خلال العقد الماضي، أصبحت قضية الممرات من أهم القضايا في المجالين السياسي والاقتصادي. وتُعتبر الممرات بمثابة شرايين للتجارة الإقليمية والدولية، ولها القدرة على تقريب المناطق الجغرافية من بعضها البعض من خلال السكك الحديدية والطرق السريعة وخطوط الأنابيب. لقد سعت العديد من الدول بجدية إلى إنشاء ممرات إقليمية ودولية منذ عام 2010؛ تحاول البلدان التي تسعى إلى استخدام مزاياها الجيوسياسية لتحقيق المصالح الوطنية والمتعددة الأطراف زيادة المزايا الاقتصادية من خلال إنشاء ممرات دولية والانضمام إليها. ويعد العراق من الدول التي تسببت فيها عقود من الأزمات والحروب في عدم تحقيق المزايا الجيواقتصادية بسبب طبيعة الأزمات.
وفي هذا الصدد، فإن مبادرة طريق التنمية هي جهد يبذله العراق لإخراج هذا البلد من القيود الجيوسياسية في أثناء إعادة بناء البنى التحتية للممر والموانئ والطرق والسكك الحديدية. وبعد تطوير مشروع ميناء الفاو، سيعمل العراق على تقليل اعتماده على الموانئ الخليجية والعبور البري من الدول الأخرى لخلق موقع مماثل في إدارة الترانزيت. لذلك، ومن منظور إقليمي، سيساعد مشروع طريق التنمية على تعزيز الدور الجغرافي الاقتصادي للعراق كنقطة ربط بين الخليج وآسيا وأوروبا.
وفي هذا الصدد، استضافت العاصمة العراقية بغداد، في 27 أيار/مايو 2023، مؤتمراً إقليمياً لوزراء النقل لدول الخليج وإيران وسورية وتركيا والأردن، فضلاً عن ممثلين من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. وقد خُصص المؤتمر بشكل أساسي لطرح خطة الحكومة العراقية إنشاء ما تسميه بـ “طريق التنمية”، وهو مشروع استراتيجي ضخم يهدف إلى جعل العراق ممراً لانتقال البضائع والسلع بين آسيا وأوروبا.
طريق التنمية الذي يروج له العراق، يتوقع أن يكون جاهزا بحلول عام 2028، ويهدف إلى تعزيز التجارة بين دول المنطقة، وسيكون بمثابة همزة الوصل التي تربط بين أوروبا وتركيا والخليج. ومن المتوقع أن تصل الأرباح السنوية للمشروع إلى قرابة 4 مليارات دولار، فضلاً عن توفيره 100 ألف فرصة عمل، إذ سيتحول من خلاله العراق إلى محطة رئيسة للتجارة ومحطة نقل كبرى بين آسيا وأوروبا ينخفض فيه زمن الرحلة البحرية من 33 يوماً إلى 15يوماً. وتصل كلفة المشروع إلى 17 مليار دولار، 10 منها لشراء قطارات كهربائية سريعة تنقل الحمولات في غضون 16 ساعة.
وقد أثار طريق التنمية الذي طرحه العراق، الكثير من التساؤلات بخصوص موقف الدول الإقليمية من المشروع الجديد الذي يربط قارتي آسيا بأوروبا عبر تركيا، لاسيما إيران. لذلك تسعى هذه الورقة البحثية إلى تحليل وجهة نظر إيران بشأن ممر طريق التنمية. وفي هذا الصدد، وبعد دراسة مكانة إيران في الممرات الإقليمية والدولية، سيتم بحث موقف إيران بشأن الممرات الجديدة في المنطقة، مع التركيز على طريق التنمية العراقي.