حمزة مصطفى

هناك مناطق يصعب الخوض فيها مرة كونها حكرا للمتخصصين، ومرة كونها لا أقول مشاع لكل من هب ودب، بل لأنها تخصنا كأفراد. فيما يتعلق بالمتخصصين فهناك أكثر من نوع من هؤلاء المتخصصين. في العلوم الدينية هناك الفقهاء ويصعب على أي غير متخصص الخوض في مجالهم كونه يتعلق بمسائل تخص الشريعة والفقه والعقائد. وفي العلوم الإنسانية في مختلف التخصصات يصعب كذلك الخوض فيها، بل والاقتراب منها لغير المتخصصين فيها. فمثلما ليس بإمكان أحد من غير رجال الدين إصدار فتوى دينية كونه لا يعرف حدود الفتوى ومتبنياها الشرعية وظروفها وارتباطها بالواقع وسلسلة من المحددات، فإنه في الوقت نفسه ليس من حق من ليس هو طبيب كتابة وصفة لمريض. وهو ما ينطبق بدرجات على باقي التخصصات وفي كل فروع الحياة ومناحيها. لكن هل هذه الحقول والميادين حقوقا مطلقة لمن يتخصص فيها لاسيما إنها ترتبط بقوة في حياة الفرد والأمة؟ بمعنى هل من غير الممكن مناقشة القضايا التي تهم الإنسان كفرد وأسرة أو مجتمع بدعوى التخصص الدقيق الذي لا يجيز حق الخوض فيه الإ لمن هو متخصص؟ ولأقترب أكثر.. هل ليس من حق الإنسان مناقشة “أحواله الشخصية” عندما يراد صياغتها بقانون ينظم حياته الأسرية أو العامة والتي كانت ومازالت على مدار الأزمان خلافات حادة بين الفقهاء ومرة وبين المذاهب في الدين الواحد مرة وبين الأديان المختلفة في كل المرات؟

وهل لا يحق للإنسان العادي غير المتخصص الدقيق ألا يكون له رأي في الإجهاض أو زراعة الأعضاء البشرية او قص المعدة لأنها من اختصاص الأطباء فقط؟ بالتأكيد هناك الكثير من الميادين والمجالات التخصصية الأخرى التي ينطبق عليها ذات الوصف. غير أن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو متى يمكن للإنسان بعيدا عن مفهوم التخصص الذي يتحول أحيانا الى سيف مسلط أن يكون له رأي في أي شأن من الشؤون التي تنظم حياته؟ وطالما نحن الآن في جو الجدل الدائر بشأن قانون الأحوال الشخصية سواء القانون النافذ رقم 188 لسنة 1959 أو مساعي تعديله، فإننا يمكن أن نحصر السؤال كالتالي.. هل من حقنا أم لا معرفة شيء عن “أحوالنا الشخصية”؟ لست اريد أن أكون هنا محامي الشيطان أو الملاك بحيث ادافع عمن يهاجمون القانون أو أهاجم من يدافعون عنه، بل أريد فقط معرفة حدود علاقتي بالقانون كونه مصمما “على مودي” كإنسان، مثلما أن من حقي معرفة حدود علاقتي بسائر القوانين الأخرى التي تنظم حياتنا اليومية بدءا من قانون المرور الى الضريبة الى منع صيد الطيور البرية في مواسم التكاثر.

هنا يتداخل الحق الشخصي مع العام وبينهما رأي أو مجال المتخصص سواء كان رجل دين، أم طبيب، أم مدير عام المرور أو الضريبة أو الزراعة؟ إذا عدنا الى الفقه أو الطب أو السير في الشارع دون ربط الحزام أو الصيد البري فليس من حقي الدخول في مساحات لا اعرف في بعضها “الجك من البك”. لكن إذا عدنا الى الدستور أجد أنه “يقشمرني” بسلسلة من المواد والفقرات والأحكام التي تتعلق بحرية الراي والتعبير بحيث تجعل “الشط مرك والزور خواشيك”. السؤال الأخير.. ماذا اعمل؟ اسكت لأني لا اعرف؟ أم أحتج لأن الدستور يمنحني حق الاحتجاج أم؟ أظن.. أم.