back to top
المزيد

    واحة البيان

    العراق والإسلام السياسي الجزء الرابع: الإسلام في الدستور الدائم ٢٠٠٥ ومشكلاته

    د. صلاح عبد الرزاق

    قضايا مثارة حول الدستور العراقي

    لم يكن السيد السيستاني لوحده قد أصدر فتوى بالتصويت بنعم على الدستور، بل شاركه مراجع آخرون هذا التوجه. فقد دعا المرجع الديني الشيخ محمد إسحق الفياض العراقيين إلى التصويت بنعم على الدستور من أجل (المحافظة على حقوقهم ولاستقرار الأمن). لكنه في الوقت نفسه (أبدى مخاوفه من أن تكون الفيدرالية فتنة تشق صفوف العراقيين)، مشيراً إلى (أنه مع الفيدرالية إذا كانت تحقق للعراقيين العدالة الاجتماعية وتحافظ على وحدتهم).[1] كما دعا الفياض خطباء المساجد إلى حث المواطنين على المشاركة الفاعلة في الاستفتاء على الدستور، والتصويت بنعم لأنه (يراعي حقوق طوائف الشعب العراقي كافة).[2]

    في 12 تشرين الأول 2005 أعلن السيد أحمد الصافي ممثل السيد السيستاني في بيان أعلن في وسائل الإعلام أن المرجع الأعلى أصدر فتوى (يوجب فيها على المؤمنين التصويت بنعم على الدستور). وجاء ذلك في نفس اليوم الذي أعلن فيه عن الاتفاق بين الكتل السياسية في الجمعية الوطنية على إجراء تعديلات في مسودة الدستور تلبية لمطالب السنة العرب الذين كانوا يرفضون التصويت على الدستور. وقد أقيم احتفال بهيج في الجمعية الوطنية بهذه المناسبة التي جمعت الأطراف العراقية كافة، ومنها السنة العرب ممثلين بالحزب الإسلامي العراقي الذي أعلن أنه سيصوت بنعم على الدستور. كما أعلن ديوان الوقف السني نفس الموقف.

    أثناء فترة كتابة الدستور كانت كثير من الأطراف السياسية والشعبية والفكرية والحكومية تزور السيد السيستاني للتعرف على رأيه بصدد بعض القضايا والإشكالات الواردة في المسودة.

    ففي 18 أيلول 2005 زار سماحته وفد من قيادة حزب الدعوة الإسلامية حيث طرح ثلاثة مواضيع:[3]

    أولاً: التصويت على مسودة الدستور، حيث صرح سماحته بأنه سيصوت بنعم على الدستور للأسباب التالية:

    • إن الظروف السياسية والأمنية والاستثنائية التي يمر بها العراق لا تسمح بتأخير إنجاز الدستور.
    • من أجل عبور المرحلة الحالية من العملية السياسية وصولاً إلى تحقيق الاستقرار في العراق.
    • لدفع الضرر، حيث يمكن بالدستور تحقيق ما يمكن تحقيقه في الوقت الحاضر.
    • لتحقيق مقدار من العدالة لجميع العراقيين، من خلال ما يضمنه من حقوق وحريات ومبادئ عادلة.
    • أن الكثير من مواد الدستور تتوافق مع مبادئ الإسلام بشكل إجمالي. وإن كان يرغب في ترسيخ أكبر لإسلامية الدولة ومنهجها ونظامها.

    ثانياً: قضية الفيدرالية، أبدى سماحته تفهماً عالياً لهذا المطلب الذي اتفق عليه الشيعة والكرد، وأهمية قيام أبناء المحافظة بإدارة شؤونهم بأنفسهم، وتقديم ما هو أفضل لمصلحتهم. وأبدى سماحته أنه يفضل عدم قيام أقاليم فيدرالية متعددة في الجنوب خشية حدوث صراعات ونزاعات تشق وحدة الصف وتضعف من أدائهم. وأن سماحته يفضل قيام وحدة فيدرالية واحدة تضم المحافظات الشيعية التسع في الجنوب والوسط.

    بعد إقرار مسدودة الدستور تم عرضه في وسائل الإعلام وفتحت أبواب المناقشات من قبل النخب المثقفة والخبراء في القانون والدستور والحقوقيون. كما تم توزيعه على المواطنين مع الحصة التموينية من قبل وكلاء الحصة للإطلاع عليه.

    التصويت على الدستور الدائم

    في 15 تشرين الأول 2005 تم التصويت على الدستور العراقي وهو الاقتراع الثاني بعد سقوط نظام صدام عام 2003. وهو أول وثيقة دستورية تقرها جمعية تأسيسية منتخبة واستفتاء وطني منذ عام 1924.

    كانت نسبة المشاركة 63% في الاستفتاء من عدد الناخبين البالغ 15 مليون نسمة، وصوت لصالح الدستور 78% من المشاركين. وكان على الدستور أن يعبر مادة دستورية تتضمن (أن أي ثلاث محافظات ترفض الدستور بنسبة الثلثين من سكانها، يعني سقوط الدستور). وكان بعض السنة الرافضين للتغيير أمثال حارث الضاري وقسم من الحزب الإسلامي العراقي قد أصدروا فتاوى بتحريم التصويت لصالح الدستور. واستجابت محافظتا صلاح الدين والأنبار حيث صوتتا ضده بنسبة 81% و96% على الترتيب. وكان يلزم رفض محافظة ثالثة وهي نينوى التي صوتت ضد الدستور بنسبة 45% وهي أقل من نسبة الثلثين المطلوبة لإسقاط الدستور. وكانت نسبة تأييد الشيعة والأكراد عالية فيها لصالح الدستور.

    بلغت نسب المصوتين لصالح الدستور في المحافظات: أربيل 99,36% ، الأنبار 3.04% ، بابل 94,56% ، بغداد 77,7% ، البصرة 96,02% ، كركوك 62,91% ، دهوك 99,13% ، ديالى 51,27 ، ذي قار 97,15% ، السليمانية 98,96% ، صلاح الدين 18,25% ، الديوانية 96,74% ، كربلاء 96.58% ، المثنى 98,65% ، ميسان 97,79% ، النجف 95,82% ، نينوى 44,92% ، واسط 95,7%

     الإسلام في دستور 2005

    يعد الدستور العراقي أول دستور توفيقي بين الإسلام والعلمانية، أو الإسلام والديمقراطية. فهو ليس دستوراً إسلامياً، ولا يؤسس لنظام إسلامي، بل هو دستور مدني يحترم الديانات وعلى رأسها الإسلام. كما يمنح الحقوق والحريات لجميع الأديان والمذاهب والقوميات بلا تمييز.

    تتناول المادة (2) من الدستور دور الإسلام في النظام الدستوري والسياسي والتشريعي الجديد. إذ تنص على:

    • الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع
    • لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام
    • لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية

    هذه المحددات أوجدت صعوبات وعراقيل في التشريعات القانونية لأسباب منها:

    • إذا كان الإسلام مصدر أساس للتشريع، فهل يجب وضع القوانين بالاستعانة بالفقهاء المسلمين أولاً، أو فيما بعد؟ ومن يحدد ذلك؟
    • الأساس يعني أن للإسلام دوراً أساس، وبقية المناهج التشريعية تأتي في المرتبة الثانية.
    • عدم سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. وهذا الشرط يبدو وهمياً لأنه لن يتحقق أبداً. إذ يبدأ الجدل ما هي الثوابت في الإسلام؟ هل هي العقائد أو التعاليم أو المعاملات؟
    • أما أحكام الإسلام فوفق أي مدرسة إسلامية أو أي مذهب إسلامي؟ وذلك لوجود عدة مذاهب إسلامية أهمها في العراق هي الشيعة الإثنى عشرية والسنة الحنفية والشافعية. وبذلك لن توجد أحكام شرعية متفق عليها لتكون مرجعاً للدستور.
    • أما عدم سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية فهو أيضاً لا يخلو من غموض. فما هي مبادئ الديمقراطية؟ ووفق أية ديمقراطية؟ هل هي الانتخابات وحرية التعبير؟ أم النظام البرلماني أو الرئاسي؟ أو الحريات الشخصية والحقوق الإنسانية؟ وهل هي حرية الملابس والسلوك وتسريحة الشعر والاختلاط وارتداء ملابس السباحة، وشرب الخمور والرقص وغيره؟ وهل هذه الأمور بلا ضوابط وقيود في الدول الديمقراطية كي يتم اعتبارها قدوة وعدم تعارض القوانين معها؟

    مستقبل الإسلام في التشريعات العراقية

    إن اتخاذ الشريعة الإسلامية مصدر أساس للتشريع العراقي لن يخلو من إشكالات مثل:

    • قد تبقى النصوص الدستورية حبراً على ورق دون أن تجد لها فرصة التحقق على الصعيد العملي. إذ ما تزال كثير من الدساتير العربية والإسلامية تنص عليها لكن الأنظمة الحاكمة أفرغتها من مضمونها ومحتواها بحيث بقيت مجرد إشارة عابرة تضفي الشرعية على الأنظمة العلمانية التي ما فتئت تسن تشريعات بعيدة عن الإسلام والشريعة الإسلامية نصاً وروحاً. نذكر على سبيل المثال الدستور العراقي المؤقت الذي أصدره حزب البعث عام 1968 حيث تنص المادة (4) على أن (الإسلام دين الدولة والقاعدة الأساسية لدستورها)، بينما شهد العراق خلال فترة حزب البعث أكبر عدد من القوانين والقرارات المخالفة للشريعة الإسلامية.
    • هناك جماعات علمانية أو ليبرالية لا تريد للشريعة أن تلعب دوراً هاماً في الحياة العامة والتشريعات والقوانين، لأنها تريد الفصل بين الدين والدولة. وقد تضغط هذه الجماعات وبتأييد خارجي على تحديد مساحة الإسلام ليقتصر على قانون الأحوال الشخصية فقط، أي قضايا الزواج والطلاق، والحضانة، والنفقة والمواريث. هذا مع العلم أن بعض الحركات النسائية تطالب بتعديل هذا القانون أو إلغاء مواد فيه ذات صبغة إسلامية واضحة كتعدد الزوجات.
    • أن أحكام الشريعة الإسلامية ليست مقننة بعد بدرجة يمكن معها للقاضي والمستشار القانوني الرجوع إليها، بل عليه أن يراجع العشرات من المصنفات الفقهية والمؤلفات القديمة والحديثة ليجد ضالته. وهذا أمر متعسر وغير واقعي.
    • اختلاف المذاهب سيفتح باب الخلاف الفقهي والقانوني في كل مسألة أو مسودة قانون أو تشريع. وبدون وضع آلية أو تشكيل مؤسسة فقهية-دستورية تتولى هذا الأمر ستواجه الدولة والحكومة والمؤسسات الدستورية والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مشاكل عويصة.
    • اختلاف الاجتهادات والرؤى بين التيارات الإسلامية من أصوليين ومعتدلين ومتطرفين ومتصوفة ومتشددين، أو بين أصحاب النظرة التقليدية وأصحاب النظرة التجديدية للدين، سيؤدي إلى حدوث نزاعات وصراعات بين الإسلاميين أنفسهم، هذا إذا أضفنا إليه الاختلاف المذهبي بين السنة والشيعة. فأي اجتهاد سيجري الأخذ به؟ وفتاوى أي فقيه سيجري إتباعها؟
    • الاختلاف الإيديولوجي والسياسي بين التيارات والأحزاب والمنظمات الإسلامية والعلمانية سيجد له في قضية تطبيق الشريعة الإسلامية ساحة واسعة للصراع والتجاذب. الأمر الذي سيثير نزاعات واستقطابات سياسية وطائفية تؤثر على تماسك المجتمع العراقي.
    • هل سيسري مبدأي (الإسلام مصدر أساس للتشريع) ومبدأ (عدم مخالفة القانون لأحكام الشريعة) على الدستور نفسه؟ أي بمعنى آخر: هل أن جميع مبادئ وأسس ومفردات المواد الواردة في الدستور خاضعة لضابطة الشريعة، أي لا تتناقض معها؟ وهذا يشمل جميع أبواب الدستور مثل شكل نظام الحكم (رئاسي أم برلماني)، حدود الحريات العامة والخاصة، الواجبات، صلاحيات رئيس السلطة التنفيذية، التعددية الحزبية، نظام الانتخابات، النظام الفيدرالي، صلاحيات الحكومات المحلية، حقوق الأقليات، حقوق المرأة وغيرها. فإذا كان هذان المبدآن يسريان على الدستور نفسه، فيجب أن يجري تأصيل جميع مفردات الدستور فقهياً وشرعياً، كي لا يكون الدستور أول من يخالف المبدأين المذكورين.

    حرية الطوائف غير المسلمة في الدستور

    تنص المادة (2- ثانياً) على أن: ((يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والأيزديين والصابئة المندائيين)).  إن هذا النص يعني أن الأديان غير الإسلامية وأتباعها تتمتع بالحريات الدينية والعامة التي يضمنها الدستور والقوانين العراقية السارية. وتتمثل هذه الحريات بما يلي:

    • ممارسة العبادات والطقوس والشعائر الخاصة بكل طائفة دينية أو معتقد.
    • إنشاء الكنائس والمعابد الخاصة بكل طائفة، وحصولها على أية إعفاءات أو امتيازات تمنح للمساجد والحسينيات، سواء في التشييد، أو الاعمار، أو الصيانة أو التوسعة أو توفير الخدمات لها.
    • تمتع أتباع هذه الطوائف بالعطل الدينية الخاصة بكل طائفة.
    • يتمتع أتباع هذه الطوائف بجميع الحقوق الواجبات التي توجبها القوانين العراقية بلا تمييز.
    • استلام أتباع هذه الطوائف للمناصب العليا في الدولة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وغيرها دون تمييز، إلا إذا اشترط في الوظيفة شرط الإسلام، مثلاً قضاة المحاكم الإسلامية أو رئاسة دواوين الأوقاف الإسلامية أو تولية العتبات المقدسة.
    • استخدام أتباع هذه الطوائف لغاتها الخاصة في ثقافتها ومطبوعاتها ووسائل إعلامها. كما تنص بذلك المادة (4-أولاً) من الدستور.
    • تأسيس مدارس ونوادي وجمعيات خاصة بها، تمارس فيها ثقافتها وتستخدم فيها لغاتها.
    • تأسيس محاكم خاصة بالأحوال الشخصية لهذه الطوائف، يراجعها أتباعها طواعية.
    • وجوب احترام العقائد والمقدسات والكتب والرموز والشخصيات الدينية لهذه الطوائف.
    • يلتزم أتباع هذه الطوائف بالقوانين والتعليمات الصادرة من السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية، وإن كانت ذات صبغة إسلامية، مثلاً عدم الإفطار العلني في شهر رمضان، أو تناول الخمر في أماكن ممنوعة.

    التكفير في الدستور العراقي

    لأول مرة يتحدث دستور عراقي عن ظاهرة تكفير الآخر فيمنعه بشكل جذري. والتكفير هو اتهام الآخر بأنه كافر. وهي ظاهرة لا تقتصر على المسلمين فقط رغم أنها التصقت بالحركات الإسلامية الراديكالية المتطرفة. والاتهام بالكفر ليس جديداً في المجتمع الإسلامي، بل ظهر في صدر الإسلام. وتعرض الكثير من الصحابة والناس للاتهام بالكفر لأنهم اختلفوا مع السلطات الحاكمة أو الخليفة. كما قام بعض العلماء بإصدار فتاوى يكفّرون فيها خصومهم وإن كانوا مسلمين.

    وللكفر عقوبتان: دنيوية وهي القتل عند هذه الجماعات، وأخروية بعد يوم القيامة حيث يتعرض الكافر لعقوبة إلهية.

    إذ تجد الجماعات التكفيرية أنها مسؤولة أو من وظيفتها قتل الكافر. وهذا أخطر ما في هذا الاتهام. ومنه أخذت الجماعات الإسلامية المتطرفة إصدار فتاواها وأوامرها بقتل هذا الكاتب أو ذلك المفكر أو إهدار دم كل من يخالفها في مواقفها أو اجتهادها أو في تفسيرها لبعض الأحكام الإسلامية. كما اتسع نطاق التكفير ليشمل أتباع مذاهب معينة كالشيعة أو سكان منطقة أو مدينة. وبذلك تمت استباحة مجتمعات كبيرة تُعد بملايين البشر، وتم قتلهم بكل الوسائل الوحشية كالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والاغتيال والذبح بالسيف والسكين والحرق والإغراق أحياء. كما شهدت بعض المناطق سبي النساء والأطفال وبيعهم في أسواق النخاسة. وهذا ما فعله تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق تجاه التركمان الشيعة والإيزديين حيث تعرضت النساء السبيات للاغتصاب الجماعي ثم القتل حرقاً بالنسبة للشيعيات والبيع بثمن بخس بالنسبة للإيزديات. ومارست داعش ومن قبلها القاعدة، وجبهة النصرة وغيرها، مارست التطهير الطائفي وقتل الإنسان الشيعي بناء على هويته وانتمائه المذهبي فقط.

    تتضمن المادة (7) من الدستور حظراً تاماً لكل من:

    • العنصرية
    • الإرهاب
    • التكفير
    • التطهير الطائفي.

    هذا الحظر لا يقتصر على ارتكاب هذه الأفعال، بل يشمل الأقوال والمنشورات والمطبوعات في كل الوسائل المعروفة. كما يشمل منع تشكيل أي كيان، أو حزب أو جمعية أو منظمة أو حركة تدعو لواحد من هذه الأفعال والأقوال، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو غيرها.

    العتبات المقدسة في الدستور

    تعد العتبات المقدسة وأضرحة الأئمة (ع) والأولياء من الأماكن المقدسة لدى المسلمين في العراق شيعة وسنة وغير المسلمين. إذ يحتضن العراق العديد من هذه المراقد وعلى مدى التاريخ التي تحظى باحترام وتبجيل أتباعها. وقد تعرضت في زمن نظام البعث (1968-2003) إلى التدمير والغلق والهدم الجزئي والكلي وخاصة في كربلاء إبان الانتفاضة الشعبانية في آذار 1991 من قبل القوات الحكومية آنذاك. وبعد 2003 تعرضت العتبات المقدسة والمساجد الشيعية والحسينيات والكنائس إلى عمليات إرهابية من قبل القاعدة وداعش. وبعد احتلال الموصل في ١٠ حزيران ٢٠١٤ من قبل داعش تم تهديم عدد من المساجد والمراقد بالمواد المتفجرة مثل مرقد النبي يونس، إضافة إلى تدمير العديد من الكنائس المسيحية.

    تضمن المادة (10) من الدستور التزام الدولة بحرمتها وضمان الشعائر الدينية فيها، بلا ضغط ولا إكراه أو منع أو تدخل فيها. إذ تنص على أن ((العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها)). فهي تضمن حماية الأبنية أولاً، وحرية إقامة الصلوات والقداسات والأذان وقرع الأجراس وممارسة الطقوس الدينية والمذهبية فيها.

    الشعائر الدينية وحرية العبادة

    خلال عهود طويلة بقيت ممارسة الشعائر الدينية وخاصة الشعائر الحسينية الشيعية تواجه عراقيل وصعوبات ومنع من السلطات الحاكمة. ومنذ مجيء حزب البعث إلى السلطة عام 1968 اتخذ منهجاً منتظماً في محاربة الشعائر الحسينية التي تقام عادة في شهري محرم وصفر من كل عام. ووصل الأمر إلى محاربة من يمارسها ويتعرض للاعتقال، بل وحتى الاعدام. ففي عام 1977 تعرض الزوار المشاة المتوجهين من النجف إلى كربلاء في مراسم زيارة الأربعين في 20 صفر، إلى سجن المئات ومنهم وإعدام 18 شهيداً تم الحكم عليهم من قبل محكمة صورية.

    كما منع النظام البعثي إقامة المواكب التي تقدم الطعام للزوار، ومنع طبخ الطعام وتوزيعه في المحلات السكنية والأماكن العامة. ووصل الأمر إلى التجسس على البيوت والمساجد والحسينيات خشية إقامة شعائر حسينية. ويتعرض أي شخص للسجن والتعذيب وربما الموت بسبب مخالفته لأوامر السلطة.

    بعد سقوط النظام شعر الشيعة بالخوف من عودة تلك الأيام، أو من مجيء حاكم يمنع الشعائر الحسينية. لذلك أصروا على إدراجها في الدستور باسمها أي (الشعائر الحسينية). إذ وردت في المادة (43- أ): ((ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية)).

    ورافق مناقشة هذه المادة في لجنة تدوين الدستور آنذاك اعتراضات على ذكر كلمة (الحسينية). وقالوا بأن كلمة شعائر كافية وتتضمن جميع الشعائر الحسينية وغير الحسينية، بل وغير الإسلامية. لكن الأعضاء الشيعة أصروا على ذكر وصف (الحسينية) للشعائر كي لا يأتي أحد في يوم من يجتهد ويقول أن الشعائر الحسينية ليست سوى بدع وخرافات، فهي ليست شعائر، فيقوم بمنعها. وهنا يأتي الدستور ليكون الفيصل في ذلك.

    ويضمن الدستور الحريات الدينية والعبادة لكل الأديان والمذاهب والطوائف بلا استثناء. كما يضمن حماية أماكن العبادة كالجوامع والحسينيات والكنائس والأديرة ومعابد الصابئة المندائية والإيزيدية وغيرها. إذ نصت المادة (43- ثانياً): ((تكفل الدولة حرية العبادة وحماية أماكنها))

    العطل الدينية والمذهبية

    من القضايا ذات العلاقة بالأديان والمذاهب هي العطل الدينية والمذهبية. وقد درجت الحكومات العراقية السابقة منذ تأسيس الدولة العراقية على اتخاذ بعض العطل الرسمية ذات العلاقة بالدين، إضافة إلى العطل الوطنية ذات العلاقة بمناسبة سياسية.

    وكانت العطل الدينية تتمثل في:

    • أول يوم من السنة الميلادية
    • أول يوم من السنة الهجرية
    • أول يوم من السنة الكردية (نوروز)
    • العاشر من محرم
    • عيد الفطر
    • عيد الأضحى
    • الأعياد الخاصة باليهود والمسيحيين والصابئة

    بعد سقوط النظام في 2003 تنفس الشيعة الصعداء، وصاروا يمارسون شعائرهم بكل حرية. علماً أن بعض العطل يمتد لعدة أيام تعطل فيها الدوائر الحكومية، والجامعات، والمدارس، والأسواق. كما تشهد الشوارع والطرق الخارجية ازدحامات واسعة تعيق حركة البضائع والمسافرين. لقد جرت المبالغة في هذه الطقوس، بعضها يؤدي إلى تعطيل الحياة العامة ومصالح الناس والمراجعين وتأخير معاملاتهم، والتأثير على دراسة الطلاب في المدارس. وصارت بعض المحافظات تعلن عن تعطيل الدوام في بعض المناسبات الدينية مثل زيارة الأربعين أو عيد الغدير أو زيارة رجب.

    كما أخذت الحكومة العراقية تعلن تعطيل أعياد الفطر والأضحى حتى يصل إلى أسبوع. إذ تبدأ العطلة مثلاً بأول يوم عيد يعلن عنه الوقف السني، لتنتهي بآخر يوم من أيام العيد حسب مكتب المرجع السيد السيستاني. وهي محاولة إدارية لاستيعاب الفارق بين توقيت السنة والشيعة في العيد.

    ولذلك صار التوجه نحو سن تشريع ينظم العطل الرسمية. وتم تقديم مشروع إلى لجنة الأوقاف في مجلس النواب العراقي منذ عشر سنوات. ولم يتم تقديمه للمناقشة والمصادقة من قبل النواب إلا في وقت قريب.

    في لجنة الأوقاف تم الاتفاق على عدد من العطلات الرسمية لكل الدولة وهي:

    • الجمعة والسبت من كل أسبوع.
    • الأول من شهر محرم رأس السنة الهجرية (وبحسب التقويم السني).
    • العاشر من شهر محرم يوم عاشوراء (وبحسب التقويم الشيعي)
    • 12 ربيع الأول (المولد النبوي الشريف ، حسب الرواية السنية لأن الشيعة يرون المولد النبوي الشريف في 17 ربيع الأول).
    • من الأول إلى الثالث من شوال (عيد الفطر المبارك).
    • من العاشر إلى الثالث عشر ذو الحجة) عيد الأضحى المبارك(
    • الأول من شهر كانون الثاني (رأس السنة الميلادية)
    •  السادس من شهر كانون الثاني (عيد الجيش)
    •   الحادي والعشرون من شهر آذار (عيد نوروز) (عيد كردي)
    •  الأول من شهر أيار (عيد العمال)
    • الثالث من تشرين الأول (يوم الاستقلال عام 1932، الذي يعتبر العيد الوطني لجمهورية العراق).
    • وقد قام البرلمان العراقي بالتصويت على عطلة عيد الغدير (١٨ ذي الحجة) عطلة رسمية.

    العطل الرسمية للطائفة المسيحية:

    -الخامس والعشرون من كانون الأول (عيد الميلاد)

    -يومان في العيد الكبير

    العطل الرسمية للطائفة اليهودية (سابقاً):

    -يوم الكفارة.

    -يومان في عيد الفصح.

    -أربعة أيام في عيد المظلة.

    العطل الرسمية للصابئة المندائية:  

    -الخامس والسادس من شهر نيسان (عيد البنجا).

    -السابع من شهر آب (العيد الكبير).

    -يوم الثالث من تشرين الثاني (العيد الصغير).

    -يوم عيد وحدة لامافا.

    العطل الرسمية للطائفة الايزيدية:

    -يوم الجمعة الأول من شهر كانون الأول.

    -يوم الأربعاء الأول من شهر نيسان الشرقي.

    -من الثالث والعشرين إلى الثلاثين من شهر أيلول الشرقي.

    -يوم الثامن عشر من شهر تموز الشرقي.

    حدث نقاش ومعارضة واضحة عندما طلب النواب الشيعة إضافة (عيد الغدير) الموافق للثامن عشر من شهر ذي الحجة واعتباره عطلة رسمية. إذ اعترض النواب السنة الذين اعتبروه تكريساً لخلافة الإمام علي (ع) من قبل الرسول (ص). في حين هم يعدون اختيار الخليفة أبو بكر الصديق هو الموقف التاريخي الذي يتبناه أهل السنة. وعندما أصر النواب الشيعة، طرح السنة مقترحاً يتم فيه منح عطلة رسمية بمناسبة حدوث سقيفة بني ساعدة التي تم فيها اختيار الخليفة الأول عام 10 للهجرة. وبذلك وصل مشروع قانون العطل إلى نفق مسدود. وفي عام ٢٠٢٤ تم إقرار عيد الغدير عطلة رسمية في مجلس النواب العراقي.

    لعل الإصرار على جعل العطل الدينية والمذهبية عطلات رسمية تعطل فيها الدولة جعل من الصعب الوصول إلى اتفاق، نظراً لحساسية القضايا المذهبية. علماً بأن هناك مقترح يقتضي بإعطاء إعلان العطلة من صلاحيات مجلس المحافظة. فالمجلس هو الذي يقرر نوع العطلات ومدتها وحسب ظروف كل محافظة وتنوعها السكاني والمذهبي. وبذلك لن يكون سكان محافظة أخرى مجبرين على عطلة لا يريدونها أو لا تتفق مع عقائدهم.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    [1]  صحيفة (المؤتمر) / العدد: 910 ، الصادر في 4/9/2005

    [2]  صحيفة (الصباح) / العدد: 661 الصادر في 24/9/2005

    [3]  نقل لي ذلك أحد قياديي حزب الدعوة الإسلامية ممن حضروا اللقاء المذكور.

    اقرأ ايضاً