د. سلام جبار شهاب، باحث في الاقتصاد السياسي
د. علي محمد أحمد، باحث في الشؤون الاقتصادية والعملات
في عصر يتسم بالتقدم التكنولوجي السريع والابتكار المتواصل، يشهد العالم تحولاً جذرياً في العديد من المجالات الاقتصادية والمالية. من أبرز هذه التحولات هو بروز العملات الرقمية، التي تعد بمثابة تجسيد رقمي للقيمة المالية، وتحمل في طياتها وعداً بإحداث ثورة في كيفية إجراء المعاملات المالية وتعزيز الاقتصاد الرقمي. العملات الرقمية ليست مجرد تطور طبيعي للعملات التقليدية، بل تمثل نقلة نوعية تتطلب إعادة تفكير جذري في نظم الدفع، والأطر التنظيمية، والبنية التحتية المالية.
ظهور العملات الرقمية جاء نتيجة للتقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات والشبكات، وهو ما ساهم في تطوير منصات مالية رقمية جديدة، يمكن أن تعمل بشكل مستقل عن الأنظمة المالية التقليدية. يشمل هذا النوع من العملات الرقمية مجموعة واسعة من الفئات، بدءاً من العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) إلى العملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثيريوم، والتي تعتمد على تقنيات متقدمة مثل البلوكشين لتحقيق الأمان والشفافية في المعاملات.
إن الانتقال نحو الاقتصاد الرقمي واستخدام العملات الرقمية يفتح الأبواب أمام العديد من الفوائد المحتملة، مثل تقليل تكاليف المعاملات، تسريع العمليات المالية، وتحسين الشمول المالي من خلال تقديم خدمات مالية للمجتمعات غير المخدومة سابقاً. ومع ذلك، فإن هذا التحول يواجه أيضاً تحديات كبيرة، بما في ذلك الحاجة إلى تأمين النظم الرقمية ضد الاختراقات، وتطوير الأطر التنظيمية التي تضمن استقرار النظام المالي وحماية المستهلك.
كما أن تجارب الدول في تبني العملات الرقمية تختلف بناءً على السياقات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية لكل دولة. على سبيل المثال، قامت الصين بخطوات كبيرة نحو إطلاق عملتها الرقمية الوطنية، وذلك كجزء من استراتيجيتها لتعزيز مكانتها الاقتصادية العالمية وتقليل الاعتماد على النظام المالي التقليدي. في المقابل، تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى استغلال التكنولوجيا المالية لتعزيز مكانتها كمركز مالي عالمي وتحقيق تنويع اقتصادي بعيداً عن النفط.
يتطلب نجاح هذه التحولات في الاقتصاد الرقمي بنية تحتية تكنولوجية قوية تشمل أنظمة اتصالات متقدمة، ومنصات تداول آمنة، وتطوير الكفاءات البشرية القادرة على إدارة وتشغيل هذه النظم. من هنا، يصبح من الضروري للدول والمؤسسات المالية العمل معاً لتطوير بيئة تكنولوجية وتنظيمية تدعم الابتكار في مجال العملات الرقمية، وتحمي الاقتصاد من المخاطر المحتملة.
في هذه الورقة، سنقوم باستكشاف مفهوم العملات الرقمية، أنواعها وخصائصها، مع التركيز على تجارب كل من الصين والإمارات العربية المتحدة في تبني هذه العملات، والحوافز التي دفعتهم لذلك، فضلاً عن المتطلبات التكنولوجية لتحقيق نجاح هذه التحولات.