د. عبد العظيم جبر حافظ/ أستاذ النظم السياسية والسياسات العامة في كلية العلوم السياسية – جامعة النهرين.
أصبحت قضية استشراف المستقبل مثار اهتمام الباحثين ومراكز الدراسات في علوم عدّة، وبدأت الأنظمة السياسية تهتم به اهتماماً كبيراً نتيجة وقوعها في مشكلات وتعرضها لأزمات مختلفة، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك دعت الحاجة إلى الاهتمام بهذا الحقل المعرفي، ومن هذه الأنظمة النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي تحسباً من ظهور قوى سياسية دولية أو إقليمية تهددها.
لقد أثبتت الدراسات المستقبلية كفاءتها في الحد أو التقليل من المعوقات – التحديات – في المجالات المختلفة التي تحيط بالنظام السياسي. وأصبح الشغل الشاغل في الغرب لأجل التحكم بالمستقبل. بالاستشراف مهارة علمية وواقعية ومنطقية وموضوعية تهدف إلى استقراء التوجهات العامة في الحياة البشرية التي تؤثر بطريقة أو أخرى في مسارات كل فرد، وكل مجتمع وكل نظام، أن هذا الاستقراء يُسهّل على الفرد والدول أن تتهيأ بشكل أفضل لما سيأتي. وإذا كنا غير قادرين على معرفة الآتي – المستقبل- فإن ما يمكن أن تستقرأهُ به عن مجريات الحياة يدعونا إلى القيام بما نستطيع إعداداً لما سيأتي.
ولما كان موضوع استشراف المستقبل أو الدراسات المستقبلية ارتبط بتخصص (العلاقات الدولية) في العلوم السياسية، وتكاد تكون معدومة في تخصص (النظم السياسية) تجد هذه الورقة انطلاقاً من رغبة مدونها الذاتية والموضوعية بالكتابة حول هذا الموضوع، ولفت العناية إلى هذا المضمار المعرفي ليصبح مرشداً ودليلاً في استشراف المستقبل في النظم السياسية.
تتوزع السلسلة الزمنية إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل، فالماضي هو الزمن الذي انتهت أحداثه؛ والحاضر هو الزمن الذي نعيشه، والمستقبل هو الزمن الذي سيأتي، والفرق بين الأزمنة الثلاث أن الماضي لا نستطيع تغييره، بينما – الحاضر- زمن متحرك لم يكتمل بعد، أما بالنسبة للمستقبل فهو الزمن الذي لم يحدث بعد، ويمكن التحكم به، أي من الممكن أن تتدخل فيه الإرادة الإنسانية. لذلك ثمة علاقة ما بين (الزمن والتغيير)، فبدون الزمن يفقد التغيير دلالته، ويتوقف الإحساس بالزمن. إذ يمثل التغيير مؤشر الانتقال، فالمعنى الحقيقي للزمن هو محاولة ربطه بالتغيير من جهة. وبإرادة التغيير من جهة أخرى. إذاً فإن المستقبل:
ليس (قَدراً) يحدث، فإذا تركنا الزمن دون تغيير فلا نستطيع التحكم به، لأن المستقبل لن يكون استمراراً للماضي، بل هو استقبال الحاضر بكل أبعاده. فالنجاح في الماضي أو اجترار أمجاد الماضي دون النجاح في الحاضر ليس له أي مدلول على النجاح في المستقبل، في صياغة النجاح في الماضي ستكون صيغة فشل في المستقبل.
أن استشراف المستقبل لا يعني فقط اكتشاف المشكلة فحسب، بل استباق حدوث المشكلة قبل حدوثها أو الحد من تأثيراتها، إذا كانت سلبية من جهة؛ وطرح البدائل الممكنة للمعالجة في المستقبل لأجل رسم واقع أفضل من جهة أخرى.
يعد استشراف المستقبل حقلاً من حقول المعرفة يعمل على تحديد المتغيرات ووضع الاحتمالات المستقبلية.
تعنى الدراسات المستقبلية بما سيكون؟ وما ينبغي أن يكون؟ ومتى؟ وأين؟ وكيف؟ ولماذا؟.
تشير الدراسات المستقبلية بأن الحركة تؤكد أهمية التفكير العقلاني – العلمي والمنطقي والموضوعي حول المستقبل، والهدف هو تحسين صورة وفرص المستقبل المرغوب.