د. حيدر قحطان سعدون: أستاذ في قسم السياسة الدولية/ كلية العلوم السياسية/ جامعة النهرين.
شكلت عملية (طوفان الأقصى) في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023 وما تلاها من تداعيات إقليمية، حدثاً بارزاً في تاريخ الصراع (الفلسطيني – الإسرائيلي) حتى صَحَّ معها القول إن ما بعد تلك العملية ليس كما قبلها، فقد أعادت تلك العملية بقوة القضية الفلسطينية إلى ساحة الاهتمام الدولي، حتى تصدرت جدول القضايا العالمية محل الاهتمام، فضلاً عن القضايا البحثية موضع الدراسة والنقاش في الأوساط البحثية والأكاديمية.
ومن أبرز تداعيات تلك العملية النظر في مستقبل وجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة وما له من تأثيراتٍ على (الأمن القومي للكيان الصهيوني)، أما تلك التداعيات فالبعض منها قصير المدى الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها الكيان منذ يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وما تلاه بسبب العمليات الحربية الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر.
أما البعض الآخر منها، فتداعيات بعيدة المدى؛ أولاً من حيث تأثيراتها السلبية الحالية على أمن الكيان، والتي قد تحتاج إلى مراحل زمنية طويلة،، حتى يكون بالإمكان معالجتها، وثانياً من حيث آثارها المُمتدة التي قد تتجلى أكثر فأكثر في السنين القادمة، وخاصة ما له علاقة: بتآكل إستراتيجية الردع الإسرائيلية، وبدايات لانهيار العقد الاجتماعي في مجتمع الكيان، فضلاً عن، خسارة تعاطف وتأييد الرأي العام العالمي وما قد يمارسه من ضغوط على الأنظمة السياسية الداعمة (للكيان الصهيوني)، وهو ما تحاول هذه الدراسة عرضه ومناقشته في سياق المطالب التالية.
اعتمد (الكيان الصهيوني) منذ إنشائه «إستراتيجية الاستعداد الدائم لخيار الحرب والصراع؛ وسبب ذلك كونه كياناً مغتصباً لحقوق الفلسطينيين (والعرب) والمسلمين عامة – أقلها من وجهة نظر هؤلاء-، وهو ما جعله كِياناً غير طبيعياً في الأرض العربية والإسلامية، ومن ثمّ اتجه إلى إدامة وجوده عبر بناء قوة عسكرية كبيرة جداً، يمتلك كل أنواع الأسلحة: التقليدية وغير التقليدية، وتضع كل الإستراتيجيات اللازمة لإدارة الصراع والحرب على أكثر من جبهة للمواجهة الإقليمية». وقد استندت إستراتيجية الردع الإسرائيلية إلى عنصرين أساسيين هما:
1. العنصر المعنوي: ويتمثل ذلك من خلال التهديد بالعقاب، إذ يسعى (الكيان الصهيوني) إلى إرسال رسائل واضحة إلى الخصوم عن حجم الدمار الذي قد يلحق بهم في حال إقدامهم على عمل عدائي، وقد ارتبط التهديد بالعقاب في إستراتيجية الردع الإسرائيلية بــِ (الحرب النفسية) التي مارستها باتجاهين؛ الاتجاه الأول نحو الداخل أي إلى (المجتمع الإسرائيلي) من المستوطنين، لتعزيز الثقة (بجيش الكيان الصهيوني) بوصفه القادر على توفير الحماية لهم في وسط محيط إقليمي معاد لا يقر بشرعية وجود (الكيان الصهيوني)، سواءً كان ذلك المحيط أنظمة سياسية أو شعوب أو جيوش نظامية أو حركات مقاومة، وهو ما أعطى (الكيان الصهيوني) هالة من القدسية لدى مجتمع المستوطنين، إذ يوصف أحياناً بـِ (البقرة المقدسة).
وتتضح أهمية ذلك، من أن وجود الكيان الصهيوني ذاته لم يكن وفق التطور الطبيعي لوجود الدولة، إذ يكون المجتمع مادة البناء الأساسية للدولة، من خلال التطور الطبيعي والتاريخي من مجتمع يسود فيه الفوضى إلى مجتمع سياسي، ثم يتطور المجتمع السياسي إلى شكل الدولة، التي تتطور في وظائفها من الدولة الحامية إلى دولة رفاهية.