تكنولوجية وصناعية دفاعية متخلفة، ونقص التماسك في كل من تخطيط الاستثمار الدفاعي والبنية المؤسسية العسكرية. في الوقت نفسه، يردد محللون مثل نيل بارتريك، المعروف بخبرته في قضايا الأمن بالخليج، مخاوف مماثلة بشأن التحديات الاستراتيجية التي تواجه المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

    لقد أدى هذا الافتقار إلى التخطيط والقيادة وإدارة الموارد إلى عمليات شراء أسلحة مدفوعة بدوافع سياسية دون وجود ضرورة استراتيجية، فضلاً عن الفساد الناتج عن نقص الشفافية فيما يتعلق بواردات الأسلحة وبرامج التعويض. وكانت بعض العواقب شبه هزلية؛ فعلى سبيل المثال، تستخدم المملكة العربية السعودية حالياً تسعة أنواع مختلفة من البنادق في قواتها المسلحة، وبعضها غير قابل للتشغيل المتبادل، أي أن قطع الغيار تختلف من نوع إلى آخر. وهناك عواقب أخرى أكثر خطورة، مثل إعطاء الأولوية الخاطئة للقوة الجوية على حساب القدرات البحرية، مما أعاق حرية المملكة في التحرك في الخليج. وعلاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة، الشريك الدفاعي الرئيسي للمملكة وأكبر مورد لأنظمة الأمن في الرياض، تمتلك القاعدة الصناعية والتكنولوجية الدفاعية الوحيدة التي لا تعاني من عوائق اقتصادية تمنعها من تصدير أنظمتها. ويمكن لهذا الشريك الدفاعي الرئيسي أن يوقف تصدير الأنظمة التي تعتمد عليها المملكة بناءً على اعتبارات سياسية أو استراتيجية بحتة. وبالتوازي مع هذه الأخطاء الفادحة في تخصيص الموارد الاستراتيجية، فإن النظام البيئي المؤسسي للقوات المسلحة الملكية السعودية غير منظم، ويتسم بالتكرار المبالغ، ويفتقر بشكل خطير إلى الهيكل المتكامل للقيادة والسيطرة الضروري للحرب الشاملة. مثال على هذه الفوضى المؤسسية هو تشغيل المملكة العربية السعودية لجيش يضم 75 ألف رجل وحرس وطني يضم 100 ألف رجل، يتبعان لهيئتين تنفيذيتين مختلفتين “دون وجود مبرر واضح حالياً لتمويل كليهما”.

    تُعد معالجة نقاط الضعف والثغرات داخل قطاع الدفاع السعودي جانباً أساسياً، وإن كان يُتجاهل غالباً، في برنامج التنمية المميز للمملكة العربية السعودية، رؤية 2030. تسعى استراتيجية الرياض الشاملة لإعادة تشكيل قطاع الدفاع إلى تبسيط وظائف الأمن، وإدخال ‘الترابط’ في هيكل القيادة، وبناء قاعدة تكنولوجية وصناعية دفاعية محلية ومرنة لتقليل الاعتماد على الموردين الأجانب وتوليد فرص العمل. ومع ذلك، بعد مرور سبع سنوات على إطلاق رؤية 2030، لا تزال المملكة العربية السعودية بعيدة كل البعد عن المسار الصحيح لتحقيق أي من إصلاحاتها أو أهدافها المتعلقة بالدفاع والأمن. القوات المسلحة السعودية لم تدمج بعد في قيادة عمليات مشتركة، وصناعة الدفاع الناشئة بعيدة كل البعد عن القدرة على الاستجابة لـ 50% من الإنفاق الدفاعي للمملكة بحلول عام 2030. هذا الوضع يدعو إلى استكشاف العوامل السياسية والتاريخية التي أثرت في هيكل قطاع الدفاع السعودي، وكيف شكلت هذه العوامل جهود الإصلاح الدفاعي الحالية في المملكة ضمن إطار برنامج رؤية 2030 لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

    على الرغم من أن الأدبيات المتعلقة بقطاع الدفاع في المملكة العربية السعودية والإصلاحات المقترحة في إطار رؤية 2030 غنية نسبياً من حيث تحليلها التجريبي للهندسة المعمارية والتطور الملحوظ للقطاع، إلا أنها تفتقر إلى السياق التاريخي والنظري. تهدف هذه الورقة إلى وضع الأدبيات القائمة حول إصلاح قطاع الدفاع السعودي ضمن تحليل سياسي مقارن لبنية النظام في المملكة. أعتقد أن نظام توزيع السلطة في المملكة، بالإضافة إلى تصور النظام التاريخي للتهديدات التي تشكلها أجهزته الأمنية، قد أدى إلى إنشاء علاقات شخصية وشبكات غير رسمية قائمة على الأبوية (المحسوبية)، والتي أسفرت بدورها عن تطوير استراتيجيات لمنع الانقلابات. الهدف من هذا الإطار التحليلي هو دراسة الظروف والاعتبارات السياسية التي أثرت على بنية قطاع الدفاع في المملكة وكيفية استمرارها في تشكيل تطور إصلاحه في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة.

    تأمل هذه الورقة، من خلال تشريح النظام السياسي والعسكري للمملكة، أن تسلط الضوء على التحديات التي تواجه المملكة في تحقيق أهدافها الدفاعية والأمنية، وبالتالي المساعدة على توجيه الخطاب النظري والأيديولوجي الحالي حول سياسة الدفاع والأمن في المملكة العربية السعودية.

     

    لقراءة المزيد اضغط هنا

    هاشم شبر
    هاشم شبر
    هاشم شبر خريج مدرسة باريس للشؤون الدولية ومحلل دفاعي وأمن دولي ينشر في الشؤون الجيوسياسية والاقتصادية المتعلقة بمنطقة الخليج العربي بشكل عام والعراق بشكل خاص.