جيهان إبراهيم – باحثة في الاقتصاد
منذ تكليفه بإدارة البنك المركزي العراقي، واجه علي العلاق تحديات اقتصادية كبيرة. الأزمات المتعددة التي تواجه الاقتصاد العراقي، والأوضاع المتقلبة دوليا وإقليميا، والأزمات السياسية داخليا، والضعف الموروث في أداء البنك المركزي جعلت من إدارة البنك المركزي مهمة صعبة ومعقدة.
ومن التحديات التي واجهت إدارة البنك المركزي هي تقلبات سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي. فخضوع البنك للإرادة السياسية وتغيرات سعر الصرف الاوامرية بغض النظر عن أداء الاقتصاد العراقي الكلي كان له أثر واضح على القوة الشرائية للمواطنين واستقرار الاقتصاد العراقي. ورغم اوامرية التنفيذ الا ان البنك المركزي فشل في السيطرة على السوق الموازي لأسعار الصرف اذ بقيت أسعار العملة فيها تتجاوز السعر الرسمي بأرقام مقلقة دون ان يبادر البنك المركزي بالتوضيح او الاجراء اللازم.
وإذا بقيت الاحتياطيات الأجنبية بوصفها أحد مؤشرات الأداء الرئيسية للبنك المركزي مستقرة نوعا ما ضمن إدارة البنك المركزي الا ان ذلك لم يكن بفعل حسن إدارة البنك لهذه الاحتياطيات بقدر اثر أسعار النفط والذهب الدولية، فيما فشل البنك المركزي حتى اللحظة من اللحاق بركب دول العالم في اصدار العملة الرقمية والمشفرة، او إدارة هذا الصنف من الاحتياطيات والعملة.
أضف الى كل ذلك تعامل البنك المركزي في الإدارة الحالية مع المصارف الأهلية بشكل متباين، حيث شهدت هذه المصارف تبايناً كبيراً في تطبيق السياسات والقرارات المتعلقة بها. هذا التعامل الازدواجي أثر سلباً على الثقة في النظام المصرفي وأدى إلى تفاوت في تقديم الخدمات المصرفية. فالأرقام الرسمية (التي لم تعد تنشر من قبل البنك المركزي!) اشارت الى تعامل مزدوج مع المصارف الاهلية ذات رؤوس أموال اجنبية قياسا بالمصارف الاهلية العراقية، في مبيعات الدولار وتحويلات العملة، ما انعكس مليارات الدنانير أرباحا لصالح جهات دون أخرى. فتشير التقارير إلى أن بعض المصارف الأهلية حصلت على امتيازات خاصة وتساهلات في تطبيق اللوائح التنظيمية، بينما واجهت مصارف أخرى رقابة مشددة وعقوبات مالية.
ولم يقتصر الامر عن هذا الحد، فقد أظهر البنك المركزي ضعفاً في التعامل مع العقوبات الأمريكية المفروضة على الشركات والمصارف العراقية. هذا الضعف أثر بشكل كبير على قدرة العراق على إدارة اقتصاده واستقراره المالي. فقد خضعت إدارة البنك المركزي للعقوبات الامريكية دون وجود ادلة واضحة تكون قادرة بموجبها اتخاذ إجراءات قانونية قضائية بحق المصارف والشركات. فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 14 مصرفًا عراقيًا بتهمة الضلوع في عمليات تهريب وغسل الأموال، مما أثر سلباً على سمعة النظام المصرفي العراقي وأدى إلى تزايد الضغوط المالية على البلاد، بما في ذلك على البنك المركزي نفسه، الذي فشل في تقديم استجابات فعالة للتخفيف من آثار هذه العقوبات. علما بأن اتهام العراق بتعامل المصارف والشركات المعاقبة مع بلدان محظورة، لم يشمل بلدان أخرى مثل الامارات وبريطانيا وماليزيا التي اشارت تقارير دولية بأنها تتعامل مع ذات البلدان المحظورة!، ما يعكس فشل إدارة البنك المركزي في إدارة هذا الملف ومواجهة الطرف الأمريكي بهذه الحقائق. وفضلا عن كل ذلك، فإن العقوبات الامريكية لا تعني بالضرورة ان يتخذ البنك المركزي إجراءات اشد بحق الشركات والمصارف على طريقة (ملكيين أكثر من الملك!)، لكن هذا الامر وقع بالفعل في إدارة البنك المركزي العراقي!
وفي ملف الشمول المالي وتحسين أداء القطاع المصرفي العراقي، يتذكر المعنيون ان البنك المركزي طيلة سنوات طويلة كانت له خططا واعلانات وبيانات متعددة في زمن إدارة السيد العلاق في الدورة الأولى، لكن من دون ان ينجح البنك في اتخاذ خطوة حقيقية بهذا الشأن. ولو لا الإصرار والإرادة السياسية التي فرضها السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بهذا الخصوص، لما تمكن العراق من تحقيق طفرة نوعية في هذا الملف باتجاه الدفع الالكتروني العام من قبل المواطنين. وما يزال البنك المركزي بإدارة السيد العلاق في دورته الثانية عجز عن الربط الالكتروني المتكامل بين المصارف، وتوحيد الإجراءات الالكترونية ضمن المؤسسات التابعة له.
وفي الختام من المطلوب من قبل القوى السياسية والمعنيين بالملف الاقتصادي التفكير جديا بتغيير إدارة البنك المركزي العراقي تكون قادرة على التعامل دوليا، وحماية الاقتصاد العراقي من المؤثرات الخارجية، واتخاذ إجراءات حقيقية من اجل تعزيز الشفافية، وتطوير البنية التحتية، واستثمار التكنولوجيا الحديثة في القطاع النقدي والمالي في العراق.