عادل الجبوري / كاتب وصحفي عراقي
   بالتزامن مع الجدل والسجال المحتدم في داخل الاوساط والمحافل السياسية والبرلمانية العراقية حول اصدار قانون العفو العام، الذي من الممكن ان يشمل –في حال تم اقراره من قبل البرلمان-مئات الارهابيين المنتمين لتنظيم داعش الارهابي، اصدرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من قبل الولايات المتحدة الاميركية، والمسيطرة على مساحات غير قليلة من شمال شرق سوريا، عفواً أطلقت بموجبه سراح حوالي اربعمائة ارهابي من داعش.
   وبصرف النظر عن ذلك التزامن، وفيما إذا كان مصادفة ام محسوب ومخطط له، فإنه من الطبيعي ان يثير الكثير من المخاوف والهواجس من تكرار مشاهد وسيناريوهات سابقة نجحت عصابات داعش من خلالها باجتياح مدن ومناطق عديدة في العراق وسوريا.
   فإطلاق سراح مئات الارهابيين الدواعش في سوريا، بمباركة اميركية غير مباشرة ولا معلنة، والضغط باتجاه اقرار قانون العفو العام في العراق، يعني فيما يعنيه، جزءا من مساعي ومحاولات اطراف خارجية-وربما داخلية ايضا-لإعادة خلط الاوراق وارباك الاوضاع من جديد، وإلا كيف نفسر مغادرة اعداد كبيرة من الارهابيين للسجون، فهؤلاء الذين تمرسوا على الاجرام والارهاب، لن يتجهوا بعد اطلاق سراحهم الى ممارسة الحياة الطبيعية، بل انهم سيجدون انفسهم -مرغمين او مختارين-في لجّة اجواء ومناخات النشاطات والاعمال الارهابية من جديد.
   والملفت بحسب التقارير المتداولة هو، ان غالبية الإرهابيين المفرج عنهم من قبل (قسد)، يحملون الجنسية العراقية، وهم من قادة الخط الاول لتنظيم داعش الإرهابي، ممن أُسِروا واستسلموا أو تم استلامهم من قبل الأمريكان.
   وتؤكد التقارير، بأن هناك مؤشرات تفيد بوجود تفاهم تحت الطاولة بين الجانب الأميركي و”قسد” بهذا الخصوص، علما ان تركيا قد لا تكون بعيدة عن هذه “الصفقة” المريبة، رغم تقاطعها مع (قسد)، لأنه ربما وعدتها الولايات المتحدة الاميركية، بأن احدى مهام الارهابيين المطلق سراحهم، سيتمثل بمحاربة حزب العمال الكردستاني التركي المعارض (P.K.K)، المتواجد على الارضي العراقية، وتحديدا في قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى.
   وفي حال حصل ذلك، فهذا يعني ان المناطق الممتدة على طول الحدود العراقية-السورية، ستكون عرضة للاضطراب والفوضى الامنية، ناهيك عن مدن ومناطق اخرى في عمق الجغرافية العراقية.
   ومن هنا راحت التحذيرات تتوالى، فهذا عضو مجلس محافظة الانبار سعد غازي المحمدي، يشير الى استنفار القوات الأمنية لإمكانياتها على الحدود العراقية السورية، بعد ساعات من إطلاق قوات قسد السورية سراح الإرهابيين على الحدود، مشيرا الى “ان هذا الاستنفار يراد منه منع تسلل بعض من هؤلاء الإرهابيين الى محافظة الانبار والقيام بعمليات ارهابية”.
   وعبر المحمدي عن تخوفه من سيناريو إرهابي اميركي مقبل.
   وفي ذات السياق، يشير القيادي في تحالف الانبار المتحد، محمد ضاري الدليمي الى “ان منطقة المثلث العراقي السوري التركي التي أطلق فيها سراح الإرهابيين من قبل قوات قسد السورية، من أخطر المناطق، وهي لا زالت بيئة غير امنة تحتضن الكثير من الخلايا الارهابية النائمة النشطة الفاعلة. وان إطلاق سراح مجموعة كبيرة من ارهابيي داعش من سجن غويران المركزي في الحسكة ما هو الا صفقة لحدث يلوح في الافق تقوده اميركا، يمكن ان يخلق حالة من عدم الاستقرار في العراق وسوريا”.
   بيد ان امام وخطيب جمعة الفلوجة، الشيخ ناجي الزوبعي، ذهب الى ابعد من ذلك، حينما حذر من تداعيات التدخلات الاميركية بالشأن الداخلي للعراق، واصفا العراق بأنه “بلد ذو سيادة وليس ولاية تابعة لأميركا واذنابها”.
  وقال الشيخ الزوبعي، “ان اميركا تحاول وبشتى الوسائل رسم خارطة للعراق على مقاستها لإدارة البلد، وهذا ما تم رفضه منذ أكثر من عشرين عاما من قبل مكونات الشعب الذي ابتلى بسياسة رعناء مبينة على اشاعة الارهاب والاقتتال، ونهب ثروات البلد والتحكم بموارده، بطريقة افقدت البلد الشيء الكثير من مقوماته امام هذه السياسة، التي فشلت فشلا ذريعا واصبحت مرفوضة من الجميع”. مضيفا، “ان كافة المشاكل التي يوجهها البلد هي بسبب التدخلات الاميركية بالشأن الداخلي، حيث ان اميركا تتدخل حتى في تشريع القوانين، وتحاول وبشتى الوسائل تنصيب نفسها بأنها المدافع عن الشعب العراقي، وهي شعارات مزيفة اتضحت ملامحها امام الجميع”.
   ولاشك ان الولايات المتحدة الاميركية، اذا ارادت التدخل والحضور بدرجة اكبر، فإنها لابد ان توفر المبررات والحجج والذرائع المقبولة لذلك، وتقويض الامن واثارة الاضطراب والفوضى، يمكن ان تكون اسبابا كافية ومقنعة لتأجيل خروجها من العراق الى اجل غير مسمى، لاسيما مع الضغوطات والمطالب الشعبية والسياسية العراقية الواسعة بأنهاء الوجود العسكري الاميركي من البلاد، التي تقابلها المماطلات الاميركية، والتأكيدات والادعاءات من قبل بعض مراكز  القرار، ومعاهد الابحاث والدراسات، ووسائل الاعلام الاميركية والغربية، بأن الحاجة ما زالت قائمة لإبقاء الولايات المتحدة قواتها في العراق، والتحذير من تكرار سيناريو الخروج غير المدروس من افغانستان.
   وكما يقول البرلماني السابق، على الغانمي، “ان الولايات المتحدة الاميركية تتخذ من داعش ورقة ضغط لإبقاء قواتها في العراق، وأنها تحاول العبث بأمن البلد من خلال تحريك خلايا داعش الإرهابية لمحاولة إيجاد ذريعة لإبقاء قواتها القتالية في العراق”.
   ويعزز هذه الرؤية، النائب الحالي في مجلس النواب العراقي، احمد السوداني، حينما يؤكد “ان الخلايا الإرهابية النائمة على الحدود السورية، ورقة من أوراق أميركا في العراق، وان بقاء القوات الاميركية يضعف العراق ويدخله في أزمات أمنية وسياسية واقتصادية، اذ ان هدف هذه القوات منع استقرار العراق مطلقا حرصا منها على دعم نفوذها وخدمة عملائها وكيانهم الإرهابي”.
   ولعل طرح خيار تحويل الارهابيين الدواعش من سوريا الى العراق يندرج في جانب غير قليل منه ضمن هذا الإطار والمخطط، وهو ما ينبغي التنبه له، والتعاطي معه بحكمة وموضوعية وحزم.
   وفي ذات الوقت، يجب عدم التهاون مع خيار اخراج القوات الاميركية من البلاد في أسرع وقت، لان بقاء تلك القوات يمثل جوهر المشكلة وليس الحل، ويعد الغطاء الذي يحتاجه الارهابيون الدواعش وغيرهم من الجماعات والتنظيمات الباحثة عن الفوضى والاضطراب.
  وما يتحتم التنبه له دوما هو، ان الولايات المتحدة الاميركية استخدمت ومازالت تستخدم داعش “فزّاعة” لتخويف العراقيين ولفرض خيار البقاء العقيم عليهم الى ابعد امد ممكن