م. علاء جواد كاظم / باحث وتدريسي في مجال تكنولوجيا التعليم
هما نهجان مختلفان نوعا ما من حيث المفهوم والاساس الفلسفي والمنهج والوسائل، نجد استخدام هذان المفهومين في كثير من السياقات التربوية والفنية والاكاديمية وحتى التكنولوجية، لكن بالمقابل نجد لكل مفهوم سماته وخصائصة التي تميزه عن غيره، لذا نجد مفهوم كلمة كلاسيكية (Classical) تشير الى شيئا ما يتميز بنمط معين او بجودة ابدية او بقيمة دائمية، هناك امثلة كثيرة على هذه الكلمة ومنها؛ كتاب كلاسيكي او منهج كلاسيكي وحتى يمكن ان نقول سيارة كلاسيكية او الادب الانجليزي الكلاسيكي وغيرها، وتشير كلمة (كلاسيكية) الى وجود جودة معينة او محددة في العمارة او الفنون او الصناعة او الثقافة والخ، اما المنهج الكلاسيكي يعرف على انه اسلوب فكري مرتبط بكافة العلوم الاقتصادية والادارية والتربوية، والغرض من هذا المنهج هو الوصول الى الكفاءة لتحقيق المصالح وتوفير القدرة للحصول على الفائدة او الارباح، لذا نجد ان الاسلوب الكلاسيكي يعبر عن اي شئ يمتاز ببساطة وتطور واناقة خالدة. اما التجديد الرقمي نجده يركز اكثر على التكنولوجيا الناشئة والابتكارات الرقمية التي تغير طريقة تفكيرنا وفهمنا وعملنا في الحياة اليومية، بالرغم من انه يجمع ما بين مبادئ التصميم التقليدي وتلك التقنيات الرقمية المستحدثة.
مفهوم التنظير الكلاسيكي في التعليم
التنظير التقليدي يستند على اساس فلسفي، ويعتمد على نظريات وافكار غالبا ما تكون مستندة الى مبادئ واسس فلسفية وعلمية كلاسيكية او تقليدية، ويتبع منهجية بحثية صارمة ومحددة ويعتمد على مصادر ومراجع ادبية وتاريخية، لذا نجد ان مفهوم المحفزات والاستجابات التي قامت عليها نظرية الاشتراط الاجرائي والتعلم الشرطي تعود لعالم النفس الامريكي ((B.F. Skinner وجوهر هذه النظرية هو دراسة سلوك التعلم من خلال التفاعل مع البيئة، وهذا السلوك ممكن ان يتطور عن طريقة عواقبه، بمعنى اخر ان المحفز هو متغير يوثر على الفرد ويحفزه للتصرف بطريقة ما، وقد يكون هذا المحفز سلبي او ايجابي، وبناء على هذه المحفز تكون اجابة الفرد اما ايجابية او سلبية، في حين نرى ان الاجابة هي الافعال التي يقوم بها الشخص ردا على المحفز، ان مفهوم التنظير (التقليدي او الكلاسيكي) في التعليم والتعلم هو انشاء او وضع النظريات او الافكار او الخطط اللازمة واعدادها بشكل منتظم ليتم تطبيقها لاحقا في الصف الدراسي، وان التطبيق هو القيام لفعل التنظير وتطبيقه تطبيقا فعليا ليكون واقعا محسوسا، وان اساليب (التعليم الكلاسيكي) تعتمد اعتمادا كليا على الثقافة الكلاسيكية والتي تركز فقط على انتاج المعرفة لدى الافراد، وبهذا يكون المعلم اساس عملية التعلم ونرى المتعلم سلبي لا دور له في عملية التعلم فقط يتلقى المعلومة من معلمه دون بذل اي جهد او استقصاء او بحث عنها، وهذا ما يعرف “بالتلقين في التعليم” .
اما طرائق التدريس الكلاسيكية يكون فيها المعلم مسؤؤل بالدرجة الاساس على تصميم وتنظيم البيئة التعليمية مثل (غرفة الصف الدراسي) والمعلم لهو دور اساسي والوحيد القادر على اتخاذ القرار وتوجيه طلابه، ولا يستطيع المتعلم التفاعل مع المحتوى التعليمي ولا مع زملائه من الطلبة ايضا، اما من ناحية استرتيجيات التعليم نجد المعلم يستخدم مثلا استراتيجة تحليل النص او المشاركة في الحوار داخل غرفة الصف او اختبار الملاحظات او الالقاء بعد تقديم النقاط الرئيسية لحصة الدرس او الالقاء مع استخدام القلم للكتابة على السبورة، في حين نجد انواع التعلم التقليدي هو اشتراط وجود المتعلمين جسديا في غرفة الصف اثناء عملية التعلم وهو نظام تقليدي ومشهور في كل انحاء العالم، ونجد كذلك مصادر التعلم تركز على المصادر البصرية مثل الكتب المدرسية الورقية والخراط والصور الورقية وبعض الاحيان مصادر سمعية مثل التسجيلات الصوتية او الاذاعة المدرسية، وعليه نجد ان فريق من التربوين والاكاديمين يذهبون وينظرون وتمسكون بالنمط التقليدي الكلاسيكي في عملية التعليم والتعلم، اما لصعوبة وعدم قدرتهم على التحسين والتغير في كل ماورد اعلاه، او ضعف قدرتهم على تعلم معارف ومهارت تتسم وتتناغم مع تطورات العصر الحالي (عصر التكنولوجيا الرقمية).
مفهوم التجديد الرقمي في التعليم
مفهوم يشير الى استخدام التكنولوجيا الرقمية الناشئة والابتكارات التكنولوجية التي يمكن ان تساهم وتساعد في تغير طريقة التفكير والعمل في كل المؤسسات وخصوصا في قطاع التربية والتعليم، وان (التنظير الرقمي) او ما نسميه بالتجديد الرقمي يجمع بين اسس ومبادئ وفلسفة التنظير الكلاسيكي والتقنيات الرقمية الحديثة من حيث استخدام الحوسبة وبرامج التصميم الابداعي والابتكاري، وان التنظير الرقمي هو اطار عمل لترشيد كافة المستويات والقيادات الموجودة في الموسسة خلال عملية التحول، اي من خلال تحديد اسهل وافضل الممارسات والاجراءات للقيام بالاعمال اللازمة، وياتي الهدف من التجديد الرقمي هو لتعزيز الاقتصاد والمجتمع العالمي لتحسين نوعية الحياة، وتسهيل الوصول للمعرفة والخدمات العامة، ومن جملة مفاهيم التجديد الرقمي او التنظير الرقمي هو عملية تطبيق التكنولوجيا الناشئة للقيام بعدد من الاعمال غير التقليدية وبطرق جديدة لتحفز على تحسين الانتاجية، ومن ابرز فوائد التجديد الرقمي هو تقليل الجهد والوقت لتقليل التكاليف وتجنب اهدار الموارد وزيادة الانتاجية وبالتالي زيادة الارباح، وتتم عملية التجديد الرقمي من خلال خطوات عديدة ومنها: التخصيص والرقمنة والتخزين والاتمتة والاطلاق.
لذا نجد ان التجديد الرقمي يستند على اساس تكنولوجي-رقمي ويركز على التكنولوجيا الناشئة ويتبع منهجية حديثة في الممارسات تعتمد اساسا على تحليل المعلومات والبيانات وتصميم البرامج الذكية مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، ونجد (التجديد الرقمي) في التعليم هو التحول الرقمي في تطبيق مجموعة واسعة من الافكار والنظريات والممارسات التي تستخدم التكنولوجيا الرقمية في انشاء وتصميم وادارة وتقويم وتقييم عملية التعليم والتعلم في المؤسسات التعليمية، في التجديد الرقمي تستخدم وسائل رقمية للتواصل وتقديم وعرض الدروس التعليمية سواء في غرفة الصف او افتراضيا، ومن امثلته هو استخدام المنصات الرقمية والتطبيقات الذكية والوسائط المتعددة في التعليم، وعلية نجد ان من فوائد التجديد الرقمي في التعليم والتعلم يتيح للمفكرين وواضعي السياسات التعليمية تجاوز القيود التقليدية الكلاسيكية سواء كانت هذه القيود نظرية-فلسفية ام قيود مكانية-مادية لاستكشاف وتقديم حلول مبتكرة لمشاكل العالم المتزايدة وخصوصا في قطاع التعليم.
نجد طرائق واساليب التدريس في التجديد الرقمي هي طرائق قائمة على التكنولوجيا، ونجد ان المعلم مساعد وموجه لعملية تعلم الطلاب ويتيح لطلبته حرية اختيار بعض المواد الدراسية التي تتناسب مع قدرته على التعلم، ومدى رغبته في تعلم مواد دون مواد اخرى، ونجده يتفاعل اكثر مع البيئة الرقمية التي تتناسب مع مهاراته وتوجهاته الفكرية ويستطيع ان يعزز قدراته في اكتشاف الحلول المبتكرة من خلال قيامه بمهمه التعلم التجريبي وبالاعتماد على ذاته في البحث والتقصي على المعلومات ومن ثم طرح افكاره ومناقشتها مع زملائه ومعلمه، وكل هذا ياتي بسبب التركيز على محورية المتعلم في عملية التعلم، بمعنى اخر ان التوجه في طرائق التدريس المبتكرة هو اعتماد المتعلم على نفسه اكثر من الاعتماد على المعلم، وان وجود الوسائل الرقمية مثل البحث عبر الانترنيت من خلال محركات البحث وقناة اليوتيوب وغيرها من المنصات الرقمية التعلمية تنمي مهاراته الرقمية وتزيد من قدرته على استنباط الحلول الممكنة في حل المشكلات للوصول الى الابداع والابتكار.
من مسارات التجديد الرقمي في التعليم هو التركيز على مواكبة مناهج وطرائق التدريس للتطورات التكنولوجية الناشئة مثل استخدام الوسائل الرقمية بكل انواعها مثل ادوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالبات و تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعلم، وكذلك تصميم مناهج تعتمد على التعلم المتكيف-الذكي، وانشاء فصول دراسية مرنة-متكيفة مع متطلبات واحتياجات المتعلم في العصر الحالي.
وفي الختام، هناك صراع خفي وناعم بين الفرقيين (فريق التنظير الكلاسيكي وفريق التجديد الرقمي) الفريق الاول يدافع على عدم التجديد او التحول والبقاء على الاسس والمبادئ التقليدية في التعليم والتعلم بحجة البساطة والاناقة الخالدة للنظام التعليمي التقليدي، وعدم قدرته على مواكبة التطورات التكنولوجية الرقمية بسبب ضعف المهارة والمعرفة الكافية لاستخدام الادوات الرقمية الناشئة، اما الفريق الثاني يرى ان حجته مبنية على تجارب عالمية كثيرة في مجال استعمال التكنولوجيا في التعليم واهميتها وفاعليتها في عملية التعلم والتعلم، وان التحول الرقمي امر حيوي وضروي في التعليم بسبب التطورات السريعة في التكنولوجيا الناشئة واعتماد الاجيال الحالية (المتعلمين) على استخدام كافة انواع التكنولوجيا في حياته اليومية مما يساعدهم في تعزيز وتسهيل عملية التعلم لديهم، من هذا المنطلق يظهر لنا سؤال مهم وهو نتكيف ام نكيف مناهجنا التعليمية؟.