فورين أفيرز: هي مجلة أميركية تصدر كل شهر عن مجلس العلاقات الخارجية، وهو خلية تفكير مستقلة متخصصة في السياسة الخارجية.
قبل عقدين من الزمان، ساهمت الولايات المتحدة في تحرير الشعب العراقي من حكم النظام الديكتاتوري لصدام حسين، وساعدت في إنشاء أسس لنظام ديمقراطي. هذا الإنجاز سمح للعراقيين بتجربة الحرية للمرة الأولى، وقضى على القمع وسوء استغلال الموارد التي كانت تسبب مشاكل ليس فقط داخل البلاد، ولكن في المنطقة بأسرها.
منذ ذلك الحين، مرت العلاقات الأمريكية-العراقية بتقلبات، فترات من الانخراط والانفصال، حيث كانت المواقف أحياناً متوافقة وأحياناً أخرى مليئة بالتوترات. ومع ذلك، كان هناك فهم مشترك بين قادة البلدين بأن هذه العلاقة ستظل أولوية استراتيجية، مدعومة بمصالح مشتركة وجهود تعاونية للتغلب على الصعوبات. من خلال هذا التعاون الأمني هزم الإرهاب، ومَهّدَ هذا التعاون الطريق لإعادة بناء الجيش العراقي وقوات أمنية فعّالة.
اليوم، الطرفان بحاجة إلى حماية هذه الشراكة الاستراتيجية من خلال دخولها في مرحلة جديدة واحدة تدعم سيادة العراق واستقلاله دون التخلي عن التعاون المثمر بين بغداد وواشنطن. في أواخر كانون الثاني/يناير، تم تشكيل اللجنة العسكرية العليا، المكونة من كبار المسؤولين العسكريين من الولايات المتحدة والعراق، لتقييم تهديدات داعش المستمرة، وقدرات الخدمات الأمنية العراقية، والظروف التشغيلية في جميع أنحاء البلاد. أدى هذا الجهد إلى اتفاق بين جميع الأطراف المعنية على إنهاء التحالف الدولي بطريقة تدريجية ومنظمة وفق جدول زمني متفق عليه. (تأسس التحالف في عام 2014 لمحاربة داعش، ويشمل 86 دولة، بقيادة الولايات المتحدة وبدعوة من العراق. في المستقبل، ستعمل اللجنة العسكرية العليا على تطوير خريطة طريق للعلاقات المستقبلية، بما في ذلك وجود مستشارين أمريكيين. هذه الخطوات، على العكس من أن تكون تقليصاً في علاقة العراق مع الولايات المتحدة، بل إنها ستسمح بالانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة، تقوم على التعاون الذي يتجاوز الشؤون الأمنية والعسكرية فقط.
تعد العلاقة الأمريكية-العراقية مفتاحاً لاستقرار الشرق الأوسط ولرخاء شعوب المنطقة. في السنوات الأخيرة، نشأت توترات بين البلدين بين الحين والآخر بسبب النزاعات مع المجموعات المسلحة التي ظهرت في العراق خلال العقدين الماضيين. هذه المجموعات تطورت من الظروف المعقدة التي واجهها العراق أثناء مواجهة الإرهاب. مع استعادة الأمن والاستقرار تدريجياً، ستقل الحاجة إلى الأسلحة خارج سيطرة المؤسسات الحكومية. فالعراق يعمل بنشاط نحو تحقيق هذا الهدف.
أمام العراق طريقاً طويلاً ومليئاً بالتحديات، تدرك الحكومة العراقية موقعها الحساس والتوازن الدقيق الذي يجب أن تحافظ عليه بين الولايات المتحدة والمجموعات التي أحياناً تدخل في صراع مباشر مع القوات الأمريكية. موقف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني كان واضحاً «نرفض الهجمات على المصالح الأمريكية في العراق، أو في الدول المجاورة. في الوقت نفسه، نحتاج إلى وقت لإدارة التعقيدات الداخلية وتحقيق التفاهمات السياسية مع الأطراف المختلفة. يجب أن تكون سلطة إعلان الحرب والسلام حصرية للدولة؛ لا يمكن لأي كيان آخر أن يدعي هذا الحق».
بدعم من أصدقائه—وخصوصاً الولايات المتحدة—تمكن العراق من هزيمة أشرس منظمة إرهابية في التاريخ الحديث. الآن، لم يتبق سوى خلايا صغيرة من داعش؛ تطاردها قوات العراق الأمنية عبر الصحاري والجبال وحتى داخل الكهوف، فهي لم تعد تشكل تهديداً للدولة. لقد عزز هذا الصراع قدرات قوات العراق الأمنية بشكل كبير، مما جعلها من بين أكثر الجيوش خبرة في مكافحة الإرهاب. لذا حان الوقت لطي صفحة وتحويل موارد العراق من خوض الحروب إلى تعزيز التنمية.