الدكتور كرار داخل الحاتمي
مع تصاعد التوتر في المنطقة وارتفاع مستوى التهديد بشكل غير مسبوق واستمرار آلة الحرب الصهيونية في استهداف الابرياء وقيادات المقاومة في الاراضي الفلسطينية المحتلة لم يكن الجانب الايراني يتوقع ان تمتد يد اسرائيل الى ان تطال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في داخل العاصمة الايرانية طهران الامر الذي شكل صدمة عسكرية ما دفع إيران الى مراجعة موقفها السابق ووضع حد لسياسة الصبر الاستراتيجي بأزاء الاعتداءات الصهيونية التي باتت تشكل تهديداً لا لأيران فحسب وأنما للمنطقة بشكل كامل
ان اغتيال رئيس حركة حماس في مقر اقامته في طهران هو بمثابة ضربة موجعة لأيران في ظل الصراع الاسرائيلي الايراني في المنطقة وخرقاً غير عادياً لسيادتها، بل وحتى للقوانين الدولية التي تدرك إيران تماماً انها قوانين غير معترف بها من قبل العدو الاسرائيلي الذي لا يعرف الا لغة الصواريخ والمسيرات ما يعني أن إيران باتت امام موقف صعب امام حلفاؤها واصدقاؤها على حد سواء فهي اما أن تجد صيغة مناسبة بحجم الاعتداء الاسرائيلي او ستكون محط انتقاد كبير ما قد يزعزع مكانتها الاقليمية والدولية
المحور الاول: سيناريوهات الرد الايراني:
ان السؤال الابرز يدور حول كيفية الرد الايراني على اسرائيل في ضوء تحول قواعد الاشتباك وما هو مستقبل المنطقة في حال قرر الايرانيون وضع حد للاعتداءات الاسرائيلية ولعل أبرز تلك السيناريوهات يتخلص فيما يأتي:
اولاً- الاحتمال الاول: الرد الايراني الشامل والدخول في الحرب مع اسرائيل بشكل مباشر لا عن طريق الحلفاء في المنطقة، ولعل أبرز العوامل الداعمة لهذا الاحتمال تتلخص فيما يأتي:
-ان إيران بدأت تفكر جدياً في الانتقام الشامل بعد استهداف حلفاؤها واصدقاؤها في المنطقة فضلاً عن استهداف سيادتها وبشكل متكرر دون اي اعتبار لقواعد الاشتباك السابقة ما قد يؤسس الى حرب واسعة النطاق.
-لا مجال امام إيران الا بتبني خيار الحرب في ظل الاحراج الذي تعرضت له الجمهورية الاسلامية على المستوى المحلي والاقليمي والدولي
ثانياً- الاحتمال الثاني: الرد الايراني المحدود لتثبيت الردع شكلياً الامر الذي قد يجعل إيران امام احراج أكبر في ظل الاتهامات الموجهة إليها بتوريط حماس في الحرب على اسرائيل ولعل أبرز العوامل الداعمة لهذا الاحتمال تتلخص في الاتي:
– ان خيارات إيران العسكرية هي خيارات ذات طابع محدود ولأيمكن ان تفكر في دق طبول الحرب مع اسرائيل خاصة وان الولايات المتحدة الامريكية تقف خلف اسرائيل وهي الداعم الأول لها وبالتالي فأن اي تحرك عسكري ايراني سيقابل بتدخل عسكري امريكي مباشر.
-ان إيران تخوض حرب اقتصادية طويلة الامد ولأيمكن لها المجازفة والدخول في حرب اقليمية بتكاليف باهضه الثمن.
المحور الثاني: الخيارات الايرانية ومستقبل المنطقة
ان المتابع لسير الأحداث يرى ان الرد الايراني بات امراً محسوماً كما صرح بذلك رئيس اركان الجيش الايراني اللواء محمد باقري فضلاً عن تصريح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي قال ( ان رسالتنا الى اسرائيل ومن يقف خلفها ان ردنا سيأتي قريباً والأيام والميدان بيننا) الا ان الحديث في هذا السياق هو عن طبيعة الرد وتأثيرات ذلك على المنطقة في المستقبل ولاشك فأن اي رد ايراني سواء أكان شكلياً او صارماً قد يؤدي الى اشعال حرب اقليمية او فوق الاقليمية بحسب تدخل الاطراف الدولية الاخرى الى جانب هذا الطرف او ذاك وبالتالي فأن تأثيرات ذلك سترمي بثقلها على المنطقة بشكل كامل في ظل تداخل الجبهات اذ ان من الممكن ان تقوم اسرائيل برد فعل انتقامي آخر او ضرب اهداف حيوية في لبنان او سوريا او العراق واليمن ما يعرض المنطقة الى هزات امنية كبرى يصعب تلافيها او التحكم بمساراتها الامر الذي يدفع الدول الاخرى الى اتخاذ تدابير عسكرية خوفاً من تعريض امنها وسلامة اراضيها لأي تهديدات قادمة سواء من إيران او اسرائيل وهو ما يعني ان المنطقة ستكون على صفيح ساخن في الايام المقبلة .
ان الاحتمالات باتت مفتوحة اكثر من اي وقت سابق في ظل تداعيات الاعتداء الاسرائيلي ولايمكن حصرها في نطاق الفعل ورد الفعل ، اذ ان من الممكن ان تلجأ الولايات المتحدة الامريكية الى معاقبة إيران عن طريق استهداف حلفاؤها في المنطقة اسواء أكان هذا الاستهداف بشكل مباشر كما حدث في وقت سابق حيث تم استهداف اليمن وانصار الله من خلال المقاتلات الامريكية او ضرب قطاعات الحشد الشعبي في العراق كما حدث فعلاً في مناطق مختلفة ، فضلاً عن امكانية استخدام بعض الجماعات الارهابية لضرب اهداف حيوية او دول حليفة لأيران في المنطقة ما يعني انعدام الاستقرار الامني و السياسي والاجتماعي والبقاء في دوامة لانهاية لها .
الخاتمة:
ان التعمق في فهم مقتضيات توازنات القوى في المنطقة تحدد طبيعة الرد الايراني الذي سيأتي بحجم خرق سيادتها وقتل حليفها الضيف اسماعيل هنية الا ان التكهن في التحكم بمسارات الرد قد يكون امراً صعباً وبالتالي فأن ارتدادات هذا الصراع ستكون لها تبعات على المنطقة بشكل كامل وعلى مستويات مختلفة.