عماد كريم – باحث
أصدر البنك المركزي العراقي توجيها للمصارف وشركات الصرافة المعتمدة، تحت رقم 9/8/8913 في 31/7/2024 يقرر فيه منع اعتماد تذاكر السفر للمسافرين من الشركات المعاقبة محليا ودوليا.
ويبدو هذا القرار جزءا من إجراءات تهدف إلى الحد من غسل الأموال ومنع تهريب العملة الصعبة الى الخارج. رغم أن هذا القرار يبدو في ظاهره خطوة إيجابية لتعزيز نزاهة النظام المالي العراقي، إلا أن المتمعن فيه بسهوله يمكنه إدراك ان هذا التوجيه سلبي ولا متضرر فيه سوى المسافرين العراقيين!
وتتضح الصورة أكثر اذا ادركنا ان حصول المواطنين على الدولار لا يقتصر فقط على الحصول على تذكرة السفر، وانما يشترط فيه الخروج من منافذ حدودية محددة، واجتياز (البوردينغ كارد) والوصول الى صالة الخروج في المطارات، ومن ثم ابراز الوثائق شخصيا وتسجيلها ثم الحصول على الدولار. بمعنى ان المصارف وشركات الصيرفة التي كانت تعتمد تذاكر سفر مزيفة وحصلت على مئات ملايين الدولارات في السابق دون وجه حق، والتي لم يتم معاقبتها من قبل المركزي، لم تعد بإمكانها اليوم اعتماد الأسلوب ذاته.
بمعنى آخر ان توجيه البنك المركزي الجديد لا مستهدف فيه سوى المواطن المسافر، الذي يسافر على متن شركة طيران مرخصة محليا، لكن مقيدة دوليا لأسباب لا نعرف قانونيتها، اذ لم تتخذ السلطات العراقية على سبيل المثال اجراء قضائيا بحقها، هذا المسافر بالضبط عليه ان يدفع ثمن ضعف البنك المركزي وارتجالية قراراته لا غير.
إن الجهات المعاقبة محليا ودوليا عليها ان تدفع ثمن مخالفاتها، لكن لا ينبغي ان يكون الامر سائبا، اذ ليس من المعقول وضع هذه الشركات في القوائم السوداء، دون ان نرى ملاحقة قضائية او منع من العمل، ومرور أشهر وسنوات طويلة على وضع هذه الشركات في قوائم المنع، دون فتح ملفات قضائية، يضع الامر في خانة المحاربة الكيدية لهذه الشركات.
فضلا عن كل ذلك فإن منع الشركات والبنوك المحلية من التعامل بالدولار دون وجه قانوني، وبإجراءات إدارية غير محددة بسقف زمني، يؤثر على العمليات التجارية والاقتصادية لشركات ومصارف لها حصة مهمة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. في الوقت الذي تسعى الحكومة العراقية جاهدة الى توسيع نسبة القطاع الخاص من الناتج المحلي، وخلق فرص عمل جديدة، وتنشيط الاقتصاد بعيدا عن القطاع العام. فهل البنك المركزي العراقي مدرك للتداعيات الكبيرة في قراراته هذه؟
إن مثل هذه القرارات الضاغطة على الشركات سيؤدي حتما الى تآكل ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بالاقتصاد العراقي، خاصةً إذا كانت هناك شركات وبنوك تعتبر أن هذه العقوبات غير مبررة أو متحيزة. فعدم الشفافية والعدالة في تطبيق العقوبات قد يضر بسمعة القطاع المصرفي العراقي على المدى الطويل، مما يضعف فرص الاستثمار والنمو الاقتصادي.
فضلا عن كل ذلك فقد أظهرت السلطات النقدي في البلاد ازدواجية في التعامل مع المصارف الأهلية، فبينما تتعرض بعض البنوك المحلية لعقوبات صارمة، يتم التغاضي عن مخالفات مشابهة لبنوك أخرى ترتبط بمصالح سياسية أو اقتصادية معينة، او حتى بجهات خارجية مستثمرة. هذه الازدواجية في تطبيق العقوبات تخلق بيئة عمل غير عادلة وغير مستقرة، مما يفاقم من حالة عدم اليقين بين المؤسسات المالية.
ومن الواضح أن البنك المركزي العراقي لم يأخذ بعين الاعتبار بعض الجوانب القانونية الهامة عند إصدار هذا قرارات التقييد والمنع منها:
1- مبدأ التناسب: اذ يجب أن تكون العقوبات متناسبة مع المخالفات المرتكبة. ففرض حظر شامل على التعامل بالدولار قد يكون إجراءً مبالغاً فيه ويضر بالشركات بشكل غير مبرر.
2-حق الاستئناف: اذ يجب أن يكون للشركات والبنوك المتضررة الحق في الطعن على القرارات والعقوبات المفروضة عليها، لضمان تحقيق العدالة والشفافية.
3-الإجراءات الوقائية: اذ قبل فرض العقوبات، يجب على البنك المركزي تقديم إنذارات وتوجيهات للشركات والبنوك لتصحيح مسارها، بدلاً من اللجوء إلى العقوبات الفورية.
لذلك ولغير أسباب ايضا، من الضروري مراجعة هذا القرار وإدخال تحسينات تضمن تحقيق أهدافه دون الإضرار بالاقتصاد المحلي ومصالح الشركات والبنوك المتضررة.